جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأنصاري.. العالم الذي انطلق من القرآن لبناء العمران
في الذكرى الأولى لوفاة العالم الشيخ فريد الأنصاري المغربي
نشر في المساء يوم 06 - 11 - 2010

تحل اليوم ذكرى وفاة العالم الشيخ فريد الأنصاري، وبمناسبة الذكرى الأولى، ووفاء لروح الشيخ الأنصاري، أن نذكر بهذا العلم المغربي الكبير،
حتى لا يطاله النسيان والغياب باعتباره من أهم الأعلام في المغرب الحديث، وتأتي هذه الأهمية، انطلاقا من مجموعة من الاعتبارات الآتية:
نبوغه العلمي في أصول الفقه، دراسة وتأليفا وتدريسا، إضافة إلى علوم الشريعة من فقه وحديث وتفسير، هذا النبوغ الذي مكنه أن يتحقق بصفة العالمية التي بوأته، مناصب رسمية «رئيس المجلس العلمي لمكناس، عضو المجلس العلمي الأعلى..» ومجتمعية في التأطير والدعوة والإفتاء.
تذوقه للسان العربي، وما أنتجه من دواوين شعرية، كديوان الإشارات..، وما ألفه من روايات ابتداء من رواية المحجوب وانتهاء برواية عودة الفرسان؛ رواية عن فتح الله كولن كتبها وهو على فراش المرض بتركيا.
فهمه لدور الإعلام الديني في تأطير المجتمع، حيث أصدر مجلة رسالة القرآن، والتي تهتم بالدراسات القرآنية الأكاديمية.
مراجعته لمقولات حركات الإصلاح الإسلامي، بالنقد والتقويم، انطلاقا من أطروحته «من القرآن إلى العمران».
فكل هذه الاعتبارات وغيرها، تجعل الشيخ فريد الأنصاري علما من أعلام المغرب المعاصر، الذي ينبغي أن يبقى حاضرا غير غائب عن ذاكرة المغاربة والأمة الإسلامية، فهو من الذين بصموا بصمة واضحة في تاريخ المغرب الديني والدعوي، ومن هنا، يمكن أن نلقي الضوء على سيرة ومسيرة العالم الشيخ الأنصاري رحمه الله.
بعد مراحل تمدرسه الابتدائي والإعدادي والثانوي، التحق الأنصاري بالجامعة سنة 1980م، وانخرط في مجال التدريس بالجامعة في أواخر الثمانينيات، فقضى بالجامعة إلى حين وفاته 29 سنة، وكانت هذه الفترة التي قضاها بالجامعة طالبا ومدرسا، فترة علم واجتهاد وبحث علمي متين، ليتحقق بصفة «العالم الوارث»، ولا غرابة أن يتخصص في “أصول الفقه» أو بمعنى آخر في فلسفة قانون الاستنباط الإسلامي، بل تخصص في دراسة مصطلحات ومفاهيم أصول الفقه، ففي سنة 1985م/1986 م مرحلة تكوين المكونين، أنجز بحثا في السنة الأولى في موضوع: «الأصول والأصوليون المغاربة: بحث ببليوغرافي» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وفي السنة الثانية موسم 1987/1986 أنجز بحثا في موضوع: «مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات: مادة قصد نموذجا» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1990/1989 سجل بحثا لنيل دبلوم الدراسات العليا/ الماجستير في موضوع: «مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1991 سجل بحث الدكتوراه في موضوع: “المصطلح الأصولي عند الشاطبي» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وناقش الأطروحة سنة 1998. .
إن هذه المسيرة البحثية الأكاديمية للدكتور، والتي تتجاوز أكثر من عقد من الزمن، صاحب فيها علم أصول الفقه والشاطبي ومصطلحاته، والملفت للنظر أن يكون الإشراف في جميع البحوث للشيخ العلامة الشاهد البوشيخي، ولذلك عند قول الأنصاري في كتاباته «الأستاذ» دون أن يسمي من هو هذا الأستاذ، فالمقصود به الشاهد البوشيخي، فهو مربيه وأستاذه، أثمرت هذه الصحبة معاني وجدانية عميقة ومنهجيات علمية دقيقة، وليس غريبا أن يقول البوشيخي مقدما لأطروحة الأنصاري في الدكتوراه المصطلح الأصولي عند الشاطبي: “إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي» ويقول الأنصاري في حق أستاذه: «و لعمري لقد هذب وربى، وعلم فأربى. نهلت من علمه، وتشبهت بخلقه، ونشأت على فكرته، وتخرجت من معهده» المقصود بالمعهد معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب ظهر المهراز فاس الذي أسسه البوشيخي مع ثلة من تلامذته سنة 1993. .
ويتضح من خلال تجربته البحثية أن التضلع في المعرفة الإسلامية لا يمكن أن يكون إلا «بالمصاحبة» للشيخ العالم والمربي، إذ المعرفة الإسلامية من أقوى مصادر تلقيها «أفواه الرجال»، وهذا التلقي هو ما يصنع الطالب الذي يبتغي العالمية، فالعالمية لا يتحقق بها من ركن إلى مطالعة الكتب والمخطوطات، لأن سلامة المنطق ودقة المعلومة لا تتحقق إلا مشافهة، وهذه الصحبة ليست علمية محضة بل هي صحبة تربوية عميقة، فالأنصاري يحكي عن التحول الوجداني الكبير الذي مر به، وكان سببه هو مدارسة له مع أستاذه البوشيخي، فيحكي الأنصاري قصة فهمه للعقيدة حيث يؤكد أنه مر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى الفهم التقليدي، العقيدة شهادة وانتهى الأمر، المرحلة الثانية مرحلة أن معنى العقيدة هي «الحاكمية لله» وتلقى هذا المعنى في فترة ارتباطه بالحركة الإسلامية، المرحلة الثالثة مرحلة اليقظة الوجدانية حيث يقول: “وبقي الأمر بالنسبة لي غامضا، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء، ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي، فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم، وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم الإله في القرآن الكريم، فنبهني إلى أن الأصل اللغوي لهذه العبارة، راجع إلى معنى قلبي وجداني، وذكر لي شيئا من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته قبل قليل، فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية! لا على مستوى الفهم فقط، ولكن على مستوى الوجدان والشعور !» ويتضح من هنا؛ أن المعرفة الإسلامية كذلك ليست معرفة معلوماتية، بل هي معرفة هدفها الوصول إلى خشية الله ويتحقق ذلك بصحبة العالم المربي، وهذه الصورة التي نرسمها، قلت واضمحلت وانعدمت في ما يسمى بالجامعات العلمية العصرية وفي شعب الدراسات الإسلامية، وهذه العلاقة بين الطالب والأستاذ تذكرنا بعصور علمية زاهرة عرفها التاريخ الإسلامي، بمعنى أن الذي صنع الأنصاري ليس هو نظام تعليمنا الجامعي المغربي في شعب الدراسات الإسلامية، وإنما الذي خرجه هو صحبته «لشيخ عالم مربي» لمدة تصل إلى أكثر من عقد من الزمن، أخذ عنه علم الدعوة والبحث العلمي.
كما أن الأنصاري كان موفقا في تركيزه على مجال واحد من مجالات المعرفة الإسلامية «أصول الفقه» فطيلة مسيرته البحثية لا يفارق أصول الفقه، وهذا الارتباط الوثيق بأصول الفقه أسهم في تشكيل منهجية تفكيره، فكما يقال؛أصول الفقه بالنسبة للفقه، كالمنطق بالنسبة للفلسفة، فأصول الفقه مسدد ومنظم للتفكير بغية استنباط الحكم الشرعي، وإقباله على هذا العلم ربما راجع للتنشئة التربوية التي تلقاها في البيت والتي كانت تحرص على النظام والتنظيم كما يحكي ذلك في كتابه «أبجديات البحث في العلوم الشرعية محاولة في التأصيل المنهجي» والذي صدر في سنة 1997م، قبل مناقشته لأطروحة الدكتوراه، وهذا الكتاب هو في أصله قراءة لكتاب «أصول البحث العلمي ومناهجه» لأحمد بدر، فتنشئته التربوية أسهمت في إقباله على هذا العلم، وكان لهذا الأخير أثر واضح في بناء شخصيته العلمية «التأصيلية»، فهو لا يتحدث في أمر إلا أصل له وبحث عن دليله من القرآن والسنة، ولذلك أطلق في آخر حياته مشروع «من القرآن إلى العمران»، كما أن تعلقه بالموافقات أسهم في تشكيل رؤيته الإصلاحية على اعتبار أن مصنف الشاطبي 790ه، هو في حقيقته مشروع إصلاحي يتداخل فيه التربوي بالتعليمي بالمعرفي بالإصلاحي، كما أن اهتمامه بالمصطلح الأصولي كان سببا في اطلاعه على الدراسات المصطلحية التي من مراميها الكشف عن أبنية المفاهيم وعلاقتها ببعضها البعض، فلا تكاد تجد مؤلفا للأنصاري إلا ويقدم له بتحديد مفاهيم المصطلحات ويخلص إلى تعريف معين، فهذه الرحلة العلمية للأنصاري مكنته من منهجية التأصيل والقراءة بمقصد إصلاحي دعوي تربوي.
إن للمسيرة العلمية الأكاديمية التي قضاها الأنصاري في رحاب الجامعة والبحث العلمي، كان لها أثر كبير في دراساته الإصلاحية الدعوية التربوية، وكانت جميع مصنفاته ذات الاتجاه الإصلاحي منذ سنة 2000م إلى سنة 2007م، تعطي للقارئ صورة واضحة، أن الكاتب متمرس في البحث العلمي الأكاديمي، وكأن كتاباته موجهة إلى طلاب الجامعة وأساتذتها من الباحثين، فترى الأنصاري في كتاباته هذه، يخاطبك بلغة الباحث لا بلغة العالم الحافظ لمجاميع العلم، يكتب دون مقدمات ولا منهج ولا نتائج، ودون أن يحيل على من أخذ عنهم، بل ممكن أن أقول إن هوامش كتابات الأنصاري لوحدها تجمع الفوائد الجمة، بل في الهامش يذكر من أخذ عنه العلم مشافهة حرصا على الأمانة العلمية..
ولا يمكن فهم كتابات الأنصاري النقدية التصحيحية إلا إذا فهمت مقاصدها ومراميها ولا يتحقق ذلك إلا بقراءة جميع مؤلفاته، وأيما قارئ اقتصر على كتاب دون آخر سيقع في الأحكام المتسرعة، وأعتقد أن رسائل الأنصاري النقدية التصحيحية لحركات الإصلاح الإسلامي بالمغرب، دشنها بكتابه «الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب:دراسة في التدافع الاجتماعي» الذي صدر سنة 2000م، هذا الكتاب يستعرض فيه تشخيصا دقيقا لواقع المغرب الديني والقيمي والسياسي، وهنا أشير إلى أن بعض من انتقد الأنصاري، بدعوى عدم نقده وغفلته عن الأوضاع القيمية والسياسية المتردية التي يعيشها المغرب والمغاربة، وتركيزه فقط على الحركة الإسلامية إثر صدور كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية المغربية» سنة 2007، هذا نقد غير صائب، لأن كتاب الفجور السياسي يتضمن تشريحا دقيقا للواقع المغربي على كل مستوياته، ليبين أن معركة المغرب في بداية القرن الواحد والعشرين هي معركة “القيم والتدين» ويتساءل في نهاية الكتاب قائلا: هل الحركة الإسلامية في المغرب داخل حلبة الصراع أم خارجه؟ وبين أن الحركة الإسلامية المغربية هي على اختيارين؛ اختيار التصادم الذي تمثله جماعة العدل والإحسان واختيار المشاركة الذي تمثله حركة التوحيد والإصلاح، وانتقد الاختيارين لأنهما في نظره يبتعدان عن حلبة الصراع الدائرة في المغرب، بمعنى أن ما تضمنه كتاب الأخطاء الستة هو مجرد تفصيل لما أجمل في كتابه الأول الفجور السياسي في بعض من جوانبه، ثم جاءت رسائله تترى كل واحدة منها تشرح الأخرى وتؤكد على مدار أطروحته الإصلاحية «من القرآن إلى العمران» عكس ما سلكته الحركة الإسلامية الإصلاحية «من العمران إلى القرآن»، ثم صدر له بعد كتاب الفجور السياسي في سنة 2002م، كتاب» «بلاغ الرسالة القرآنية: من أجل إبصار لآيات الطريق» وهذا الكتاب هو خلاصات جاءت إثر رحلة الأنصاري لأداء فريضة الحج عام 2000م، والتي يقول عنها إنها كانت سببا في إعادة النظر والمراجعة لواقع العمل الإسلامي، والكتاب أيضا هو في أصله مدارسات قرآنية بمدينة مكناس، وواضح كما يعلن في مقدمة الكتاب على الهامش، الأثر الكبير الذي رسخته رسائل النور لبديع الزمان النورسي في تعامله مع القرآن الكريم، كما يشير إلى مدارسته القرآنية مع الأستاذ أحمد العبادي في معاني البصيرة..، و كتاب بلاغ الرسالة القرآنية هو برنامج عملي في مدارسة القرآن مؤسس على نظرات فلسفية تأملية مرتبطة بوجود الإنسان ومصيره، ثم في سنة 2003م أصدر كتاب «البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي» يقول في مقدمة الكتاب: «إن البيان الدعوي القرآني هو محاولة لتلمس موقع المفتاح في المسألة الإسلامية التجديدية، إنه محاولة للعودة بها من جديد إلى القرآن رسالة رب الكون إلى الناس في هذه الأرض» وهذا كتاب هو محاولة في ترتيب الأولويات وتحديد الأصول من الفروع في إقامة الدين، والكتاب لوحده يشكل أطروحة في موقع العمل السياسي من باقي قضايا الدين والتدين استنادا لاستقرائه لمجمل ما جاء في القرآن والسنة، وهذا الكتاب يبصر القارئ تبصيرا وافيا بالشرح والبيان لرؤية الأنصاري للعمل السياسي الحزبي، ولذلك بعض القراء لم يفاجئهم كتاب الأخطاء الستة المنتقد للسياسة والسياسيين، ونظرا لاهتمام الأنصاري بالمرأة أصدر رسالة «سيماء المرأة في الإسلام: بين النفس والصورة» سنة 2003م، وهذه الرسالة عميقة جدا، حيث يقول إن مرادها «الكشف عن ما ترمز إليه المرأة في الإسلام، نفسا وصورة، فأما نفسا فباعتبارها أنثى الإنسان من الناحية الوجودية، وأما صورة فباعتبارها هيئة خلقية»، ثم في سنة 2006م أصدر كتابين؛ الكتاب الأول «مفهوم العالمية من الكتاب إلى الربانية «والكتاب الثاني «جمالية الدين: معراج القلب إلى حياة الروح»، فالكتاب الأول هو دراسة مفهومية عميقة في معنى العلم والعالمية، وسطر برنامجا عمليا تعليميا للتحقق بصفة العالمية لمن يرجوها من طلبة الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية، والدراسة بكاملها ترسم نموذجا معينا للعالم الذي سماه ب«العالم الوارث» هذا العالم الذي من أدواره الدعوة والتعليم وإصلاح المجتمع، والذي يعتبره القائد الطبيعي لقيادة التنظيم الفطري الإسلامي، دون انتخابات ديمقراطية أو هياكل تنظيمية، فبالفطرة ينتظم وبالفطرة يتداول، وعلى هذا الأساس ينتقد غرق الحركة الإسلامية في التنظيم الميكانيكي - كما ورد ذلك «في الأخطاء الستة»- الذي يتنافى مع رسالة الإسلام الفطرية وحقيقة الإنسان المجبولة على الفطرة، والكتاب الثاني «جمالية الدين: معراج القلب إلى حياة الروح» هو كتاب تجديدي في فهم عقائد الإسلام وعباداته، فالأنصاري رحمه الله بأسلوبه الشاعري الأخاذ، يعرض قضايا الإيمان بمنهجية تخاطب الوجدان المسلم وتبعث فيه الحياة من جديد، ويهدف من خلال هذا إلى تنبيه الحركة الإسلامية إلى أن الإنسان المسلم يعرف أركان الإسلام والإيمان، لكن هذه المعرفة لا تتحول إلى انبعاث وجداني وفعالية حركية، ويشير إلى أن الحركة عليها أن تهتم بهذه الأصول البديهية التي هي أصل كل قيمة خير في المجتمع، لكن يأسف على ما تورطت فيه الحركة الإسلامية من قضايا السياسة الحزبية في المغرب، ولذلك اندهش كثير من القراء عند مطالعتهم للكتاب، لقراءتهم لأول مرة مفردات مركبة من مثل جمالية الموت وجمالية اليوم الآخر، ثم في سنة 2007 أصدر كتابين، الأول كتاب «الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب: انحراف استصنامي في الفكر والممارسة» والثاني كتاب «الفطرية: بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام»، فالكتاب الأول كتاب ينتقد العمل الداخلي للحركة الإسلامية وخصوصا حركة التوحيد والإصلاح وما آلت إليه الحركة من أوضاع، كما ينتقد الممارسة التربوية والسياسية لجماعة العدل والإحسان وتيار السلفية الحنبلية بالمغرب، فارتضى في نقده أسلوب التصريح المباشر دون تلميح، لأن التلميح أخذ ما يقرب عن ست سنوات في الإصدارات السابقة، وهذا الكتاب هو نقد في مساحة كبيرة من الاقتراح والترشيد والتسديد لفعل الدعوة الإسلامية بالمغرب، وما اختصار مشروع الأنصاري في كتاب الأخطاء الستة سوى تجن على مرامي مشروعه الذي هو أكبر من النقد، والنقد بالنسبة إليه هو بمقدار الملح في الطعام، ولذلك أعقب الكتاب بكتاب «الفطرية» الذي هو تجميع شامل لمجمل أطروحته في الإصلاح والتغيير وفقا لرسالة القرآن، فما جاء في كتاب الفطرية يتكرر البعض منه في الكتب السابقة.
ويتضح من ذكاء الأنصاري رحمه الله أنه كان يؤمن بمنهجية التدرج والتروي وعدم التسرع، ويبدو لي أن أطروحته بالكامل كانت مدونة عنده ويختار الأوقات المناسبة لإصدارها، فيصدر الرسالة ويرى الأثر في واقع الناس ومدى تجاوبهم سواء بالموافقة أو النقد، ولهذا فالأنصاري عرض أطروحته الإصلاحية في مدة سبع سنوات من 2000م ابتداء من كتاب الفجور السياسي إلى كتاب الفطرية الذي صدر سنة 2007م، ويتبين أن هدفه كان هدفا بنائيا حواريا بعيدا عن الإثارة والتشهير، ولو كان يرغب في غير ذلك لأصدر أطروحته في مجلد وانتهى الأمر، لكن الرجل كان يعلم أن من الحكمة التروي وطرح الفكرة تلو الأخرى، ليستوعبها العاملون في الحقل الإسلامي..

مصطفى بوكرن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.