سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الجزيرة» بين غياب الإطار القانوني والمؤسساتي للاشتغال في المغرب واستهداف الثوابت الوطنية توافقات سياسية غير مكتوبة أدخلت القناة إلى المغرب وغياب الرقابة شجعها
حسمت وزارة الاتصال في الجدل السياسي والقانوني والإعلامي حول استمرار وجود قناة «الجزيرة» بعدما قررت الوزارة تعليق عمل القناة القطرية فوق التراب الوطني ووقف العمل بنظام الاعتماد الممنوح لصحفييها. خطوة رآها البعض تصحيحا لوضع «شاذ» لقناة تشتغل خارج إطار ما تنص عليه القوانين المغربية، لاسيما ما يتعلق بالقانون السمعي البصري (77-03)، في حين نظر بعض آخر إلى القرار بكونه إشعارا مباشرا على انتهاء العمر الافتراضي ل«توافق» سياسي غير مكتوب أدخل- بموجبه- وزير الاتصال السابق نبيل بنعبد الله الجزيرة إلى المغرب. دخلت العلاقة بين المغرب وقناة ««الجزيرة»» الإخبارية، مؤخرا، منعطفا جديدا، بعد أن قررت القناة القطرية اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار وزير الاتصال، خالد الناصري، القاضي بعدم تجديد اعتماد الصحافيين محمد البقالي وأنس بن صالح، بسبب ما وصفه الوزير بعدم التوازن في مقاربة اشتغال الصحافيين على القضايا المتعلقة بالمغرب، الشيء الذي يعيد طرح النقاش حول الخلفيات الإيديولوجية والإعلامية والسياسية التي تؤطر الشكل الأحادي (يصفه البعض ب«العدائي») الذي تتناول به «الجزيرة» مختلف الملفات المغربية، كما يعيد إلى الواجهة التحفظات وعدم الرضا الذي ما فتئت تبديه بعض الدوائر الرسمية المغربية على استمرار تواجد مكتب القناة في الرباط، على الرغم من ارتفاع حدة الاحتجاج على «سلوكات» قناة «الجزيرة»، في الوقت الذي تذكر أطراف أخرى بالحاجة إلى الاستفادة من دروس تجربة النشرة المغاربية المباشرة ومدى انسجامها مع الإستراتجية المؤطِّرة لها ومناقشة مدى استفادة المغرب، لاسيما على المستوى السياسي من تواجد «الجزيرة» فوق ترابه. من الدوحة إلى قطر بدون مسطرة قانونية ومؤسساتية بعد 10 سنوات من انطلاق بث «الجزيرة» وما وازى هذا البث من مشاكل على مستوى طريقة تغطيتها للأحداث الاجتماعية والسياسية المغربية، خصوصا السيادية منها، أعلن، في ال17 من نونبر من سنة 2006، عن انطلاق بث نشرة إخبارية مباشرة من الرباط (المغاربية) في ندوة حضرها، في أحد فنادق الرباط، الرئيس المدير العام لقناة «الجزيرة»، وضاح خنفر، وغاب عنها كل المسؤولين المغاربة المعنيين بالملف، بمن في ذلك الطرف الحكومي، ممثَّلا في وزارة الاتصال، التي كان يرأسها الأمين العام الحالي لحزب التقدم والاشتراكية -وزير الاتصال السابق. واعتبر مصدر مطّلع على كواليس الملف «أن هذا الغياب يدل، بشكل واضح، على أن قرار إطلاق النشرة تأسَّس على «توافُق» سياسي بين المغرب والقناة، وليس وفق مقاربة اشتغال مؤسساتية أو قانونية، مع التأكيد على أن هذا التوافق لم يكن مكتوبا. والهدف مزدوج، أولا، أن يتم قطع الطريق على القناة في إمكانية بث النشرة من بلد مجاور، وخصوصا الجزائر، وثانيا، «استدراج» القناة إلى العمل فوق التراب المغربي، مما قد يسمح بإمكانية التأثير في خطها التحريري لصالح الترويج للقضايا المغربية، إلا أن «حيلة» نبيل بن عبد الله لم تنْطلِ على وضاح خنفر». وأضاف المصدر نفسُه أن «إصرار النشرة المغاربية للقناة القطرية، التي أوكلت مهمة إدارتها لحسن الراشدي، على تكريس اللغة الصدامية مع الدولة المغربية أخذ أبعادا أخرى، خصوصا بعد تحفُّظ بعض الجهات على شكل تغطية الأحداث الإرهابية لسنة 2007 وتغطية الانتخابات التشريعية في السنة ذاتها، فضلا على تقديم النشرة المغاربية لضيوف بصفتهم باحثين وأساتذة جامعيين، في حين أن لهم انتماءات إيديولوجية قريبة من التيارات الإسلامية، لا يتوانون عن إظهارها في تحاليلهم، دون نسيان الإشارة إلى استمرار القناة القطرية في التعاطي مع ملف الوحدة الترابية بشكل «استثنائي»، بعيدا عن منطق «الرأي والرأي الآخر»، الذي ترفعه كشعار لها... قناة أجنبية تشتغل بآليات بث غير قانونية بالتزامن مع استمرار احتجاج جهات رسمية وشعبية على شكل تعاطي النشرة المغاربية ل«الجزيرة» مع القضايا المغربية، طُرِحت مسألة الوضعية القانونية لهذه النشرة. في هذه النقطة، يشدد مصدر آخر على «أن دخول النشرة إلى المغرب لم يكن، حينها، خاضعا لقانون الاتصال السمعي -البصري، وبالتالي لم تكن ضمن اختصاصات الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري، لأن النشرة لا ينطبق عليها حرفيا تعريف الخدمة السمعية -البصرية، كما هي واردة في القانون رقم 77.03. كما أن «الهاكا» لم تكن تمنحها دبدبات للبث، بل كانت الوكالة الوطنية للاتصالات السلكية واللاسلكية هي التي تمنحها ترخيصا مؤقتا، يُجدَّد كل ثلاثة أشهر، من أجل استعمال جهاز «إس. إن. جي.»، الذي كان ينقل النشرة وببث مباشر، عبر الاتصال اللا سلكي من الرباط إلى الدوحة، ومنها إلى الأقمار الاصطناعية، وبالتالي ف«الهاكا» لم تكن تمنحها دبدبات تبرر سلطتها عليها». وعلى الرغم من هذه الصيغة «الملتبسة» و«التوافقية»، يؤكد المصدر أن الدولة المغربية فكرت، بشكل جدي، في إخضاع النشرة المغاربية للقانون المغربي، عن طريق القيام بنوع من الاجتهاد القانوني من طرف «الهاكا». وبالفعل، تم إقناع مسؤولي قناة «الجزيرة» بفكرة تحويل مكتب الرباط، الذي تبث منه النشرة، إلى شركة مساهِمة خاضعة للقانون التجاري المغربي، وهو ما تحقق بالفعل، على أساس أن هده الخطوة كانت مقدِّمة لخطوة أخرى أكثر أهمية، ألا وهي صياغة دفتر تحملات خاص بالنشرة يحدد التزاماتها من الناحية المالية والتقنية والتحريرية ويُجبرها على احترام قواعد التعددية وعدم المساس بالثوابت المغربية، ما دام الأمر يتعلق بمنتوج تلفزي منتظم البث يوميا. وقد انطلقت المفاوضات، بالفعل، حول صياغة دفتر التحملات، لكن هده العملية توقفت بعد تصريحات هيكل، التي كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»... نهاية التوافق بن الدولة المغربية و«الجزيرة» في الوقت الذي كان سقف تطلعات المسؤولين المغاربة المكلفين بملف «الجزيرة» يتجه نحو تبنِّي النشرة المغاربية للقناة القطرية مطلب دفتر التحملات الذي يمنحها الصفةَ القانونية، تلقت السلطات المغربية ضربة قاسية بعد تشهير حسنين هيكل في برنامج «مع هيكل» بالملك الراحل الحسن الثاني، بعدما تحدث الصحافي المصري عن دور للملك في اختطاف بعض قادة الثورة الجزائرية، مما شكَّل «منعطفا» حاسما في مسار القناة في علاقتها بالمغرب... مباشرة بعد حادثة هيكل، التي لم تكن إلا النقطة التي أفاضت كأس النوايا السيئة تجاه المغرب، تم توقيف النشرة المغاربية. حينها، خرج وزير الاتصال، خالد الناصري، عضو حزب التقدم والاشتراكية، ليقول إن توقف بث «الجزيرة» من الرباط لا يعدو أن يكون «موضوعا تقنيا وقانونيا محضا، لأن وكالة تقنين الاتصالات السلكية واللا سلكية لم تجدد لها الرخصة المؤقتة للبث. وأضاف الناصري، في لقاء صحافي، أنه «لا مكان لإعطاء هذا القرار بعدا سياسيا»، وذكر بأن المغرب «استضاف قناة «الجزيرة» بصدر رحب، في إطار انفتاحه الديمقراطي المتميز الذي لا ينازع فيه إلا ضعيفو البصر أو من لهم غرض معيَّن» من وراء ذلك... ورغم عدم تجديد الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات السلكية واللا سلكية للترخيص المؤقت، وبالتالي توقُّف النشرة، فإن المغرب لم يعمد إلى إغلاق المكتب، كما فعلت مجموعة من الدول العربية، بل تركه مفتوحا ومشتغلا، طبقا لنظام الاعتماد المُطبَّق على القنوات الأجنبية العاملة فوق التراب المغربي، وهو ما يدخل في الاختصاصات الإدارية لوزارة الاتصال. الجزيرة تلجأ للقضاء ضد الدولة المغربية بعد سحب الترخيص المؤقت لبث النشرة المباشرة من الرباط، استمر مكتب الرباط، الذي لم يغلق، في الاعتماد على إنتاجات الصحافيين الحاصلين على بطاقة الاعتماد في المغرب، وهي الاعتمادات التي تمنحها وزارة الاتصال. وفي هذا الصدد، قررت الوزارة عدم الترخيص للصحافيين أنس بنصالح ومحمد البقالي، وربطت الوزارة القرار ب«تشويه الصحافيين صورةَ المملكة في الخارج، بالترويج للأخبار التي تسيء إلى سمعته»، مع تأكيدها على منح باقي الصحافيين بطائقَ الاعتماد، وهو الشيء الذي قررت معه «الجزيرة» اللجوء إلى القضاء، للطعن في قرار وزارة الاتصال. «الجزيرة» وملف الوحدة الترابية بعد كل هذه المحطات الشائكة التي رافقت شكل حضور «الجزيرة» دخلت العلاقة النفق المسدود. وفي هذه الإطار، علق مصدر مسؤول قائلا إن «عمق المشكل بين «الجزيرة» والمغرب سياسي بالدرجة الأولى، على اعتبار أن الجهات الإعلامية الرسمية «لا تنظر بعين الرضا» إلى الشكل الذي تتعاطى به القناة القطرية مع القضايا المغربية، لاسيما ما يتعلق منها بملف الصحراء المغربية... كما أن هذه المقاربة تتأسس على غياب التوازن في الخبر والتركيز على ما هو سلبي في المغرب، فضلا على نهج القناة أسلوبَ التضخيم وإعطاء فرصة النقاش لطرف على حساب طرف آخر، دون احترام مبدأ «الرأي والرأي الآخر»، حسب ما تنص عليه أخلاقيات العمل الصحافي، الذي تتبناه القناة... «الجزيرة» وازدواجية الخطاب.. بخصوص ما يلاحَظ على تعاطي القناة القطرية مع الأخبار التي تبثُّها، يُشدِّد مصدر آخر على أن القناة تتعاطى بازدواجية مع حرية التعبير وحق المتلقي في الإخبار، بالنظر إلى التركيز على أنظمة ومشاكل بعض الدول العربية (المغرب، مصر، تونس..)، في الوقت الذي تغُضّ القناة الطرف عن النظام القطري والخليجي، بشكل عام، ما يعني أن هناك خلفيات انتقائية يتم استحضارها في مقاربة قضايا تلك الدول، فضلا على تحول القناة القطرية إلى بوق للحركات الانفصالية والمتطرفة، دون أخذ رأي الجهات الرسمية المعنية، وهو الشيء الذي حدث في المغرب. «لا أظن، مثلا، أن تبث قناة «الجزيرة» من مكتب لها في مدريد مثلا ورقة عن انفصاليي «الباسك»، وإذا كان السؤال بلا، فكيف يمكن، مثلا، أن نسمح للقناة ببث أفكار تُعارض مبدأ السيادة الذي تنص عليه كل دساتير الدول»، يقول المصدر. وعن ضرورة سيادة منطق القانون، يقول المصدر: «يجب أن نؤكد على أهمية احترام القوانين الجاري بها العمل في أي منطقة تُبث أو تصور أو تسجل فيها البرامج، وهنا لا بد من التذكير بأن مجلس السمعي -البصري الفرنسي لم يجد حرجا في منع قناة «المنار» من البث من التراب الفرنسي، على خلفية اتهامها بالتحريض على العنف، بناء على قوانين السمعي -البصري الفرنسي، وكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى علاقة المغرب مع «الجزيرة»، إذا تجاوز الأمر القانون ليصل إلى رموز السيادة المغربية، لهذا يجب القول إن الحرية التامة لا يمكن أن تمارس خارج القانون والسيادة الوطنية. حل مشكل كبير اسمه «الجزيرة» بخصوص إيجاد مخرج لمأزق تواجد «الجزيرة فوق التراب الوطني، يقول المصدر إن أمام المغرب حلين اثنين، في ضوء إمكانية التصعيد بين الطرفين: إما اختيار ترك الأمور على ما هي عليه، وإما اتخاذ قرار بمناقشة الأمر بشكل شجاع وسياسي، ويخول الحل الثاني فرضيتين: إما إغلاق مقر قناة «الجزيرة» في الرباط، بشكل نهائي، كما حدث في العديد من الدول العربية أو ترك المكتب، ولكن مع إخضاعه وإجباره على عدم الدعاية لبعض الأطراف على حساب الملفات السيادية وإجبار الصحافيين المعتمدين على ضرورة احترام «الرأي والرأي الآخر»، من خلال توقيع دفتر تحمُّلات مكتوب ومتوافَق حوله بين الطرفين، تشرف عليه وزارة الاتصال، في إطار نظام الاعتماد. وقد اختارت وزارة الحل الثاني وقررت يوم الجمعة الماضي، تعليق عمل «الجزيرة» في المغرب ووقف العمل بالإعتمادات الممنوحة لطاقمها العامل في المغرب، بسبب إضرار مقاربتها الإعلامية بالمصالح العليا للبلاد. وشدَّد المصدر على ما سبق أن عبَّر عنه وزير الاتصال السابق، نبيل بن عبد الله، في برنامج «حوار»، من ضرورة ترك الحرية لوزارة الاتصال في التكفُّل، مرة أخرى، بملف «الجزيرة»، وفق مقاربة سياسية، مع تأكيد المصدر على أهمية تفعيل لغة القانون بالقول إن فوضى حرية التعبير تنتهي عندما يبدأ النص القانوني... وحمَّل مصدر آخر المسؤولية للجهات الرسمية في عدم النظر بشمولية إلى ملف «الجزيرة»، أي أنه في الوقت الذي يتم السماح لممثلي بعض القنوات الإسبانية والعربية («الجزيرة»، مثلا) بتقديم المقاربة الخاصة للقضايا المجتمعية والسياسية، تغيب وسائل الإعلام المغربية عن تغطية الأنشطة الدولية، في ظل عدم الاعتماد على مراسلين أو مكاتب في هذه الدول، فمثلا، لا يُعقَل ألا يكون في أمريكا صحافي يكون قريبا من ملف الحكم الذاتي.. أعتقد أنه بهذا التوجه، نكون في وضع أقوى أثناء التعامل مع الأنظمة التي تشجع مثل هذه القنوات، مما يجعلها تفكر ألف مرة قبل تقديم مقاربتها الخاصة للقضايا التي تهم الشأن المحلي، كي نعفي أنفسنا من ترديد ما قاله الأمين العام لحزب التقديم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله (الذي اتهمه البعض بالتسرع في السماح ببث نشرة المغرب العربي) في برنامج «حوار»، من أن هناك في قناة «الجزيرة» من يضمر الشر للمغرب «كاينينْ شي وْحدينْ باغيين فينا الخْدمة في «الجزيرة»...