اتخذت الأزمة بين المغرب وقناة الجزيرة أبعادا غير مسبوقة لا يخدم تفاقمها مسار الانفتاح الإعلامي الإيجابي الذي عرفه المغرب أو دعم توجهات سياسته الخارجية إزاء القضايا الحيوية والاستراتيجية، وخاصة في ظل التركيز الإعلامي الدولي على المغرب الذي أنتج حالة اشتغال مضاعف ومكثف على قضاياه بالمقارنة مع غيره من دول المنطقة، إما رغبة في اختبار مصداقية شعارات الانفتاح المرفوعة من قبله أو سعيا للتفاعل مع التطورات الجارية فيه أو متابعتها أو مراقبتها. بداية ينبغي التأكيد على سيادة المغرب الكاملة في قراره الإعلامي وهي سيادة تقتضي رفض كل ابتزاز أو تعامل غير منصف ومنحاز مع قضاياه الحيوية والاستراتيجية من قبل وسائل الإعلام الدولية وخاصة قناة الجزيرة حيث برز أن بعض حالات تعاطيها في الآونة الأخيرة مع كل من قضية الصحراء المغربية وكذا المسألة الأمازيغية يصب الترويج للأطروحة الانفصالية والدعاية لها بخصوص القضية الأولى، أو التقديم المشوه لوضع المغرب كبلد اضطهاد عرقي رغم أن الواقع الملموس يؤكد خلافه في حالة القضية الثانية، وفي كلا الحالتين يغيب احترام قواعد التعاطي المهني المتوازن، ولعل نموذج التعاطي مع احتفالات البوليساريو الأخيرة ومقارنتها بما نشره موقع الجزيرة نت حول نفس الموضوع يكشف عن حجم الاختلال الصارخ بين التعاطي المتوازن والتعاطي المنحاز من جهتين تنتميان إلى نفس الشبكة، أما المثال الصارخ على الانحياز فهو التجاهل شبه التام لقضية ولد سلمى والتعامل بشكل مختلف ومفضوح مقارنة مع قضية أمينتو حيدار، وتزداد خطورة هذا الانحياز ويتفاقم ضرره باعتباره يمس الوحدة الوطنية للمغرب شعبا وأرضا، لا نحتاج لتذكير القناة بأن هذه القضية هي محل إجماع وطني ولها حساسية كبيرة ومصيرية، بما يجعل الإساءة في هذا المجال موجهة إلى عموم المغاربة بغض النظر عن توجهاتهم ومواقعهم. إن الطريق إلى الحل المطلوب لتجاوز الأزمة يكمن في حوار صريح وشفاف ومسؤول ينطلق أولا من طبيعة العلاقة بين المغرب وقطر والتي تبرز عدد من المؤشرات تحسنها بما يجعل موضوع قناة الجزيرة بمثابة الاستثناء المستفز في هذا السياق، كما يرتكز ثانيا على ضرورة صيانة مكتسبات الانفتاح الإعلامي على الخارج التي أتاحت تميزا معتبرا للمغرب في المنطقة العربية ويكفي في هذا الإطار النظر إلى وضعية القناة في عدد من الدول كالجزائر أو تونس حيث يغيب وجود مكاتب للقناة بها. وهو حوار ينبغي أن يؤسس لعلاقة سليمة وصحية تنبني على قواعد مهنية تحترم مقتضيات الحرية والمسؤولية في التعاطي مع تطورات الشأن المغربي، وتضع أسس تجاوز الأخطاء التي ارتكبت في الماضي، وفي الوقت نفسه استثمار وضعية القناة بالمغرب لتعزيز مسار الانفتاح الإعلامي للمغرب ودعم مكانته في الصراع الإقليمي والعالمي الدائر حول صورة كل بلد في المشهد الإعلامي الفضائي، وخاصة في ظل التنافسية المحدودة للإعلام العمومي المغربي. إننا نعتقد أن لا مصلحة في استمرار حالة التوتر القائم بين المغرب وقناة الجزيرة، أو الانزلاق نحو التصعيد فيها أو معالجتها بمنطق ردود الفعل، وفي الوقت نفسه فإن المطلوب من القناة أن تعلم أن الموقف إزاءها والداعي إلى ضرورة مراجعة تعاطيها من بعض قضايا المغرب ليس موقف محكوما بحسابات سياسية أو حزبية خاصة بل يتجاوز ذلك بكثير، حيث يعبر عن الرأي العام المغربي الرافض لكل تعامل غير منصف مع قضية وحدته الوطنية.