لم يدْرِ أعضاء المجلس البلدي لأيت إعزة، 8 كيلومترات شرق مدينة تارودانت، أن «ع. ع.»، الذي يشتغل سائقا في شاحنة لنقل البضائع وهو في الأربعينات من العمر، سيفقد صوابه ويجعل الجميع في مأزق حقيقي، بعد أن عمد، في لحظة غضب، إلى نزع سروال النوم الذي حضر به إلى اجتماع أشغال دورة أكتوبر العادية، أمام كل الحاضرين الذين غصّت بهم قاعة الاجتماعات مساء ذلك اليوم، دون أدنى حياء أو خجل.. فعندما فشلت كل جهود رئيس المجلس وأعضاء آخرين وحتى باشا المدينة، الساهر على تطبيق القانون، الذي تدخل في أكثر من مناسبة لثني المستشار الثائر عن مطلبه في وقت زاد «المستشار» إصرارا على معرفة مصير مبلغ 25 مليون سنتيم المخصصة للمحروقات من ميزانية السنة المالية المطروحة للمناقشة، قبل المصادقة عليها، لحظات بدا فيها المستشار «ع. ع.» يُظهر نفسه كأنه «نجم» ساطع وسط القاعة ومعارض شرس يدافع، باستماتة وقوة، عن المصالح العامة لسكان المنطقة. مطلب رأى فيه أعضاء فريق الاتحاد الاشتراكي، الذي يهيمن على تركيبة المجلس البلدي، سابقا لأوانه، على اعتبار أن الدورة الجارية خاصة بمناقشة الميزانية وليس مخولا لأي عضو الحديثُ عن بنود صرف الاعتمادات المالية للميزانية. وأمام رفض المجلس المسير الاستجابة لمطلبه المُلحّ، تطاير الشرر من أعين «ع. ع.»، بإيعاز من رفاقه في حزب اليسار الموحد، خاصة بعد الإقصاء الذي مورس ضدهم إثر عملية توزيع المساعدات الرمضانية الأخيرة، التي حولها الرئيس إلى لجان خاصة قصد الإشراف عليها، تجنبا لأي مشاحنات محتمَلة مع المستفيدين، في وقت رأى من خلالها هؤلاء تهميشا مقصودا في حقهم وتبخيسا لدورهم كأعضاء منتخَبين. وفي خضم السجال الدائر وسط القاعة، كان الكل مشدوها لعبارات الاحتجاج التي كانت تتطاير من فم المستشار «الثائر»، الذي كان يُتبعها، يبن الفينة والأخرى، بضربات متتالية فوق الطاولة الخشبية. حينها، تحول المستشار «الغاضب» إلى «ثور» هائج مُصِرّ على موقفه، ممتنع عن مواصلة جدول الأعمال ما لم يعرف مصير الكازوال. ولم تُجْدِ نفعاً كل توسلات الباشا وتدخلات عناصر القوات المساعدة لتهدئة المستشار الغاضب وثنيه عن مواصلة احتجاج غير مبرَّر. ورغم كل الشروحات المستفيضة، فإن ذلك لم تزده إلا عزما على مواصلة الاحتجاج بطريقته «الخاصة»، وكأنه بذلك يوجه إشارات قوية للرئيس ونوابه ولسان حاله يقول إنكم لن تركبوا سيارات الخدمة مرتاحين ولن تنعموا بخيرات البلدية آمنين خلال فترة ولايتكم هاته. كان المنظر مقززا وتحولت قاعة الاجتماعات إلى ما يشبه سوقا أسبوعية، عندما سقط سروال «ع. ع.» لكن ما لم يستسغْه الحاضرون هو نزعه، بشكل متعمَّد، سرواله الداخلي، حيث بدا جهازه التناسلي وسوءته بارزين للعيان!... في هذه اللحظة، تعالت أصوات الاستنكار والاستهجان ضد سلوك المستشار ولم تجِد مقرِّرة باشوية المدينة عندما صادف بصرها سوءة المستشار سوى مغادرة القاعة، هاربة في اتجاه الخارج، في حين اضطرت مستشارة الأغلبية دس وجهها في الطاولة، إلى حين مرور «العاصفة».. أما «مستشار غضبان» فقد بدا هادئا يترنح وحيدا بعد أن انسحب جميع من كانوا في القاعة إلى حال سبيلهم وأضحت فارغة إلا من «ع. ع.» الذي تحول في برهة من الزمن إلى «بطل» لم يكن في الحسبان، وكأنه بذلك قد حقق نصرا عظيما على خصومه السياسيين. خلت القاعة، إذن، إلا من «الثائر»، الذي تمالك نفسه هذه المرة ولبس سرواله من جديد، بعد أن سجَّل «فعلته» في سجل أرشيفات المجالس المنتخَبة بطريقته «الخاصة جدا»، في وقت لم يجد الباشا، الذي غادر كغيره من الفارين، سوى الاتصال بعناصر الدرك الذين حضروا إلى عين المكان ليجدوا «ع. ع.» جالسا في وضعية «هادئة»... وأمام صعوبة اقتحام قاعة الجلسات، في غياب أمر مسبق من وكيل الملك، فقد عاد الدركيون من حيث أتوا، في وقت انسل المستشار في هدوء إلى خارج مقر البلدية، ليعود الرئيس وأعضاؤه إلى مكتبه مجددا لإتمام مناقشة النقط المتبقية والخروج برفع دعوى قضائية، في «نازلة» دورة جماعية تحولت في لحظة من الزمن إلى «مسرحية هزلية»، عنوانها التعري والإخلال بالحياء العامّ، في سابقة من نوعها بتاريخ المجالس المنتخَبة، ولتصبح حادثة «تَعرّي» المستشار قصة تلوكها كل الألسن في «أيت إعزة» وتارودانت والمدن المجاورة.