إذا كان مجتمع المعرفة يعرّف على أنه مجتمع سمته الأساس هي الانتشار القوي للمعلومات والمعرفة، فإن هذا التعريف لا يستقيم إلا إذا استحضرنا الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستعمالاتها على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة. بالفعل، فحضور واستعمال الأنترنيت في الحياة اليومية للناس أصبح لافتا للنظر، فأضحى أطفال اليوم يتعرفون على شبكة الأنترنيت وخدماتها في وقت مبكر، فسموا بالجيل الرقمي! لقد أصبحنا في الآونة الأخيرة نخشى انقطاع الوصل (connexion) في الأنترنيت أكثر من انقطاع التيار الكهربائي عن بيوتنا. إنها ثقافة جديدة غيرت سلوكنا وعاداتنا في وقت وجيز وأدت إلى تغيير المفاهيم التقليدية لعدة مجالات، مثل العمل والتعليم والتجارة وبروز شكل جديد لمجتمع المعلومات. يرجع هذا كذلك إلى طابع الحينية في الوصول إلى المعلومة بسهولة وبشكل فوري تقريبا: على بعد نقرة واحدة، مما يجعل من الصعب الاستغناء عن هذا المورد الحيوي والذي يصفه البعض بكونه جنة المعرفة، حيث يكفي الانحناء لالتقاط المعلومة، بل للارتواء! ولكن وراء هذه السرعة، هناك العديد من الخوارزميات (Algorithmes) المتطورة جدا لمحركات البحث. الأنترنيت، أو شبكة الشبكات، تمثل الوسيلة الأساس التي تمكننا من الاستفادة، عن بعد، من الخدمات التي يوفرها عالم المعلوميات والشبكات، كتصفح مواقع وصفحات الويب WEB، استعمال البريد الإلكتروني، الهاتف عبر ميثاق أو بروتوكول الأنترنيت (La voix sur IP)، التراسل الفوري أو الدردشة (tchat)، البحث في قواعد البيانات عبر الويب (Interrogation des bases de données)، استعمال محركات وأدلة البحث ك«جوجل»، إلى بعض الاستعمالات الأخرى، كالتلقيم وهي خدمة تمكن من متابعة ما يصدر في المواقع التي توفرها أولا بأول دون حاجة إلى زيارتها من أجل التحقق إن كان قد نُشر جديد عليها... إلخ. إن العدد الهائل لصفحات الويب الموجودة على شبكة الأنترنيت، والذي يُقدر بالملايير، يجعلنا نتساءل كيف يمكن لمحرك بحث مثل «جوجل»، الذي أصبح مرجعا في مجال البحث، أن ينقب لنا ثم يعرض على شاشة حاسوبنا العشر صفحات الأكثر أهمية في موضوع بحث معين؟ كيف أصبح هذا المحرك الأقوى عالميا في هذا المجال في أقل من أربع سنوات؟ يزعم مطورو «جوجل» أن مهمة هذا المحرك هي أساسا تنظيم المعلومات حول العالم وجعلها مفيدة وفي متناول الجميع، مما يعطينا فكرة عن الدور الخطير الذي يلعبه هذا المحرك في نشر وعي معين أو تنميطه، لا فرق. هل هي ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة؟ إن شركة «جوجل» واحدة من كبريات الشركات في سوق الأنترنيت والتي لديها في سنة 2010 أكثر من مليون حاسوب خادم (serveur) موزعة على 32 موقعا في العالم، مما يمثل 2 في المائة من مجموع عدد الحواسيب في العالم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود «جوجل» يرجع الفضل فيه، إلى حد كبير، إلى البرمجيات الحرة التي تم تطويره وتشييده بواسطتها، مثل نظام التشغيل لينوكس (Linux)، ونظام إدارة قواعد البيانات (MySql) أو لغة البرمجة الجديدة Phyton. رغم كل هاته المميزات التي يحظى بها محرك البحث الأكثر استخداما في جميع أنحاء العالم، لا يمكن ل«جوجل» أن يعطينا إلا المعلومات المتاحة للجمهور العام. هذه المعلومات هي نتاج لمختلف المساهمين، مثل الجامعات والمؤسسات ووسائل الإعلام، والأفراد الذين اختاروا طواعية أن يظهروها مجانا عبر الأنترنيت! وهكذا، فإن محركات البحث بشكل عام و«جوجل» على وجه الخصوص، لا تقدم إلينا كل ما نحتاجه من معلومات بخصوص موضوع معين، ولكن فقط ما أُطلق سراحه! من جانب آخر، يستند مبدأ البحث لدى «جوجل» إلى دراسة العلاقات الرياضية بين المواقع الإلكترونية. فصفحات الويب الأكثر أهمية (pertinentes)، والتي ستظهر هي الأولى على الشاشة، هي تلك التي تم نقلها أو ذكرها من طرف المواقع الأخرى. المعيار الأساس الذي يعتمده «جوجل»، إذن، هو تقنية رتبة الصفحة (Page Rank) التي تم تطويرها من قبل لاري بيج، الشريك المؤسس ل«جوجل». هذه التقنية تمكن من معرفة مدى شعبية موقع إلكتروني معين على شبكة الأنترنيت، أو بدقة أكبر، واحدة من صفحاته. وتتم باستمرار إعادة تقييم هذا المؤشر الذي يستند أساسا إلى خوارزمية تبحث عن عدد الروابط التي تحيل على صفحة معينة. هذه الروابط تقوم مقام الأصوات المحصل عليها خلال عملية تصويت، كما لاحظ Pierre Lazuly (وجهة نظر، عدد 109). فمحرك البحث «جوجل» يعتبر الرابط من صفحة (أ) إلى الصفحة (ب) على أنه تصويت لصالح (ب). أما محتويات الصفحة فلا يتم أخذها في الاعتبار عند حساب الPageRank. وهكذا، فإنه كلما كانت لدينا روابط مهمة في موقع معين، أصبح مؤشر PageRank مرتفعا، وبالتالي تتقوى حظوظنا لتظهر مواقعنا الإلكترونية في رتب مميزة بالنسبة إلى نتائج البحث في جوجل! هذه الظاهرة هي عملية تراكمية، وبالتالي فإن تصنيف صفحة معينة سيكون مرتفعا أكثر كلما احتوت على روابط تُحيل على صفحات ذات تصنيف مُعتبر. النتيجة الحتمية لهذه العملية هي أن المواقع التي سبقت مبكرا في الظهور على الويب، تصبح المرجعية بالنسبة إلى المواقع الجديدة التي ستملى عليها قواعد ما سبقها من المواقع. بالنسبة إلى العديد من الخبراء، فإن «جوجل» ليس أصيلا في طريقة بحثه، حيث إنه لا يحيل على المرجع الأساسي في مجال ما، بل على قَبوله الأكثر ظهورا في المواقع! وبالتالي لا يكفي أن تكون لنا مواقع إلكترونية مُحكمة التصميم بقدر ما يجب أن تكون لها علاقة بالمواقع التي تمثل مرجعيات شبكة الأنترنيت للحصول على «اعتراف» منها! «ديمقراطية» «جوجل» المزعومة توجه الويب استنادا إلى عدد الأصوات التي تحصل عليها كل صفحة وأهمية هذه الأصوات. وهنا، يبرز الوجه الخفي لجوجل، فلا أحد يعلم المعايير المعتمدة من طرف هذا المحرك للتمييز بين المصوتين، فالبنسبة إلى المواضيع ذات الطابع السياسي (العراق، الصين، فلسطين،...) فإنه غالبا ما تتغلب الإيديولوجيا على الخوارزميات! نبيل بنعمرو - أستاذ باحث