لا أفهم كل هذا النقاش المجتر المتكرر المزعج حول المرأة، ولا أستوعب ما آلت إليه أيضا حتى أصبح لا فرق بينها وبين أية سلعة في مزاد.. أكان نضال النسوة الطويل دون غاية، أم هناك من تبني وأخرى تهدم، من تخرب وأخرى ترمم.. أحيانا أغرق في تأملاتي وأسأل نفسي، بعد كل ما حققته النساء من نجاحات ومكاسب وبعد سنين من الجهد والكد والركض نحو الحرية والمساواة، وبعد كل ما تكبدته نسوة مناضلات شريفات مكابرات من بحث ودراسة ومقاومة لتحسين ظروف عيش النساء وضمان كرامتهن وحمايتهن داخل وخارج بيوتهن، وبعد طريق طويل شاق لحماية حقوق النساء في البيت والعمل.. لازال الخطاب نفسه والصراع نفسه و»الحرية» المنشودة حملت ما لا طاقة لها به. لقد كان نضال النسوة دائما من أجل استرجاع حقوق مغتصبة من مجتمع تحكمه الذكورة، لكنني أعتقد أنه آن الأوان لتناضل النسوة من أجل توعية زميلاتهن بحقوقهن وواجباتهن، أن توجه الجمعيات النسائية خطابها نحو الطفلات والفتيات وأن يفتح نقاش وطني بين الفعاليات النسوية التي تزخر بها كل المجالات واللواتي يمكن أن يخلقن حوارا مختلفا عن هذا الذي أصبح مهينا ومدمرا أكثر منه شفافا وبناء. صحيح أن هناك نساء خدمن قضية المرأة بشكل ممتاز، داخل المدن وبالقرى وكل ما نراه من جمعيات وتعاونيات ومؤسسات لمحو الأمية ومراكز للاستماع ومراكز للطفولة ناضلت من أجله نسوة آمنّ، بصدق وعزيمة، بألا تنمية دون نصف المجتمع الأساسي، وألا تطور دون عماد أسرة تتكامل فيها خصائص المرأة والرجل، لكن الخلل هو أن الكثير من النساء استغللن هذا النضال «ليناضلن» بأسلحة أخرى في حلبات الدعارة والإباحية، وأخريات استغللنها لتدمير مفهوم الأسرة، والغالبية جعلتها سلاحا لحرب مفتوحة مع الرجل. مشكلتنا نحن في المغرب أننا نتطور بسرعة ظاهريا، أي أننا نحرق المراحل بشكل يدعو إلى القلق، فوقفة متأملة لحالنا قبل سنين فقط وكيف كانت قرانا وكيف كان العباد يعيشون، وحالنا الآن.. تظهر القفزة السريعة التي تطورت بها مدننا وقرانا، ففي وقت لازلنا نحارب فيه الأمية غزتنا الصحون المقعرة وكائن مدهش ومبهر اسمه الحاسوب واختراع ساحر يدعى الأنترنيت. أي أننا لا نمر عبر نفس المراحل التي قطعها مخترعو هذه الأشياء الذين قطعوا أشواطا كبيرة وقضوا سنين يحملون الكتاب.. نحن من الأمية أو ما شابهها إلى الأنترنيت.. من عربات تقودها الحمير إلى سيارات فاخرة نقودها بعقلية العربات.. المرأة أيضا لم تسلم من هذا التطور المظهري الذي لا يهم العمق، وفي عصر الأرقام والماديات وضياع المثل والقيم أصبح لكل شيء ثمن.. لذلك أعتقد أن الجدل القائم حول النساء عقيم وفارغ ودون معنى إن لم يخدم وضعيتهن ووجودهن، وإن لم يوجه الطفلات والمراهقات والشابات نحو القيم الأساسية لكينونتهن ولأنفتهن وكبريائهن.. كل هؤلاء المراهقات اللواتي تتقاذفهن الأزقة، وهاته الدمى البشعة التي تملأ الحانات والفنادق والمطارات، وكل اللواتي يعشن بروح موزعة وقد قهرن أجسادهن واحتقرن ذواتهن.. كل من عبث بهن الزمان وبفكرهن، من يتحدين الرجال بعناد كبير عوض الود والرحمة والمودة.. كل هاته النسوة المسترجلات اللواتي يتلذذن بالتحكم في العالم من حولهن بقبضة من حديد وبقوة «رجل».. كل من لم يفهمن معنى الأنوثة، وكبرياء الأنوثة وعظمة الأنوثة.. لكل هؤلاء يجب فتح نقاش وطني جدي ومدروس لنتحدث بصدق وواقعية عن صورتنا المشوهة في كل البقاع، وعن حال بناتنا في الشوارع، عن نظرتهن إلى الحياة وأسلوبهن في العيش..أن نتحدث عن الأمهات والآباء الذين تخلوا عن واجبهم في التربية وانشغلوا بتسديد واجبات «الكريديات».. أن نتساءل دون خجل: من يربي فتياتنا.. البيتُ، المدرسة أم الشارعُ أم أصدقاءٌ وهميون على الأنترنيت.. أسئلة كثيرة ملحة وحارقة، لا بد لها من أجوبة حتى يظل للأنوثة بريقها وللنسوة المغربيات كبرياؤهن في الصمود والتعفف.