أعادت تغطية القناة القطرية «الجزيرة» لأحداث العيون النقاشَ، من جديد، حول مبدأ «السيادة»، في ارتباط بمستجدات الواقع السمعي -البصري الدولي وفي علاقة بخصوصية الفضاء الإعلامي الوطني. وقبل إسقاط أي معطى قانوني أو سياسي على تعاطي القناة القطرية مع الشأن المحلي المغربي أو مناقشة الصيغ المؤسساتية الحاضرة أو الغائبة المتعلقة بوجودها السابق في المغرب (قبل ذلك) يجب التذكير بمعطيات سبق أن أوردناها سالفا حول كون مختلف الأنظمة -مع بداية بروز ملامح الثورة التكنولوجية والإعلامية الكونية- استشرفت الدور الفاعل لمعطى «البث» وقدرته على خلق وتغيير أوضاع سياسية ومجتمعية، فكان طبيعيا -نتيجة لهذا الوعي الإستباقي- أن تصدر بعض الدول نصوصا قانونية تحتكر فيها البث، لمنع الطريق أمام اختراق من جهات داخلية مستقلة أو مدعومة من الخارج. وقد أمكن تحقق ذلك عبر احتكار ذبذبات الاتصال، التي كان ينظمها في العقد الثاني من القرن العشرين في المغرب الظهير الشريف لسنة 1924. ووفق هذا الاحتكار، مارست الدول سيادتها الإعلامية فوق حدودها الوطنية، باستثناء «ظاهرة» غير عادية قلبت المعادلة في النظام الإعلامي الكوني، ببروز تقنية البث العابرة لكل الحدود وبتناسل القنوات التي تقدم خدماتها عبر الأقمار الاصطناعية التي تمس بشكل مباشر مبدأ السيادة السمعية -البصرية بدخول شركاء في الخطاب والتوجهات والإمكانيات التقنية والمادية والبشرية. أفرز هذا الوضع العالمي العديد من النتائج، أولها منح جرعة متقدمة من الحرية، التي تأخذ في بعض الأحيان، سمة التهور واللا مسؤولية، في تناول بعض القضايا، وثاني المعطيات أن هذه الثورة خلقت دينامية قانونية ومؤسساتية متسارعة لتكريس هذه «السيادة»، عبر إنشاء هيآت (الهاكا، مثلا، في المغرب) مستقلة ومتخصصة يُعهَد إليها بتقنين البث، استنادا إلى القوانين المحلية والقيم الكونية. وثالث المعطيات أن التباين أو الاختلاف بين مختلف الأطراف حول تقييم أداء قناة معينة يرمي بالمسؤولية في وجه الواقفين وراء القمر الاصطناعي المُصْدر للبث، ما يعني أن حماية مبدأ السيادة الإعلامية من الاختراق يعود في الأخير إلى التوافقات والاتفاقات الإقليمية والدولية، ما يفسر الأهمية البالغة، مثلا، لتأسيس هيأة عربية لتقنين البث في الفضاء العربي. وفي ضوء تغييب تشكيل هذه اللجنة إلى حد الساعة، كان طبيعيا أن تبرز المقاربات الإعلامية «الشاذة» لبعض القنوات العربية، من بينها «الجزيرة»، في غياب أي رادع تشريعي متعلق بالفضاء السمعي العربي، دون النظر إلى إمكانية المتابعة عبر القنوات القضائية العادية، مع الإقرار بقيمة تفعيل قانون السمعي -البصري المغربي في التعامل مع أي وجود إعلامي أجنبي، تكريسا لوحدة القانون ومنع الطريق أمام أي التباس ورفعا لأي صفة تفضيلية غير مبررة في التعامل مع قناة تعلن شعارا انتقائيا ل«الرأي والرأي الآخر»... ولخلق تعاطٍ إعلاميّ سليم مع ملف قناة «الجزيرة»، يفترض الأمر البحث عن صيغ لتصدير الصورة الإعلامية الحقيقية لقضايا المغرب وخلق حصن إعلامي يتفاعل مع الأمر الواقع والتدخل في اللحظة الحاسمة، قبل أن يملأ الفراغ الخبري بمقاربات عربية أو أجنبية، كما حدث في ملف «مشاغبي العيون». وهذا يجدد الحاجة إلى خلق قناة إخبارية ذات توجه عربي وتقوية ودعم أداء قناة «ميدي آن تي في» وتفعيل وظائف القطب العمومي، عبر النظر إلى «الخبر» كمعطى جوهري في تشكيل وعي المشاهد وخلق مناعة تحول دون أي اختراق إعلامي غير مسؤول، أحيانا.