جمعتهم الأوضاع الاجتماعية المزرية، لم يكملوا تعليمهم، وانخرطوا في مركز التكوين المهني لتعلم حرفة النجارة، غير أن علاقة الصداقة ستجرهم إلى عالم الجريمة. إذ استطاعوا السطو على أكثر من 16 منزلا سكنيا بأحياء متفرقة من المدينة، حيث سيتم وضع حد لنشاطهم الإجرامي المتعدد والمتنوع عندما اقتحموا عيادة طبية، وأثناء محاولتهم سرقة الأشياء النفيسة وبسبب غبائهم وعدم فطنتهم إلى أن باب العمارة، التي توجد بها العيادة، يقفل ليلا عندما صعدوا الى سطحها نهارا، وكذا إلى تنبه حارس العمارة إلى وجود حركة غير عادية بشقة الطبيب وضع قفلا فولاذيا على الباب، وسجنهم بالداخل إلى حين حضور دورية أمنية، ليتم عرضهم على أنظار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط بتهم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة وتعدد السرقات بالكسر والعنف والنشل وإخفاء المسروق لباقي المتابعين. تعود الحارس الليلي الجلوس إلى زميله في نفس الشارع، الذي يقوم بدوره بحراسة السيارات الخاصة على مقربة من شارع محمد الخامس، يتسامران لقتل الوقت وحماية بعضهما البعض من هجمة المنحرفين والسكارى. غير أن ليلة السبت والأحد لم تكن عادية بالنسبة لحارس العمارة الذي تجاوز العقد الخامس بقليل. فأثناء قيامه بجولة استطلاعية للأماكن التي يشرف على حراستها حوالي الساعة الرابعة صباحا، خيل إليه أن الشقة التي توجد بها عيادة طبية تأتي منها أصوات ووقع خطوات. تسمر في مكانه وأصاخ السمع لمدة غير طويلة، فالأمر لم يكن مجرد تهيؤات، وتأكد أن ثمة أشخاصا داخل العيادة بدون شك. تقدم نحو الباب، وتراجع إلى الوراء ونزل الأدراج مسرعا، وأخذ قفلا من الفولاذ كان يخبئه في مستودع المتلاشيات بالعمارة فرجع إلى مقر العيادة لاهثا ووضع القفل على الباب الحديدي. وبعد إخبار زميله بالواقعة وبضرورة الاستعداد لأي طارئ، قاما بالتسلح بالأسلحة البيضاء المتمثلة بالهراوات والعصي، وتسمرا أمام الباب الخارجي ثم قاما بإبلاغ الشرطة القضائية بواسطة الهاتف، حيث حضرت على وجه السرعة إلى مسرح الجريمة وتم اعتقال الفاعلين في حالة تلبس. بعد وضعهم رهن الحراسة النظرية وإخبار عائلاتهم، تم فتح تحقيق موسع معهم، حيث صرح (ل ب) المزداد سنة 1988، وهو تلميذ بالتكوين المهني ويقطن بحي الرشاد، أنه نظرا للوضع الاجتماعي المتردي والمشاكل العائلية التي يتخبط فيها فإنه انقطع عن الدراسة مبكرا، لكنه استطاع أن يلتحق بمركز التكوين المهني، ليتعلم حرفة النجارة، وأنه خلال بداية العام الدراسي تعرف على زميليه وتوطدت علاقتهم أكثر فأصبحوا لا يفترقون. وبما أن زميلهم (يونس)عاطل عن العمل فإنه بدأ يفتح معهم النقاش حول عالم الجريمة، حيث كان ينفق عليهم من عمليات النشل التي يقوم بها بمفرده، مؤكدا أنهما رافقاه مرة إلى السوق الأسبوعي بالمدينة وقام بنشل حافظة نقود، وأنه تكفل بجميع المصاريف المتعلقة بالأكل والشرب والتدخين وأمدهما بمبلغ مالي، ومن يومها أصبحا يلازمانه وغالبا ما كانا ينتظرهما أمام مركز التكوين المهني ويمدهما ببعض الدراهم لاقتناء السجائر، مضيفا أنه في أحد الأيام وكان يوم عطلة أسبوعية التقوا في وسط المدنية وأخبر صديقيه بأنه في حاجة إلى مساعدتهما في نقل بعض الأمتعة إلى جماعة سيدي علال البحرواي لبيعها لأحد معارفه، مقترحا عليهما الحصول على نصيبهما من العملية عدا ونقدا، ونظرا لكونهما مفلسين وبحاجة ماسة إلى المال لاقتناء بعض الأغراض الخاصة فإنهما وافقا على الاقتراح دون أن يعلما أنهما سائران في طريق الجريمة. بعد الاتفاق تحركوا جميعا في اتجاه مكان المسروق، وتم حمل الأثاث المنزلي الملفوف في شراشف من أحد المنازل المهجورة في ضواحي المدينة إلى غاية المحطة الطرقية حيث ركبوا في سيارة بيكوب تم كراؤها. وكان زميلهما من تكفل بالتفاوض مع صاحب السيارة حول مبلغ الرحلة. و أضاف المتهم أنهم فور الوصول إلى الجماعة، أمر صديقيه بانتظاره في المقهى الموجود قرب الجماعة القروية وغاب قرابة نصف الساعة، حيث جلس بجوارهما ودفع ثمن المشروبات الغازية للنادل وقدم لكل واحد منهما 100 درهم. و أكد أنه بعد ذلك سوف يقومون بالسطو على المنازل ليلا، وأن عملياتهم شملت في الأول أسطح المنازل، حيث يعمدون إلى سرقة غسيل الملابس والأحذية والدراجات الهوائية وغيرها من الحاجيات القابلة للبيع عن طريق التسلق. وتطورت عملياتهم فيما بعد لتتحول إلى السطو على الأثاث النفيس من آليات الكترونية وأجهزة تلفزية وآلات تسجيل بكسر الأقفال والنوافذ، حيث يتم بيع جميع المسروقات إلى عدة أشخاص حسب نوع السلعة، وأن (ت م)، وهو تاجر المتلاشيات والخمور بدون رخصة بسيدي علال البحراوي بإقليم الخميسات، كان يتكلف بشراء الأثاث المنزلي، بينما يتكلف كل من (اح)، الذي يعمل مصلحا لكهرباء السيارات، باقتناء بعض الآليات الالكترونية، و(زع)، الذي يمتهن مهنة إصلاح آلات التسجيل، بشراء كل ما له علاقة بنفس الحرفة، مؤكدا أن سرقاتهم الموصوفة شملت العديد من الأحياء بالمدينة، كما شملت طبقات اجتماعية متفاوتة. و أضاف المتهم أن جميع العمليات شارك فيها أفراد العصابة. وعن عيادة الطبيب التي ضبطوا فيها في حالة تلبس اعترف المتهم أنهم دخلوا إلى مسرح الجريمة عن طريق كسر المفتاح، وأنهم كانوا بصدد إخراج الأمتعة المتمثلة في جهاز حاسوب وطابعة وهاتف نقال وبعض الكراسي وأشياء ذات قيمة مالية، حيث قاموا بتكديس الأشياء المعدة للسرقة قرب الباب دون أن ينتبهوا إلى أن الباب الحديدي تم إغلاقه بواسطة قفل من الفولاذ، وأنهم بمجرد ما رأوا القفل الكبير يسد عليهم المنفذ الوحيد عرفوا أنهم وقعوا في الأسر، حيث طافوا في غرف العيادة بحثا عن مخرج، فالنوافذ التي قاموا بفتحها عالية وتطل مباشرة على الشارع، والارتماء من ذلك الارتفاع يعني الموت المحقق. و أضاف أنهم حاولوا كسر القفل الحديدي، لكنهم فشلوا بعد محاولات مضنية واستسلموا للأمر الواقع، وبمجرد ما شاهدوا رجال الشرطة القضائية يقتحمون الباب خارت قوامهم، مؤكدا أنه ضحية الشريك الذي ورطهما في عمليات إجرامية، مستغلا سنهما وفقرهما. وبخصوص عيادة الطبيب، اعترف الفاعل أنهم اتفقوا جميعا على اقتحام العيادة في نهاية الأسبوع ليسهل بيع المسروق، وأن الضحية الطبيب لن يفطن إلى ذلك إلا يوم الاثنين فلهم متسع من الوقت لنقل الحاجيات المسروقة إلى الوجهة المحددة وبيعها عن طيب خاطر بالمبلغ الذي يريدون. غير أن الحارس الليلي للعمارة كشفهم وأحبط مخططهم واستطاع أن يسجنهم ليلة بكاملها إلى حين حضور فريق البحث الجنائي واقتيادهم إلى المخفر.