«100 درهم ماشي فلوس إيلا كانت المرا الحاملة غادي تولد وتكون بيخير» هكذا تقول سعيدة (اسم مستعار)، مستفسرة عن السبل التي ستسلكها حتى تمر عملية ولادة ابنتها البكر، التي ولجت قسم الولادة بمستشفى محمد الخامس بالدار البيضاء قبل دقائق في أحسن الظروف. كانت سعيدة تبدو مشتتة الأفكار، تتوزعها الرغبة ما بين الدخول إلى قسم الولادة لمعرفة ما يجري بالداخل والبحث عن جهة ما تعتني بابنتها مادام الأمر يتعلق بمقابل هزيل، كما أكدت لها سيدة أخرى قالت إنها أدت مائة درهم ودخلت بنفسها إلى قسم الولادة القسم حيث التقت بمن اعتنت بابنتها وجها لوجه واتفقتا معا على مقابل أدته بعد أن وضعت ابنتها مولودها بسلام. انشرح وجه سعيدة عندما سمعت كلام المرأة، ولم تتردد في إعلان استعدادها لدفع ما يزيد عن المائة درهم، بما فيها «سخرة» من يتوسط لها في هذا اللقاء حتى تخنق الرعب الذي يجثم داخلها مخافة أن يسوء الوضع الصحي لابنتها أثناء الولادة، خاصة أنها ذات بنية ضعيفة وفي حال لم تلق العناية اللازمة يمكن أن تصاب بمكروه. جمعت ظروف الحياة نسوة أمام قسم الولادة، في مكان تنفر منه النفس، بسبب رائحة البول التي كانت «تفوح» به، لكن الثرثرة ألهتهن عن شم تلك الرائحة. كن ينتظرن «على أحر من الجمر» أن يزف لهن أحد خبر قريباتهن اللواتي دخلن إلى قسم الولادة. منهن من كانت تتلكأ في الحديث وقد نال منها الخوف على قريبتها، وأخرى تجلس القرفصاء بالقرب من مدخل القسم لعلها تسمع صوتا بالداخل أو صوت رجل الأمن الخاص يناديها ليبشرها بازدياد المولود الجديد، قبل أن يطلب منها مده ببعض الأغطية والملابس الخاصة لحملها إلى قريبتها. لم يكن للنسوة حديث آخر غير ما يمكن أن يجري بداخل قسم الولادة، وكيف تتم معاملة النساء المقبلات على الوضع، وما إذا كن يتلقين العناية اللازمة، غير أن الحديث كان ينتهي دائما إلى بيت القصيد، حيث لا يمكن الحديث عن العناية أو ما شابهها إلا إذا كان أقرباء الحامل على علم بأشياء ضرورية في مثل هذه المواقف حتى تضع قريبتهم حملها بيسر ويتم تسخير كل شيء ضمانا لذلك. ومهما كانت قيمة ما يمكن أن «يؤدونه» فهو لا يساوي قيمة الخدمة التي سيتم تقديمها لهم، وهذه هي خلاصة ما انتهى إليه حديث النسوة اللواتي ذهبت كل واحدة منهن إلى حال سبيلها بعد أن وضعت قريباتهن حملهن، غير أن كراسي الانتظار غصت من جديد بنسوة ورجال آخرين قدموا للغرض نفسه وخاضوا في الحديث ذاته.. «ألمزوّق من برا آش اخبارك من الداخل» ستتراءى لك ألوان زاهية طَلت جدران المستشفى من الخارج، ولن يأخذك شك في أن أقسامه من الداخل ستكون أبهى بكثير مما رأت عيناك، إلا أنك ستفاجأ بأن الصباغة الجديدة التي تُلمّع جدران المستشفى من الخارج لا مثيل لها في الداخل، خاصة بقسم المستعجلات وبعض الأجنحة التي لا نصيب لها من العناية. ولعل قسم الغسيل خير دليل على ذلك، إذ تضطر وأنت بداخله أو حتى على مقربة منه إلى حبس أنفاسك بسبب رائحة مياه الصرف الصحي التي «تغرق» المكان. وأكدت مصادر نقابية ل«المساء» أن قسم الغسيل هذا كانت تنظف به الأغطية التي تستعمل في العمليات الجراحية، حيث تغطي مياه الصرف الصحي النتنة المكان، وهو يضم عددا كبيرا من الأثواب والمتلاشيات التي توحي بأنه لم يعد مرفقا حيويا بالمستشفى. ونفت إدارة المستشفى أن تكون عملية تنظيف أغطية الأسرة وغيرها من «الأقمشة» التي تستعمل في العمليات الجراحية تتم بهذا القسم منذ مدة، موضحة أنها أوكلت مهمة التنظيف إلى شركة خاصة، وأن هذه العملية لا تتم بداخل هذا القسم، بل يتم نقل الأغطية والأقمشة وغيرها إلى خارج المستشفى، ومكذبة في نفس الوقت صحة ما قيل بخصوص الخطر الذي يمكن أن يتعرض له مرضى المستشفى لأن هذا المرفق مغلق حاليا، رغم أنه يقع في «قلب» المستشفى، وهو المكان أيضا الذي اعتبرته المصادر النقابية «غير موفق» لأنه لا يبعد كثيرا عن قسم المستعجلات. غرفة الغسيل «نقطة سوداء» داخل مستشفى محمد الخامس، فبالإضافة إلى الرائحة التي تنبعث منها، فهي تعد مكانا ملائما لتكاثر الفئران، إذ أكدت مصادر مهنية أن وجود «طوبات» بالمكان أصبح أمرا عاديا بالنسبة إلى الجميع، وهو طبيعي أيضا ما دامت الظروف متاحة لهذه المخلوقات التي تتحرك بكل حرية وتلقائية داخل المستشفى. ولا يبعد مطبخ المستشفى عن قسم الغسيل إلا بحوالي ثلاثة أمتار، وهو ما يسهل دخول ال«طوبات» إلى المطبخ في أي وقت شاءت وكيفما شاءت، خاصة أن المبيدات التي استعملتها الإدارة مؤخرا، بعد أن تعالت أصوات بداخل المستشفى منددة بالوضع، لم تكن ذات فعالية, ودليل ذلك ظهور هذه الفئران من جديد بعدما وجدت الظروف المناسبة للعيش والتكاثر. كما لا يبعد قسم الغسيل هذا كثيرا عن عيادة طب العظام وغرفة وضع الجبس للمرضى.
أبواب مكسورة وتجهيزات صدئة من المعروف أن أقسام المستعجلات تكون أكثر حظا من غيرها من الأقسام الأخرى بالمستشفيات عموما، سواء على مستوى البنية أو على مستوى التجهيزات، لكن على النقيض من ذلك لن تستطيع تمييز بعض أقسام الجراحة بمستشفى محمد الخامس بالبيضاء عن غرف أخرى «منسية» بسبب الأبواب المكسورة أو زجاجها المكسور أيضا أو بسبب انخلاع الجزء السفلي من هذه الأبواب أو الجزء العلوي حتى فصلت عن الحائط ولم يعد لها أي دور، بل صارت تشكل خطرا قد يلحق حتى بالموظفين والأطر الطبية، إذ كانت تبدو أنها معرضة للسقوط من مكانها في أي لحظة. في ظل هذا الوضع يبدو المريض كأنه «منفي» في مكان فسيح فارغ حتى من الأجهزة الطبية والمعدات التي ستجد بعضها وقد طلاه الصدأ، علما أن حساسية هذا القسم تتطلب عناية ورعاية خاصة لما يمكن أن ينتقل إلى المرضى أثناء العمليات الجراحية من بكتيريا أو ما شابهها. غرفة هنا وغرفة هناك تكاد تكون فارغة تماما بسبب «ندرة» التجهيزات، وما توفر منها يبدو لا «دور له». وأكدت مصادر طبية نقابية ل»المساء» أن الوضع يدعو إلى القلق، حيث من غير المعقول أن يتم تنظيف وتعقيم أدوات في أماكن لا تتوفر فيها الظروف الصحية، بل هي نفسها «صدئة». كما أنه كثيرا ما تتم الاستعانة بأدوات صدئة نظرا لوجود خصاص فيها لمداواة المرضى، تضيف المصادر نفسها، خاصة فيما يتعلق بتضميد الجروح وتغيير الضمادات. صراعات داخلية ومرضى بدون أدوية منذ عدة أشهر تسود أجواء مشحونة بين إدارة مستشفى محمد الخامس ومجموعة من الأطر الطبية، التي تعتبر أن اهتمام الإدارة لا يسير في اتجاه توفير الضروريات، التي هي العمود الفقري لتوفير الخدمات الطبية، وأن كفة الاهتمام تميل إلى أمور أخرى وصفتها هذه الأطر ب«الهامشية»، ومن بين الأمور التي أفاضت الكأس، حسب عدد من الشغيلة الطبية وجود «نقص كبير» في وسائل العمل الضرورية، ومنها المعدات البيوطبية وأدوية ومستلزمات العلاج والتطبيب، وهو ما «أضر بصحة المواطنين كثيرا» الذين هم من يتحمل مسؤولية اقتناء هذه الأدوية، تقول المصادر الطبية. كما أن بعض المرضى الذين يرقدون بأجنحة المستشفى لا يأخذون بعض الأدوية الموصوفة لهم لأنها غير متوفرة بصيدلية المستشفى، وهو ما يجعل الطبيب المعالج مُحرجا أمام هذا الوضع، خاصة إذا استحال عليه توفيرالدواء للمريض. ويؤكد مصدر من المستشفى أن هناك إهمالا «واضحا» لبعض المعدات، التي هي فقط بحاجة إلى إصلاح بسيط، لكنها تبقى مركونة دون أن يتم استغلالها، رغم حاجة المستشفى إليها، كأحد الأجهزة الذي ظل مركونا بأقسام المستعجلات، رغم أنه كلف المستشفى حوالي مائتي مليون سنتيم، وهو الآن دون قيمة رغم أن تكلفة إصلاحه لا تتعدى مليون سنتيم، يقول المصدر ذاته مرضى جائعون «نحن لا حاجة لنا بما يقدم من أكل هنا لأننا لا نستهلكه وعائلاتنا تتكلف بتغذيتنا» يقول عدد من المرضى الذين تحدثوا إلى «المساء»، والذين لم يترددوا في التعبير عن استيائهم من التغذية بالمستشفى، سواء على مستوى الكم أو الكيف. إذ كيف لمريض أن يسترد عافيته إذا كانت وجبة غذائه الرئيسية ترتكز على القليل من المعجنات «ليباط» وبرتقالة والقليل من المقبلات التي تضم الطماطم والخيار«شبه شلاظة»؟ وماذا يأكل المرضى المطالبون بحمية غذائية مادامت المستشفى لا تراعي هذه النقطة؟ يتساءل أحد المرضى. ويقول مريض مصاب بالسكري، يقتصر في طعامه على تناول قطع من السمك وترك الجزر والبطاطس وحبات العنب التي توزع «بالحْساب»:«بحكم أني مصاب بالسكري، فأنا لا أتناول كل ما يحتوي على نسبة عالية من السكريات. أنا لن أنكر أن كمية ما يتم تقديمه لا يكفي، غير أننا مجبرون على الاكتفاء بما يقدم لنا، خاصة أن عائلاتنا لا يسمح لها بزيارتنا في فترة الظهيرة، ولا تزورنا إلا في حدود الرابعة والنصف». صِنف آخر من المرضى أكد أنه كثيرا ما يتم استثناؤهم من الوجبات الغذائية، حيث أكد أحد المرضى أنه لم يتناول وجبة العشاء ولا الفطور، الذي يكون عبارة عن قطعة صغيرة من الخبز وقليل من الزبدة وكأس من الحليب، وهو ما لا يسد رمق المرضى في الغالب، خاصة من تحسنت حالتهم الصحية. مصدر طبي أكد أنه من المستحيل أن يتماثل مريض للشفاء دون إيلائه عناية جيدة، وعلى رأسها التغذية الصحية السليمة، حيث من الضروري أن توفر الإدارة لكل المرضى كمية وافرة وأن تراعي حالة كل مريض، موضحا أنه من الصعب جدا على الجسد أن يستجيب للدواء والعلاج في ظل غياب تغذية سليمة صحية وكافية. وأضاف متسائلا «ماهي ردة الفعل الإيجابية التي يمكن أن ننتظرها من جسم أي مريض وجبته الرئيسية تتضمن القليل من المعجنات؟ ونتساءل كيف للإدارة أن تهتم بأشياء ثانوية لا قيمة لها بالنسبة إلى الصحة العمومية وتهمل ما هو ضروري ورهين بتأدية الواجب المهني الذي يلتصق بالمستشفى وبكل عامل بها مهما كانت درجته أو وظيفته، إطارا طبيا كان أو غيره؟» وأكد مدير المستشفى ل«المساء» أن قطاع التغذية بالمستشفى موكول لشركة خاصة وأن ما يقدم للمرضى يحتوي على قيمة غذائية نظرا لتنوعه. كما أن إدارة محمد الخامس سبق أن أكدت ل«المساء» في عدة مناسبات عن وجود تشنجات داخلية بين الإدارة وبعض الأطر الطبية التي تحركها أغراض أخرى، وهي مشاكل مفتعلة، وهو ما نفاه نقابيون، مؤكدين أن لا شيء يحرك هؤلاء الأطر غير النقص الذي يسجل في التجهيزات الطبية بأقسام متعددة. وأضاف المصدر الطبي أن قطاع التغذية بالمستشفى يكلفها مليوني درهم، ورغم ذلك فهو لا يرقى إلى المستوى المطلوب، علما أن له الأولوية لارتباطه مباشرة بصحة المرضى، موضحا أن التغذية هي نصف العلاج، وإن غاب نصف العلاج فلا مجال للحديث عن الشفاء من أي مرض كيفما كانت طبيعته، خاصة مثل مرض فقر الدم. وكمثال على ذلك يطرح المصدر الطبي وضعية طفلة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات، و ساءت وضعيتها الصحية بسبب التغذية لأنها تعاني من سوء التغذية وهي بحاجة إلى نظام غذائي خاص لاستعادة عافيتها. كاميرات مثبتة أكدت مصادر من داخل مستشفى محمد الخامس بالبيضاء أن من بين الأمور «غير العادية» بالمستشفى العدد الكبير من الكاميرات التي تم تثبيتها في زوايا مختلفة من المستشفى، وهو ما اعتبرته المصادر نفسها «هدرا» لميزانية يمكن أن تستغل في توفير ضروريات أخرى، من قبيل تجاوز العجز الحاصل في مجموعة من التجهيزات والآليات الطبية، و كمثال على ذلك جهاز ال«ميكروسكوب» الخاص بالأذن الذي لم يتم إصلاحه لما يزيد عن أربع سنوات. وأكدت مصادر طبية بالمستشفى قائلة: «راه حنا غير كندفعو وصافي. تجهيزات الفحص شبه منعدمة». وأضافت المصادر نفسها أن هذا النقص يحرج بعض الأطر الطبية ويدفع المرضى إلى التوجه نحو القطاع الخاص أو مستشفى 20 غشت. ويتساءل أحد الأطر الطبية: «ما فائدة الألوان المزركشة التي توحي للمريض أنه سيلج مستشفى شبيه بالخواص من الخارج، لكنه ليس كذلك من الداخل، وهو ما يتأكد منه المريض مباشرة بعد ولوج بعض أقسام الفحص؟ نحن لا يهمنا الشكل، نحن نريد المضمون، نريد تجهيزات جيدة لتحصيل نتيجة جيدة. الألوان لن تغنينا ولن تسمن المرضى من جوع». شكايات في «القمامة» أكد بعض المرضى، خاصة ممن وجدوا عراقيل في التطبيب، أو ممن وقعت لهم أخطاء طبية بداخل المستشفى، أن الشكايات، التي تقدموا بها إلى إدارة المستشفى ضد بعض الأطر الطبية، لا تأخذ مجراها الطبيعي، رغم الوعود التي يؤكدها مسؤولون بالمستشفى بأن هناك متابعة أو تحريك الشكاية ضد هؤلاء الأطباء لوقف الهدر و«اللامسؤولية» التي تتسبب في إصابة بعض المرضى بإعاقات قد تستمر معهم طيلة حياتهم. يقول شقيق مريض بالمستشفى: «تقدمت بشكاية إلى الإدارة ضد أحد الأطباء، الذي تسبب في عاهة لأخي الشاب الذي لا يتجاوز عمره 25 سنة، حيث عوض أن يجبر له كسره بالفخذ أجرى له عملية في الركبة. أنا لست طبيبا، لكني لا أظن أن هناك علاقة ما بين الحوض والركبة. إنه خطأ فادح تسبب في معاناة كبيرة لأخي. نحن نطالب بمتابعته، خاصة أننا وقفنا على اختلالات أخرى». المصدر نفسه أكد أن الطبيب المعني سخر الأسرة لاقتناء قطعة حديد بثمن 5000 درهم لمحل بعينه، في حين أنه بعد مدة تبين أن ثمن القطعة لا يتجاوز 200 درهم. واستنكر المصدر نفسه أن تكون مثل هذه الأمور في المستشفيات, التي ينتظر منها الحرص على مساعدة المرضى وعائلاتهم لا أن تتحول إلى المتاجرة في أمراض الناس ومعاناتهم.