كثيرون لم يسمعوا بخبر عقد قمة عربية في ليبيا نهاية الأسبوع الماضي. وكثيرون سمعوا عن اختتام أشغالها ولم يسمعوا عن بدء أشغالها، وهذا شيء غريب، لأن مؤتمرات القمة العربية عادة ما يتم التخطيط لها على بعد شهور، وقبل أن تنعقد تكون المشكلة التي عقدت من أجلها قد انتهت تماما وظهرت مشاكل أخرى، بينما هذه المرة انعقدت القمة وانتهت ولم يسمع بها الناس. عندما كانت الانتفاضات الفلسطينية تندلع، أو تقوم إسرائيل بمذابح رهيبة، كان القادة العرب يظلون لأسابيع وهم يتبادلون المشاورات من أجل عقد قمة، ويتوصلون إلى اتفاق مبدئي على عقدها بعد أن يكون الشهداء أكملوا الذكرى الأربعينية لاستشهادهم، ثم تنعقد القمة العربية قبل أيام من حلول الذكرى السنوية للمجزرة. وعموما، فإن قضية فلسطين صارت تؤلم الشارع العربي أكثر مما تحمسه وذلك لأسباب كثيرة، من بينها هذا الشقاق الفلسطيني المزمن، إلى درجة أن أطرافا فلسطينية وعربية تساهم بقوة في حصار الفلسطينيين وتجويعهم، كما أن الكل يتحدث عن كون ياسر عرفات اغتيل بأيد فلسطينية، والناس يشيرون إلى أشخاص معروفين وبارزين في الساحة الفلسطينية، ولا أحد يحرك ساكنا. هناك مسألة أخرى وهي أن الساحة الفلسطينية ممتلئة بالخونة إلى درجة تثير الذعر، فأغلب عمليات اغتيال القادة الفلسطينيين الشجعان من طرف إسرائيل تم بتواطؤ فلسطيني، لذلك فإن الشعب الذي ينخره جيش من الخونة لا يمكنه أبدا أن يحقق الانتصار مهما ضحى ومهما قدم من دماء، لأن الانتصار على الخونة أهم بكثير من الانتصار على العدو. الأنظمة العربية لعبت وتلعب بالقضية الفلسطينية كما تلعب بدمية بين يديها. فكل نظام فاسد ومنخور حاول أن يجعل من فلسطين وسيلة لتلميع صورته البشعة، وكل دكتاتور قفز إلى السلطة وسط الظلام إلا وجعل منها وسيلة لقمع المزيد من خصومه السياسيين وملء السجون بآلاف المعتقلين السياسيين. فلسطين ضاعت ليس بسبب الشعوب العربية، بل بسبب القادة العرب. وحين صدر وعد «بلفور» المشؤوم بتوطين اليهود في فلسطين، فإن تنفيذ المؤامرة تم بأيد عربية، لأنه حين اشتعلت أول حرب عربية إسرائيلية بعد قرار التقسيم، سنة 1948، فإن الأنظمة العربية منحت شعوبها حرية الجهاد في فلسطين... لكن برصاص فاسد، أي أن الإسرائيليين كانوا يتوفرون على أفضل وأحسن الأسلحة، بينما المقاتلون العرب يطلقون في الهواء رصاصا فاسدا لا يترك غير الدخان. هناك أيضا أنظمة عربية كانت تبلغ كل تفاصيل المؤتمرات العربية إلى تل أبيب، حيث بمجرد أن تنتهي مؤتمرات القمة، ينسل الحاضرون فيها مباشرة نحو تل أبيب لإبلاغ المسؤولين الإسرائيليين بكل شيء، لذلك لا عجب إن كانت إسرائيل دكت مصر في ست ساعات في حرب 1967. خلال الحروب العربية مع إسرائيل، لم يكن الرصاص الفاسد والخيانة لوحدهما سبب الكوارث، بل إن أنظمة عربية بعثت إلى تلك الحروب بجنودها المزعجين الذي يقلقون راحة الأنظمة بالانقلابات، فيما تقول مصادر إن عددا من مقرات المؤتمرات العربية التي كانت تناقش الصراع مع إسرائيل كانت تتوفر على أجهزة تصنت، حيث يتتبع قادة إسرائيل كل التفاصيل التي تجري في قلب القاعات المغلقة التي يتحدث فيها القادة العرب. الشعوب العربية تدرك اليوم كل هذا، وتعرف أن قضية فلسطين صارت تسكن في قلوب الناس فقط، ولا مكان لها في أي من أجندة الحكام العرب، لذلك من الطبيعي أن نسمع عن الناس البسطاء وهم يصابون بالانهيار العصبي حين يشاهدون المجازر الإسرائيلية على شاشات التلفزيون، أو يحطمون تلفزيوناتهم غضبا لأنهم لا يتحملون رؤية ما يجري، بينما قادة العرب يستمرون أشهرا في محاولات عقد قممهم، وحين يعقدونها فإن نتائجها تكزن شبيهة تماما بذلك الرصاص الفاسد الذي واجهته إسرائيل سنة 1948. ما الفرق، إذن، بين رصاص فاسد ومؤتمرات فاسدة؟ إنهما يتشابهان كثيرا. فكلاهما لا يترك غير الدخان...