كنا ننتظر أن يوقع السينمائيون المغاربة عريضة احتجاج ضد مهرجان سينمائي إسباني منح جائزة ل«الممثلة» الانفصالية أميناتو حيدر، (اعترافا من السينمائيين الإسبان بموهبتها الفنية الكبيرة في تمثيل دور المضربة عن الطعام لأكثر من شهر)، لكنهم فضلوا أن يوقعوا عريضة ضد جريدة تتصدى يوميا لناهبي المال العام والانفصاليين من كل نوع، والراغبين في تقويض الأسس التي تقوم عليها الهوية المغربية. في الأنظمة الديمقراطية يحدث أن يجمع مثقفون وكتاب وفنانون عرائض تضامن مع الصحف المهددة في وجودها، لكن في دول العالم الثالث يحدث العكس تماما، حيث يجمع مثقفون ومخرجون سينمائيون وفنانون عرائض تنديد بجريدة لا يتفقون مع خطها التحريري، لأنه لا يدغدغ الذوات المتضخمة والمريضة لبعضهم. في فرنسا، التي يحمل مدير المركز السينمائي جنسيتها، نرى كيف تصدر يوميا كتب تتحدث عن الشخصيات العمومية والمشاهير، وكيف تتصدر صورهم وأخبارهم أغلفة المجلات والجرائد، وعلى رأسهم رشيدة داتي وزوجة الرئيس الفرنسي، ولم نسمع يوما أن إحدى هاته الشخصيات العمومية استنجدت بأصدقائها المثقفين والمخرجين والصحافيين من أجل توقيع عريضة تضامنية معها ضد صحيفة أو مجلة معينة. أقصى ما يمكن أن تقوم به شخصية عمومية تشعر بأن ما كتب حولها فيه مس بسمعتها هو اللجوء إلى القضاء والمطالبة بالتعويض. أما أن يلجأ الشخص العمومي للرد على اهتمام صحيفة بتدبيره المهني اليومي لمسؤوليته بجمع توقيعات ضدها، فهذا منتهى الاستخفاف بالقضاء، لأنه يحول أصدقاءه ومعارفه إلى قضاة يحاكمون جريدة تنتقده ويصدرون في حقها أحكاما مبنية على التضامن المصلحي. ما يقوم به مدير المركز السينمائي من حشد لأنصاره وأتباعه من أجل التشهير بجريدة «المساء» ليس جديدا، فقد سبقه إليه رضا بنشمسي ورئيسة بيت الحكمة ومديرة الأخبار بالقناة الثانية عندما جمعوا عريضة بتوقيعات مثقفين وسينمائيين وصحافيين ضد «المساء» ودفاعا عن الشذوذ الجنسي أو ما أطلقوا عليه حينها «الحريات الفردية». وعندما أوصلوا «المساء» إلى منصة الإعدام ولفوا حبل المشنقة حول رقبتها اختفوا فجأة واختفت عرائضهم. ولم يقف إلى جانبنا سوى قرائنا الأوفياء الذين خرجوا في كل مدن المغرب، طواعية، لإعلان تضامنهم معنا. واليوم، يطل رضا بنشمسي والمحرضون أنفسهم من جحورهم مجددا لاستعداء الدولة والقضاء على «المساء» تحت ستار الدفاع عن «الحياة الشخصية» المزعومة لمدير المركز السينمائي، مع أنهم جميعهم عاجزون عن تقديم دليل واحد على أن كل ما نكتبه فيه ذرة اقتحام للحياة الشخصية للصايل أو غيره، اللهم إذا كان الصايل يعتبر المركز السينمائي المغربي امتدادا لبيته، في هذه الحالة فقط يصبح حديثنا عن تدبيره لمالية المركز امتدادا للحديث عن تدبيره لحياته الشخصية. الغريب في الأمر أن بنشمسي، الذي لا همّ ولا شغل له سوى التحريض على «المساء» في الداخل والخارج، يعطينا الدروس في احترام الحياة الشخصية للأفراد، هو الذي تجرأ واقتحم الحياة الشخصية للجميع، وعلى رأسهم الملك، ومنع بسبب ذلك أكثر من مرة. يتهمنا بشتم الناس هو الذي نعت برلمانية مغربية بالشيخة، وعاد يطلب الصفح حتى لا يدفع لها 70 مليونا كتعويض. لكننا نتفهم دفاعه عن الصايل، فهو في الحقيقة يدافع عن نصيب أخيه فهد بنشمسي، الممثل المبتدئ، من كعكة المركز السينمائي. «أسيدي بالصحة، غير كون واضح مع راسك». وإذا كنا نجهل هويات أغلب الموقعين على عريضة التضامن مع الصايل، فإننا بالمقابل نستطيع أن نحدد العلاقة المصلحية التي تربط أغلب الموقعين المعروفين مع المركز السينمائي المغربي، مما يجعل تضامنهم غير ذي مصداقية، لأنه مبني على علاقة مادية تقدر بمئات الملايين لكل واحد منهم. ومثلا، فالسيد صارم الفاسي الفهري، رئيس غرفة المنتجين السينمائيين، والذي تكلف بالعريضة التضامنية من «طاق طاق حتى للسلام عليكم»، تضامن مع الصايل لأن هذا الأخير يكتري منه مقرا في الدارالبيضاء أنفق على تجهيزه من مال المركز السينمائي 300 مليون. فسعادة المدير لم يعجبه المقر الاجتماعي للمركز السينمائي في الرباط، وقرر أن يكتري مقرا في الدارالبيضاء من صديقه صارم الفاسي الفهري بثلاثين ألف درهم في الشهر. وهكذا، فمن أجل توقيع سعادة المدير على الوثائق الخاصة بالمركز، فإن سائقا خاصا يقطع يوميا المسافة بين الرباطوالدارالبيضاء لهذا الغرض. «ومالو مخلصو من جيبو». أما لائحة المخرجين السينمائيين الذين تضامنوا مع الصايل، فالأغلبية الساحقة منهم يستفيدون من سخاء المركز السينمائي، وهم كالتالي: المخرج الجيلالي فرحاتي، أخذ من المركز السينمائي تسبيقا عن فيلمه «غدا عند الفجر» قدره 480 مليونا. المخرج محمد إسماعيل، أخذ من المركز السينمائي تسبيقا عن فيلمه «ولاد البلاد» قدره 370 مليونا. المخرج عبد المجيد الرشيش، أخذ تسبيقا من المركز عن فيلمه «ذاكرة الطين» قدره 400 مليون. المخرج نور الدين الخماري، أعطاه الصايل تسبيقا عن فيلمه «زيرو» قدره 450 مليونا. المخرج كمال كمال، أعطاه الصايل تسبيقا عن فيلمه «سوطو فوس» قدره 420 مليونا. المخرجان المبتدئان محمد مفتكر وهشام العسري، أعطاهما الصايل شطرا ثانيا من الدعم عن فيلمهما «محطة الملائكة» قدره 55 مليونا. أحمد بولان، أعطاه الصايل تسبيقا عن فيلمه «عودة الابن» قدره 380 مليونا. المبتدئ هشام عيوش، أعطاه الصايل شطرا ثانيا من الدعم عن فيلمه «تشققات» قدره 30 مليونا. وسبق لصندوق دعم السمعي البصري أن أعطى لأخيه نبيل عيوش «صفقة سينمائية» قدرها خمسة ملايير لإنجاز ثلاثين فيلما بوسائل وآليات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون. وإلى اليوم، لا أحد يعرف أين هي هذه الأفلام ولا أين يتم عرضها. المخرج حميد بناني، أعطاه الصايل 300 مليون، وعوض أن يصور بهذا التسبيق فيلمه «الطفل الشيخ» دفع جزءا منه كنفقة لطليقته بعدما أوصلته إلى المحاكم وترك الممثلين بدون أجر بعد أن أوقف تصوير الفيلم. والصايل يعرف هذه الحكاية جيدا، ولم يطبق المسطرة القانونية الجاري بها العمل عندما يتوقف تصوير فيلم حاصل على دعم من أموال دافعي الضرائب. والشيء نفسه بالنسبة إلى المخرج مصطفى الدرقاوي الذي تضامن مع الصايل لأنه يطمع في عدم محاسبته له على ال600 مليون التي أخذها كدعم لتصوير فيلمه السينمائي والذي مرت عليه الآن ثلاث سنوات دون أن يرى النور. أما المخرج الشاب محمد مرنيشي، فقد تضامن مع الصايل لأنه الوحيد الذي حصل على 300 مليون زائد 300 مليون أخرى كدعم لتصوير فيلمين أمازيغيين. وفي ما يتعلق بالمخرج شويكة، الذي اتهم فيصل العرايشي بشراء ذمم الصحافيين، فقد فضل الاصطفاف إلى جانب الصايل بعد أن يئس من تمويل العرايشي لأفلامه التلفزيونية الرديئة، واختار أن يُيمِّم وجهه شطر صندوق الصايل حيث المال السائب. أما «أوليفار جيروم كوهن» فقد تضامن مع الصايل لأنه منحه 400 مليون لإخراج فيلم رديء لا علاقة له بالسينما اسمه «قنديشة»، فرضه ضدا على الجميع لتمثيل المغرب في الدورة السابقة من مهرجان مراكش السينمائي. وفي الأخير، أوصت لجنة تحكيم المهرجان بضرورة إعادة تصوير مشاهد الفيلم، وهو الشيء الذي انضبط له «جيروم كوهن» وحصل على دعم خارجي وأعاد تصوير بعض المشاهد وغيّر بعض الممثلين. قصة طريفة تليق بفيلم سينمائي ناجح، أليس كذلك مسيو الصايل؟ إننا نتفهم جيدا الأسباب المهنية التي دفعت بهؤلاء المخرجين إلى الاصطفاف إلى جانب الصايل ضد «المساء». ف»المساء» لا توزع الدعم والمنح بمئات الملايين، بقدر ما تحاسب وتراقب المتصرفين في هذه المنح. ولذلك فطبيعي أن تكون «المساء» مكروهة من طرف البعض، خصوصا الذين لا يحبون كثيرا أن تحشر الصحافة أنفها في حساباتهم البنكية. ولذلك، فشهادة هؤلاء المخرجين السينمائيين لا مصداقية لها، لأن خبزهم اليومي مرتبط بمشيئة الصايل. هو وحده من يستطيع أن يطلق صنبور الدعم لكي يرتوي من نبعه مخرج سينمائي، وهو وحده قادر على إغلاقه وترك المخرج «يخرج عينيه» في الدعم إلى أن يموت من الفقر الذي يخشاه هؤلاء المخرجون مثلما يخشون الطاعون. وبالإضافة إلى المخرجين السينمائيين الموقعين على العريضة والمستفيدين من «بزولة» المركز السينمائي، هناك موقعون آخرون تربطهم علاقة مهنية بالمركز السينمائي، مما يجعل تضامنهم تضامنا مصلحيا لا غير. ومنهم حسن نرايس، العاطل المزمن عن العمل الذي تدبر له الصايل تعويضا شهريا نظير عضويته في لجنة القراءة التي تختار السيناريوهات التي ستستفيد من دعم المركز. ومنهم محمد باكريم الأستاذ السابق الذي شغله الصايل موظفا في المركز السينمائي بعد أن كان صحافيا نكرة في «ليبراسيون»، وعينه عضوا في لجنة القراءة ضدا على القانون الداخلي للمركز الذي يفرض أن يكون أعضاء لجنة القراءة مستقلين عن المركز السينمائي. ومنهم غيثة الخياط عضو لجنة القراءة والمتعودة على توقيع العرائض، خصوصا تلك العريضة السخيفة التي جمعوها لها قبل سنة من أجل اقتراحها لجائزة «نوبل». ومنهم عبد اللطيف اللعبي الذي كان رئيسا للجنة القراءة، والشيكات التي حصل عليها من المركز السينمائي لازالت موجودة، مثلما لازالت موجودة الشيكات التي كان يحصل عليها من الصايل عندما كان هذا الأخير يستدعيه، مرة في الشهر على الأقل، إلى أحد برامج القناة الثانية عندما كان مديرها ويدفع له تذاكر الطائرة ويحجز له غرفة الفندق من فئة خمس نجوم. ومنهم حنان الفاضيلي التي للصايل عليها أفضال كثيرة عندما كان مديرا في القناة الثانية، وفي عهده «تمخمخت» «حنان شو» و«تمخمخ» والدها عزيز الفاضيلي وابنه عادل الفاضيلي في البرامج والمسلسلات الكوميدية الثقيلة على القلب. ومنهم الطيب الصديقي الذي منحه الصايل عندما كان مديرا على «دوزيم» قرابة 70 مليونا لتصوير مسرحيات اتضح فيما بعد أنها غير صالحة للعرض التلفزيوني. وهاهو اليوم يتصل يوميا بمدير «دوزيم» الجديد سليم الشيخ طمعا في الحصول على «شي 100 مليون» لتصوير مسرحية تذهب مباشرة نحو النسيان. وإذا كان من حق كل هؤلاء السينمائيين والفنانين والمنتجين أن يتضاموا مع من شاؤوا ضد من شاؤوا، فإن أحد الموقعين، واسمه نعيم كمال، ينتمي إلى مؤسسة ملكية اسمها «الهيئة العليا للسمعي البصري»، كان عليه أن يلتزم واجب التحفظ الذي يفرضه عليه منصبه، وأن يمتنع عن اتخاذ موقف ضد جريدة وطنية قد تلجأ في يوم من الأيام إلى تحكيم الهيئة التي يوجد نعيم كمال ضمن أعضائها. لقد كنت شاهدا سنة 2002 في مقهى «شي بول» على توصل نعيم كمال من طرف الصايل بشيك من دفتر شيكات القناة الثانية يحمل «معونة» طلبها كمال بسبب ضائقة مالية. إن رد الجميل لا يكون بهذه الطريقة يا سيد كمال. هناك طرق أكثر لباقة، ليس بينها قطعا التضحية بالاستقلالية في سبيل إرضاء أولياء النعمة.