عندما نكتب عن تجاوزات بعض المسؤولين، فإننا نعرض أنفسنا لنوعين من الاحتمالات: إما أن يحتمي المسؤول من النقد بالمتابعة القضائية لبث الخوف في نفوس منتقديه، مثلما ما صنع نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، الذي طالبنا بتعويض قدره 300 مليون بسبب نشرنا لتقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تكشف تبديده للمال العام، وكأن الأموال التي «ربح» من دوزيم والمركز السينمائي لا تكفيه. وإما أن المسؤول يلجأ إلى صحافة «كاري حنكو» لكي يدافع عن نفسه ويلمع صورته ويصنع له بكارة جديدة، كما فعل عبد الحنين بنعلو، المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات. وهناك إلى جانب هؤلاء المسؤولين العموميين وزراء طلبوا من الوزير الأول أن يسمح لهم بمتابعتنا قضائيا، مثل وزير الشغل الاتحادي جمال أغماني، لكن طلبه رد في وجهه، ليس بسبب سقوط عباس في حب الصحافة، ولكن لأنه لا يريد أن «يجبد» عليه النحل بسبب وزير اتحادي، خصوصا وأن حكومة عباس مثلها مثل رأس الأقرع «فين ما ضربتيه يسيل دمو». بالنسبة إلى الصايل، سنذهب إلى المحاكمة لاقتناعنا التام بأن من سيحاكم أمامها وأمام الشعب ليس «المساء»، وإنما هذا المد العاتي من الميوعة والسخافة والاستهتار بالقيم الأخلاقية والدينية للمغاربة والتي يحمل لواءها نور الدين الصايل ويصرف عليها من أموال دافعي الضرائب. وهذه هي «التعرية» الحقيقية وليست تلك التي فعلتها زوجته المنشطة الفاشلة على غلاف إحدى المجلات، ورفع ضدنا الصايل دعوى لأننا قلنا إن زوجته تعرت على غلاف مجلة نسائية. أما بالنسبة إلى عبد الحنين بنعلو، الذي «يبخ» دخان سيجاره الكوبي في صالونات الرباط مدعيا أن يد القضاء لن تطوله لأنه محمي بما يكفي، فليسمح لنا أن نحكي قصة هذه «الحماية» التي يفتخر بها أمام أصدقائه. عندما قال المناضل الاتحادي، الذي سقط على حزب عبد الرحيم بوعبيد بالمظلة مع الأمطار الأخيرة، إنه كان يملك قبل تعيينه على رأس المكتب الوطني للمطارات خمس شركات، فإن الرجل لم يكن يبالغ. وقد كنا نتمنى أن يتوقف قليلا عند إحدى هذه الشركات لكي يحكي لنا ظروف نشأتها، حتى يعرف الرأي العام السر وراء الثروة التي جمعها بنعلو في ظرف وجيز. وبما أن بنعلو لم يكن ثرثارا حول هذه النقطة بالذات، فليسمح لنا أن نفتح مكانه سيرة شركتين من تلك الشركات التي أسسها سنة 1990 وباع أسهمه فيهما سنة 2006. لماذا أسس بنعلو هاتين الشركتين ومن كان شريكه الأساسي فيهما؟ الجواب لن تجدوه حتما في كل الحوارات التي أعطاها بنعلو لصحافة «كاري حنكو» لكي يلمع صورته التي لطخها تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات، بل ستجدونه في العودة إلى سنة 1990 عندما أطلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية برنامجين لتطوير تصنيع الطاقة بالألواح الشمسية. هذان البرنامجان هما GEM أو «برنامج تسيير الطاقة في المغرب» الذي مولته وكالة التعاون الأمريكية USAID بغلاف مالي قدره تسعة ملايين دولار، وبرنامج PVMTI أو «برنامج تطوير المبادرات الشمسية»، بغلاف مالي قدره 20 مليون دولار، ممول من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبمجرد تشمم رائحة هذين المشروعين الكبيرين، سارع عبد الحنين بنعلو، الذي كان آنذاك مديرا لمركز الطاقات المتجددة CDER، إلى تأسيس شركتين متخصصتين في مجال الطاقة الشمسية للاستفادة من المنحتين الأمريكتين. ولأن علي الفاسي الفهري، «مول الما والضو والكرة» الحالي، كانت تجمعه صداقة متينة ببنعلو منذ أيام مدرسة المهندسين بالرباط التي كان يشتغل بها، مع بنعلو، مسؤولا عن الدروس التطبيقية، قبل أن يشغل منصب المسؤول عن التنمية داخل مركز الطاقات المتجددة، تحت إمرة بنعلو، فقد أسس الصديقان الحميمان معا شركتين تحمل الأولى اسم sigmatch، أي «شركة الدراسات التقنية لمشاريع الطاقة الشمسية والألواح الشمسية وسخانات المياه»، فيما الثانية تحمل اسم sunlight، أي «شركة تنمية وتمويل المشاريع الفردية للألواح الشمسية». وهاتان الشركتان هما اللتان فازتا بصفقتي المشروعين الأمريكيين وتحملتا مسؤولية التوصل بالدراسات، حيث إن الشريكين أعطيا الانطباع بأن الدراسات أنجزت على أرض الواقع، في حين أنه لا يوجد أي أثر لهذه الدراسات أو المشاريع لا داخل الشركتين ولا على أرض الواقع. وبعد استنفاد الشركتين لدوريهما واستفادة بنعلو وعلي الفاسي الفهري من عائدات الصفقتين الأمريكتين، باع الفهري أسهمه فيهما سنتين بعد تعيينه على رأس المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، فيما باع بنعلو أسهمه فيهما سنة 2006، وحينها كان قد جلبه الراحل مزيان بلفقيه من مركز الطاقات المتجددة إلى المكتب الوطني للمطارات. هذا هو الرجل الذي يطالب المغاربة اليوم في حواراته بأن يقدموا إليه الشكر على كل ما صنعه من أجلهم خلال السنوات التي قضاها على رأس المكتب الوطني للمطارات. رغم أنه يعرف أنه مطالب أكثر من غيره بتقديم الاعتذار إلى كل المغاربة بسبب العشر سنوات من الاستثمار في الطاقة الشمسية التي ضاعت هباء منثورا بسبب جشعه وجشع صديقه علي الفاسي الفهري. ولكم أن تتخيلوا لو أن المشروعين الأمريكيين أخذا طريقهما الصحيح منذ سنة 1990، وتم فعلا وضع بنيات تحتية لإنتاج وتوزيع الألواح الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية، كيف كان سيكون المغرب، خصوصا العالم القروي، بفضل 29 مليون دولار التي، بالمناسبة، يجب أن تسأل وكالة التعاون الأمريكيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية الشريكين السابقين في الشركتين المغربيتين عن طرق صرفها، لأنها، في نهاية الأمر، أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. إن هذا المبلغ الضخم كان مرصودا من طرف الأمريكيين لوضع برنامج للنجاعة الطاقية، لكن للأسف الشديد لا شيء من هذا البرنامج تحقق. وحتى عندما تعهدت وزيرة الطاقة بنخضرة أمام الملك في وجدة بوضع برنامج وطني للنجاعة الطاقية وقالت إن الوزارة ستعمم 35 مليون مصباح من المصابيح ذات الاستهلاك المنخفض للطاقة لمساعدة العائلات المغربية للتخفيض من كلفة الكهرباء، فإنه إلى حدود اليوم لم تستطع لا الوكالات ولا الموزعون الأجانب الوفاء بالوعد الذي قطعته وزيرة الطاقة على نفسها أمام الملك، حيث لم يتعد عدد المصابيح منخفضة الاستهلاك سقف الخمسة ملايين مصباح في كل التراب المغربي، وهي المصابيح التي تم تعميمها على عهد إدارة يونس معمر. وليست هذه «الفالطة» الوحيدة للوزيرة بنخضرة، فقد سبق لها أن تحدثت، خلال تقديم الخطة الطاقية سنة 2007، عن استحالة تطبيق مشروع الطاقة الشمسية بسبب تكلفة إنتاجه الباهظة، قبل أن تحتكر فكرة مشروع الطاقة الشمسية لنفسها وتبدأ في الحديث عن جمع المغرب للتمويل الكامل للمشروع، في الوقت الذي لازال فيه المغرب يتقاتل من أجل الحصول على تمويلات لمحطات إنتاج الطاقة الشمسية، خصوصا بعد انسحاب الجزائر من المشروع للتشويش عليه. هكذا، إذن، نفهم سر الهدوء العجيب الذي يبديه عبد الحنين بنعلو وهو يقرأ أخبار الزيارات التي يقوم بها أفراد الشرطة القضائية التابعون للفرقة الوطنية لمقر المكتب الوطني للمطارات بحثا عن مستندات ووثائق لاستكمال التحقيق في التجاوزات التي أشار إليها تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات. فالرجل عندما ألقى الكرة في مرمى وزير النقل والتجهيز كريم غلاب، وقال إنه لم يكن يفعل أي شيء دون موافقة المجلس الإداري الذي يرأسه سعادة الوزير، فإنه كان يقول لعلي الفاسي الفهري «إياك أعني فافهمي يا جارة»، يعني إذا كان من الضروري أن تتم التضحية ببنعلو فإنه لن يذهب إلى المحكمة وحده. وهذه الرسالة نجح بنعلو في إيصالها إلى من يهمهم أمر بقاء ألسنة لهب القضاء بعيدة عن ربطات أعناقهم الحريرية، وعلى رأسهم «شريكه» السابق علي الفاسي الفهري. ولهذا فبنعلو يعرف أنه، مثله مثل كثير من المسؤولين العموميين، سيظل بعيدا عن المتابعة، لأن وجهه «مشروك»، والوجه «المشروك» كما يقول المغاربة «ما يتغسلش». وبينما يتهم بنعلو بشكل مبطن وزير النقل الاستقلالي كريم غلاب بالتواطؤ في تبذير المال العام، يكاد لا يقول أي شيء عن مراقبي وزارة المالية الذين لا يمكن أن تمر صفقة عمومية بدون موافقتهم. ربما لأن بنعلو يخشى توجيه أصابع الاتهام نحو وزارة المالية التي توجد تحت وصايتها مؤسسات تستطيع أن «تجبد» لشركات بنعلو «مصارنها». أما بالنسبة إلى الوزير «القشاشبي» جمال أغماني، الذي سأل الصحافيين الأسبوع الماضي ساخرا خلال ندوة صحافية عن مكان الفيلا التي قالت «المساء» إنه يملكها في حي الرياضبالرباط، وطلب من كل من يعثر على أثر لها أن يأخذها ويسجلها في اسمه، فليسمح لنا بأن نطلب منه توسيع «قشابته» أكثر معنا، لأننا في مقال الغد سنقول له ماذا يوجد حاليا في هذه الفيلا، وبكم شيد فيلا «سيدي العابد»، وعدد أسطول السيارات التي أصبح يملكها، وأشياء أخرى نشك في أنه، سيحافظ على خفة دمه وسخريته السوداء إذا سمعها. «وبقا عاطيها للضحك».