كشفت أحداث العيون، في الأقاليم الجنوبية المغربية، واحدة من أبرز أوراق الإعلام الإسباني في معالجته لقضية الصحراء المغربية، فلأول مرة تكتشف وسائل الإعلام الإسبانية أن هناك صحراويين داخل المغرب، بعدما كانت تتحدث في السابق عن الصحراويين في مخيمات تندوف، التي كانت تعتبرها «جمهورية» لجميع الصحراويين، وترى في العائدين إلى أرض الوطن صحراويين «تحت الاحتلال المغربي». ومنذ بدء الخيام الأولى في مخيم «كديم إزيك» قريبا من مدينة العيون بحوالي خمسة عشر كيلومترا، احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية لهم وغياب الحوار مع السلطات المحلية هناك، اتجهت الصحف ووسائل الإعلام الإسبانية إلى تضخيم الحدث وتصويره كأول انتفاضة للصحراويين منذ خروج الاستعمار الإسباني من الأقاليم الجنوبية عام 1975 مع حدث المسيرة الخضراء، وكتبت بعض هذه الصحف بأن الأمر يتعلق بدولة صحراوية داخل المغرب. وقد كان من الصعب إيجاد الخيط الفاصل بين التغطية الإعلامية المتوازنة والمهنية وبين الانخراط السياسي وتبني موقف مسبق من الأحداث، ومن السهل بالنسبة للقراء المغاربة للصحف الإسبانية أن يستنتجوا بأن غالبية الصحافيين الإسبان، مهما كانت المنابر التي يعملون بها، يتحولون إلى أعضاء في الحزب الشعبي اليميني عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء. وطيلة الأيام الأولى للمخيم خصصت الصحف الإسبانية حيزا هاما في صفحاتها الأولى للخبر والصورة، وأعطت مكانا مهما لتصريحات مسؤولين في جبهة البوليساريو، وبدا انخراط الصحافة الإسبانية واضحا مع أطروحة الانفصاليين في معالجتها للأحداث، وحتى عندما كان يتم نقل بعض تصريحات المسؤولين المغاربة في الموضوع، نقلا عن وكالة المغرب العربي للأنباء، كان بعض الصحافيين يلجؤون إلى التعليق بأقلامهم على تلك التصريحات بهدف توجيه القراء سلفا نحو استنتاج ما يجب استنتاجه. وجاء منع السلطات المغربية لأكثر من عشرة صحافيين من دخول مدينة العيون ليزيد من تشديد موقف الصحافة الإسبانية من الموضوع، خصوصا أنه كان واضحا بأن حضور الصحافيين إلى جانب برلمانيين إسبان من الحزب الباسكي باتاسونا الانفصالي كان رسالة صريحة بأن هدف أولئك الصحافيين يتجاوز البحث عن الأخبار والمعلومات والتقصي. وظهر ميل الصحافة الإسبانية إلى جانب أطروحة الانفصاليين بوجه خاص بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الرئاسة في الحكومة الإسبانية رامون خوكيري في البرلمان الإسباني بعد طرح سؤال من المعارضة حول أحداث العيون والموقف من الصحراء المغربية، حيث قال خوكيري «إن الاعتراف بالأرض يشكل جزءا مما يسمى بالنواة الصلبة للسيادة في أي بلد». وفور ذلك التصريح خرجت الصحف الإسبانية، سواء من اليمين أو اليسار، مبرزة قولة المسؤول الحكومي بخط بارز ومنتقدة إياه، معتبرة بأن تلك التصريحات تؤكد اعتراف الحكومة الإسبانية بالسيادة المغربية في صحرائه. المثير في الأمر أن بعض الصحف الإسبانية حاولت باستمرار إبراز صورة أميناتو حيدر، التي أعطيت لها هدية ثمينة من طرف الإعلام الإسباني لكي تظهر نفسها وسط الرأي العام الإسباني كمعارضة للنظام المغربي. وفي هذا الصدد خصصت يومية «إيل باييس» يوم الأحد الماضي صفحة كاملة لحيدر مقدمة إياها كمناضلة «حقوقية» موالية للبوليساريو، لكنها لا تريد دخول مخيمات تندوف «لكي لا يتم توظيفها» حسب قولها. وعن سؤال لماذا لم تشارك في مخيم «كديم إزيك» قالت حيدر «لأنني أخشى أن يستغل النظام المغربي حضوري ليقمع سكان المخيم». وفي يوم الثلاثاء الماضي خصصت لها صفحة كاملة تقريبا، وردت على نفس السؤال بالقول: «لو أنني حضرت في المخيم لكان المغرب قد قمع الصحراويين منذ مدة طويلة»، واعتبرت المخيم شكلا احتجاجيا بالنسبة للصحراويين الانفصاليين ضد «الاحتلال المغربي»، وقالت: «لقد أبدعنا أشكالا جديدة للاحتجاج». وخلال التغطية التي قامت بها نفس الجريدة، مثلا، كانت تسعى في كل مادة صحفية تنشرها يوميا إلى تذكير قرائها بأن الأمر يتعلق بعشرين ألف صحراوي في المخيم، في الوقت الذي تقول الحكومة المغربية إن الأمر لا يتجاوز ألفي شخص، ومع ذلك يبدو الفرق شاسعا جدا بين الرقمين مهما كانت الاعتبارات، لأن هدف الصحافة الإسبانية هو تهويل الموقف وتضخيم الحدث أمام أنظار الرأي العام الإسباني والدولي. الصحافة الجزائرية كانت سباقة إلى متابعة أعمال الشغب والفوضى في العيون، حيث عمدت إلى الرفع سريعا من عدد الضحايا، وقالت إن الأمر يتعلق بمقتل 17 صحراويا وجرح 1500 واعتقال أزيد من ألفين، علما بأن هذا لم يحدث. ولأن ذكرى فاتح نوفمبر، ذكرى الثورة الجزائرية، تزامنت هذه المرة مع أحداث المخيم، فقد نشرت جريدة «الخبر» رسالة محمد عبد العزيز رئيس البوليساريو يهنئها فيها على تغطيتها «المتوازنة» للأحداث، ويقول: «إننا في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لننظر بكل تقدير واحترام وتثمين إلى جريدة «الخبر» على حفاظها على تغطية ومتابعة مستمرة، بكل موضوعية وشفافية، لكل القضايا الوطنية والجهوية والدولية، وإصرارها على وضع قرائها الكرام في الصورة حول تطورات نزاع الصحراء الغربية، كآخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا».