تحولت مراسيم دفن شهيد الواجب عبد المنعم النشيوي، البالغ من العمر 30 سنة، أول أمس في الرباط، إلى مسيرة احتجاجية، حيث ردد الشباب شعارات من قبيل: «يا شهيد ارتاح ارتاحْ، سنواصل الكفاحْ، و«موتْ موت يا العْدُو، الملك عْندو شْعبو»...
وقد ووري جثمان النشيوي، أحد أفراد القوات المساعدة، الثرى في مقبرة بالقرب من الحي الصناعي في الرباط، في جو جنائزي مَهيب حضره مسؤولو القوات المساعدة والعديد من المواطنين.
وكان عبد المنعم قد توفي متأثرا بجروحه بعدما نالت منه أيادي الغدر الآثمة وهو يقوم بواجبه المهني في حماية المواطنين من إرهاب ذوي السوابق الذين اندسوا للقيام بأعمالهم الإجرامية داخل مخيم «إكديم إزيك».
وقد عمّتْ مظاهر الحزن سكان حي التقدم، بعدما تلقى محمد النشيوي خبرَ وفاة ابنه، الذي كان يعمل في مدينة سطات منذ خمس سنوات، وكان ضمن الذين تم اختيارهم للتوجه إلى العيون لتعزيز التواجد الأمني هناك.
وقد ارتفعت حصيلة القتلى في العيون إلى 12 شخصا، ينتمي 10 منهم إلى القوات المساعدة والدرك الملكي والوقاية المدنية، إضافة إلى إطار في المكتب الشريف للفوسفاط، كان قد توفي بعد أن صدمته سيارة خلال أعمال الشغب، إلى جانب إبراهيم الداودي، أحد المصابين خلال التدخل الذي قامت به القوات العمومية من أجل تحرير المواطنين من قبضة ذوي السوابق العدلية الذين نفذوا جرائمهم.
يُذكَر أن القوات العمومية كانت قد تدخلت يوم الاثنين الماضي لتحرير مواطنين كانوا محتجَزين داخل مخيم «إكديم إيزيك» من قِبَل مليشيات مسلحة، منعوهم من مغادرة المخيم للتسجيل في إطار عملية توزيع بطائق الإنعاش الوطني وبقع أرضية لفائدة الأشخاص المعوزين من سكان العيون، فقام هؤلاء الانفصاليون بتخريب العديد من المؤسسات وواجهوا القوات العمومية بقنينات الغاز والزجاجات الحارقة.
من جهة أخرى، أبلغ محمد مهيدية، والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، أسرة الطالب الدركي بدر الدين طراهي، الذي لقي حتفه في أحداث العيون على يد الانفصاليين ذبحا، عندما كان يقوم بحراسة مخيم «أكديم إزيك»، (أبلغهما) تعازيَّ الملك محمد السادس في وفاة ابنها، عندما زار الوالي أسرة الشهيد أول أمس الخميس، في منزلها في تجزئة «الجبيلات»، للمشاركة في تشييع جنازة الطالب الدركي إلى مثواه الأخير. وقد شارك في مراسيم الجنازة المهيبة العديد من كبار المسؤولين الأمنيين في الجهة، وتلقت الأسرة كذلك، تعزية من القيادة العامة للدرك الملكي ومن الوكيل العام لمحكمة الاستئناف في المدينة الحمراء.
ووصف إبراهيم طراهي، والد الضحية، الجنازة الرسمية التي نظمتها كل الفرق الأمنية لتشييع جثمان ابنه، والتي تميزت بالانضباط، بكونها أعادت إليه الروح و«خفَّفت عني كثيرا من آلام فراق ابني»، البالغ من العمر قيد حياته (22 سنة). وقال الأب إبراهيم، الذي يشتغل في أحد فنادق المدينة، في لقاء مع «المساء»، إنه سيشجع ابنه الثاني سفيان على ولوج سلك الدرك الملكي، وفاء لروح القتيل. وقد لُفّ جثمان الشهيد في العلم الوطني، في حين حمل الكثير من أصدقائه الأعلام الوطنية وصور الراحل.
وتوجه المشاركون بعد أداء صلاة الجنازة في المسجد القريب من الحي، في جو من الانضباط في اتجاه مقبرة «باب اغمات». وتقدم الجنازةَ فرقتان من الدراجين ينتمون إلى سلك الأمن الوطني والدرك الملكي، وأحاط بها من الجانبين العشرات من زملاء الشهيد في سلك الدرك الملكي. وشارك في الجنازة، أيضا، أفراد ينتمون إلى عائلة الشهيد والمئات من جيران بدر الدين. ووقف جمع غفير من سكان الأحياء المجاورة على طول الطريق المؤدي إلى مثوى الشهيد، لمتابعة الجنازة أو للانضمام إليها.
وعندما مرت الجنازة بمحاذاة المدرسة الابتدائية «علال بن عبد الله»، أطل التلاميذ من نوافذ الحجرات وكبَّروا لدقائق طويلة: «الله أكبر ، الله اكبر»، ثم رددوا، بحماس كبير: «الصحراء صحراؤنا والملك ملكنا»... وعندما وصلت الجنازة إلى المقبرة، ضربت قوات الأمن طوقا على بابها، حتى يسهل إدخال جثمان الشهيد إليها، وسط الأعداد الكبيرة من المشيِّعين.
وبعد دفن الراحل، شوهد والده وأخوه سفيان وهما يبكيان بشدة، ليتدخل العديد من جيران الأسرة ومن أصدقاء الراحل لمواساتهما. وفي الوقت الذي كان الشهيد يُشيَّع إلى مثواه الأخير، كانت الأسرة تستقبل المُعزّين الذين توافدوا من كل حدب وصوب. وقد بدا أفراد أسرة الشهيد الذين كانوا يتقدمون الموكب الرهيب متماسكين ومحتسبين لله تعالى، إذ قال والد بدر الدين، في تصريح ل«المساء»: «هذا ابن المغاربة وشهيد الوطن والله يتقبله مع الشهداء».