حركت الجمعية المغربية لحقوق المشاهد، مؤخرا، دعوى عمومية أمام المحكمة الإدارية بالرباط من أجل طلب إيقاف بث برنامج الكاميرا الخفية «طاكسي 36»، الذي بثته القناة الثانية طيلة شهر رمضان، بعدما اتهمت الجمعية في دعواها برنامج «طاكسي 36» بالدعوة الصريحة إلى التمييز العنصري بسبب الانتماء إلى سلالة معينة، وبوضع المواطنين في حالات حرجة والنيل من شرفهم وكرامتهم وخصوصياتهم وحرياتهم الفردية التي يضمنها القانون. وبصرف النظر عن الخوض في القيمة «الإبداعية» لما قدم في الشهر الفضيل، على اعتبار أن ما أصبح يكتب باسم «النقد» في جرائد بعينها صار يجسد أهم معطى ل«فساد» التلفزيون ويشكل شكلا صارخا ل«التفاهة» التي تستحق «الشفقة» أحيانا، لقصر نظرها أو تجاوزها أو تفاهة «تموقع» أصحابها في المجال، بصرف النظر عن كل ذلك، يمنح حدث الدعوى الفرصة لمناقشة بعض الجوانب النظرية والقانونية لممارسة الوصاية أو الرقابة على الفضاء السمعي البصري المغربي في ارتباط بالتحولات التي شهدها المجال. في بدء النقاش، وجب التذكير أن مفهوم «الرقابة» في مطلقه يتأسس على مبدأ» الاختصاص» ويحدد ملامحه بروتكول «ميثاق رقابة»، أي أن هذه الرقابة بصرف النظر عن مجال اشتغالها، تستند على القانون وعلى ميثاق أو عقد، شبيه بالعقد الاجتماعي أو ميثاق الشرف... هذه الرقابة تأخذ عدة صيغ، لعل أسماها الرقابة الأخلاقية التي تنبني على نص صريح يمكن العودة إليه في حالة الاختلاف. وتعيش هذه الرقابة إلى جانب الرقابة القانونية الصارمة، إذ بموجب الأخيرة تتدخل القوة العمومية لفرض احترام القوانين والفصل في النزاعات، ويمارس القضاء رقابته انطلاقا من نصوص قانونية، هذا فضلا عن معطى الرقابة الذاتية(الاختيارية) التي تأخذ بعدا مراقباتيا واستباقيا وشخصيا. وفيما يخص «الوصاية»، فهي لا تستقيم، في أصل الأشياء، إلا بوجود نص صريح يحدد شكل الوصاية، وهي نوع من المراقبة المصاحبة، كما يحدث في علاقة الداخلية بالجماعات المحلية. وإذا حاولنا أن نسقط هذه المفاهيم على السمعي البصري المغربي، فالأجدر أن نذكر بسيرورته،إذ قبل سنوات قليلة، كانت وزارة الإعلام المسؤولة عن تكريس وتطبيق السياسة العمومية في مجال السمعي البصري، وتمارس الوصاية التي يحددها القانون، إلا أنه مع بداية الشروع في مشروع هيكلة السمعي البصري، خلقت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وحددت لها من خلال الظهائر والقانون صلاحياتها كأداة لمراقبة السمعي البصري وحمايته بالتعايش مع السلطة القضائية التي لها الحق في الفصل في القضايا ذاتها دون نسيان الإشارة إلى «وصاية» وزارة الاتصال على السمعي البصري العمومي عبر العقد البرنامج الموقع بين التلفزيون والحكومة، إلا أن الرغبة في تكريس التعدد الحقيقي وتفعيل المجتمع الإعلامي الفعلي يتم عبر تكريس استقلالية السلطة الرابعة (الإعلام) والدفع نحو منحها آليات مراقباتية يكون لها الفصل في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسمعي البصري، والحال أن توجه جمعية نحو المحكمة الإدارية يحمل العديد من المؤشرات والعوائق. أولها أن الأصل في وجود الجمعيات أن تدافع عن حقوق منخرطيها و تنوب عنهم أمام السلطات التنفيذية أو القضائية لرفع ضرر ما، وبغض النظر عن مناقشة صيغة منح الجمعية الحق في الدفاع عن المشاهد المغربي، يطرح السؤال حول تحديد مفهوم الضرر وحدوثه مع تحديد حجم هذا الضرر المفترض وحجم التعويض المستحق له بالعودة إلى القوانين والنصوص ذات الاختصاص، وفي حالة السمعي البصري يتم الاستناد على الخبرة، وهو الشيء الذي يعني بشكل واضح لا لبس فيه العودة إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري كأعلى جهاز مؤسساتي في المغرب مخول له مراقبة وتدبير المجال، وهو الشيء الذي تنص عليه المادة الرابعة عشرة من الظهير المؤسس للهيئة، إلا أن الأمر الجلي أن المادة ذاتها تمنح للجمعيات الحق في أن تلجأ إلى الهيئة بشكل مباشر لتقديم شكاية متعلقة بخرق متعهد للقوانين، وواقع ما حدث أن الجمعية تجاوزت الهيئة العليا وتوجهت للمحكمة الإدارية، مما يعني أن الجمعية إما أنها لا تنظر بعين الرضا لقرارات «الهاكا» أو أن هناك توجها خفيا لتقزيم دور «الهاكا» لصالح جهة أخرى مرتبطة بواقع السمعي البصري تحاول أن تكرس الوصاية القديمة بما يشبه المراقبة.