الهجوم على الملك والملكة ورئيس الحكومة: اليمين المتطرف يهدد الديمقراطية الإسبانية في منطقة الإعصار    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    سبع ولايات ستحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    ارتفاع درجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسن قاوم الاستعمار في شبابه ولم يستطع مقاومة زوجته في شيخوخته
ندمها على الزواج ببناء وعدم رضاها عن وضعيته جعلها تنقلب عليه
نشر في المساء يوم 10 - 10 - 2010

تتميز المجتمعات العربية، ومنها مجتمعنا المغربي بالأساس، بكونها مجتمعات رجولية والأعراف والتقاليد، أي أن نظامها مبني على حكم الرجل، الذي يتقلد فيها مسؤولية تسيير شؤون البيت،
بمن فيه وما فيه، داخله وخارجه، فهو القائد والرئيس والمسؤول الأول، يرجع إليه الأمر والحكم والكلمة الأخيرة... ويستغرب المرء، في غالب الأحيان، إذا كان في نفس الوضعية، كلما وصل إلى مسامعه خبر زوجات يُعنِّفن أزواجهن الذين لا يستطيعون «ردّ الصفعة»، كما يقول المثل الشعبي المغربي. ويوصف الرجل في هذه الحالة ب«الحثالة»... بعضهن ضربن أزواجهن حتى الموت وأخريات يلقين بهم في الشوارع، إذا فشلن في الزّجّ بهم في السجون، ليرتحن منهم ومن متاعبهم، كانت مشروعة أو غير مشروعة. وفي أحسن الحالات، «يسترجلن» ويعمدن إلى تقمّص دور الزوج الرجولي، بعد أن يقُمْن ب«انقلاب» أبيض أو دموي، ويروضن الأزواج ثم يستحوذن على كلّ شيء في البيت، ماديا ومعنويا، من اختيار الأذواق والأوان، إلى التحكم في الأجر والحوالة والمداخيل، ويكتفي الزوج، حينها، ب«الطاعة» وتنفيذ الأوامر. وقد يذهب الوضع إلى حدّ القطيعة مع أهله وأحبابه، من أجل إرضاء «صاحبة الحلّ والعقد»، التي تجثم على صدره...
تعذب زوجها حتى الموت بإرغامه على تسجيل أرض باسمها
لم يكن العجوز «محمد ب.»، البالغ من العمر حوالي 90 سنة، يتصور، يوما ما، أنه المرأة التي تزوجها من أجل الاهتمام والتكفل به حتى يلقى ربّه ويترك لها إرثا شرعيا مع ورثته من الزوجة الأولى وأبنائهما، (أنها) ستتحول إلى «جلادة»، عديمة الرحمة والشفقة، تخضعه لحصص من التعذيب، في ظل عجزه عن المقاومة، بحكم سنّه المتقدمة وهشاشة عظامه التي كادت أن تتحول إلى رميم وهو ما زال على قيد الحياة، ووهن جسده وعدم قدرته على الجهر بآلامه ورفع صوته، طلبا للنجدة...
كان الشيخ العجوز، أحد أبطال المقاومة وجيش التحرير، يكابد ويعاني من قسوة الزوجة الثانية «مليكة ب.»، تلك المرأة التي تزوجته من أجل أراضيه التي يملكها في إحدى بلدات عمالة وجدة -أنجاد. كانت تترقب موته، لكن طال انتظارها، ورغم إحساسه بجفائها وعداوتها له، فإنه ابتلع ذلك وكتمه على أبنائه، ظنًّا منه أنها سترعوي عن غيّها وتتوب إلى الله ويخشع قبلها وتقوم بخدمته، إن لم يكن ذلك واجبا عليها كزوجة تجاه زوجها، فعلى الأقل، رأفة ورحمة بشيخ في سنّ والدها أو جدّها، مقبل على لقاء خالقه، لكن أحاسيسها كانت كلّها غضب وحقد ومقت واحتقار، يترجمها السخط والسبّ والشتم والضرب والدفع وكلّ ما يؤذيه هو وفي الوقت ذاته «يُنفّس» عن قلبها، القاسي قسوة الحجر أو أشدّ...
كانت، كلما رفض التوقيع على وثائق تفويت القطع الأرضية الفلاحية التي هي في ملكه، التي كانت تحاول إرغامه على توقيعها، كلما زادت قسوتها وتصلبت شرايينها وفجرت حقدها أكثر بتعنيفه وتعذيبه... ولم يزدها عناده إلا عنفا أقوى وأشد، حيث استقدمت «مليكة»، التي كانت تريد أن تملك كلّ شيء، بأي طريقة وبأسرعها، شخصين، رجل وامرأة، مجهولي الهوية فقاموا، جميعهم، خلال إحدى الليالي الحارة من شهر يوليوز الماضي، بتجريده من ملابسه وتكبيل أعضائه بحبل وانهالوا عليه ضربا، بواسطة عصا، في محاولة منهم إرغامه على تنفيذ طلبات الزوجة.
صُدم الشقيقان، ابنا الشيخ محمد، أثناء زيارة مفاجئة له، عند اكتشاف الحالة الصحية المتدهورة لوالدهما، واستفسرا زوجة والدهما عن أسباب الكدمات والجروح البادية عليه، فأجابت الزوجة، بكلّ برودة، بأنه سقط لوحده، بحكم تقدمه في السنّ، محاولة، في الوقت ذاته، منع الشيخ من الحديث والكلام والزيادة في التوضيح، وهو الذي تفجّرت عيناه دموعا، قبل أن يطلب منهما تحريره من الزوجة و«الإفراج» عنه من البيت الذي لم يستطع مغادرته وإبعاده عنه، الأمر الذي جعل الشقيقين، يقرران تخليصه من بين براثن الزوجة، بحجة التنزه والتجول رفقته، للتخفيف عنه.
وبالفعل، مباشرة بعد ركوبه سيارة ابنيه، شرع في حكاية مأساته مع زوجته الثانية ومحاولتها قتلَه من أجل تفويت الأراضي الفلاحية والعقارات التي يملك لها. وأوضح بعبارة أخرى، أنها تريد أن ترثه لوحدها، وهو ما يزال على قيد الحياة، بعد تعريضه للتعذيب والتنكيل، ليتم نقله مباشرة إلى مستعجلات مستشفى الفارابي في وجدة، بعد عرضه على الشرطة القضائية في ديمومة الأمن الولائي لوجدة، حيث تم الاستماع إليه في النازلة وإنجاز محضر يتهم فيه زوجته والمتواطئيْن معها في تعذيبه، ليتم وضع الزوجة رهن الاعتقال، من أجل البحث والتحقيق...
توفي الشيخ، صباح أحد أيام الأسبوع الأول من غشت الماضي، في قسم العناية المركزة داخل مستعجلات مستشفى الفارابي في وجدة، متأثرا بجراح وكدمات في جميع إنحاء جسمه النحيل، جراء كسور على مستوى الرأس كما أظهرت ذلك الشهادةُ الطبية التي تسلمها الأبناء من الطبيب المعالج.
اعتداء على الزوج والوالد وتهديده بالقتل والإلقاء به في الشارع
«حَكْرُوني وتْعَدَّاوْ علي ودّاَوْ لي كلشي ورماوني في الزنقة. الله يأخذ فيهم الحق، الله يأخذ فيهم الحق... ما عندي فين نْمشي... المرأة وأولادها... وكلتهوم وشربتهوم وكبّْرتهومْ وضربوني وتْكَرفْسُو علي بالباطل... الله يأخذ فيهم الحق... ما عندي فين نمشي»... عبارات متقطعة تخرج من فم شيخ هرم على مشارف الستينات، مقهور ومغلوب على أمره... كلمات مبلَّلة بدموع شيخ مكلوم ومفجوع، يحاول شرح ما جرى له مع أسرته، صباح يوم ذلك السبت، 25 من شهر مارس، وهو جالس القرفصاء فوق فراش مهترئ متّسخ، واضعا بين رجليه رزمة من الملابس، عند ركن أحد أزقة مدنية وجدة...
زفرات وتأوهات تخرج من جوف ربّ أسرة لم يَعِ بعدُ كيف ولماذا ما وقع له هذا، اللهم آلام جراحه الجسدية والنفسية التي يكابدها وما زالت تسكنه ولا يدري كيف يتخلص منها، وهو ينظر إلى المارة بعينين شاردتين ووجه بدون ملامح، يضع يده على قلبه، كمن يحاول أن يتحسس دقاته.
يحكي الزوج الضحية «عمر»، القادم من إقليم تازة، قصته من بدايتها منذ اكترى الطابق الأول من المنزل الذي تسكنه أسرته المتكونة من ستة أفراد في حي «كولوش». كان يؤدي ثمن الكراء، دون تأخير، رغم عمله المتواضع والمتمثل في مساعدة البنائين أو أي عمل يدر عليه بعض الدريهمات. ورغم ذلك، كان قنوعا ويسعده اجتماع أفراد عائلته حوله، رغم بساطة عيشهم.
إلا أن «عمر» لم يعرف كيف تحولت الزوجة إلى «وحش كاسر»، في أحد الأيام، حيث شرعت في تقريعه بعبارات نابية وكلمات جارحة أثارت غضبه أمام أبنائهما وبناتهما، لتدخل الزوجة في نوبة نفسية تتجسد في البكاء والصراخ والشهيق، وتدخل في غيبوبة كأن بها مسّا من الجنّ، حتى تستحوذ على قلوب أبنائها وتثير غضبهم عليه وكرههم له. كان عمر يتحلى بالصبر والجلَد حتى لا يخسر حبّ واحترام أبنائه، ويقول بينه وبين نفسه إن زوجته ربما أصابها مرض من الأمراض النفسية أو العصبية وربما لو زارت الطبيب لمنحها مسكنات ومهدئات، «أنت هو الأحمق، يا لهبيل، ماشي سيادك اللّي دايرينْ لعيالاتهومْ الفيلات والطوموبيلات، يا الحثالة...».
ويستمر الزوج في سرد بقية حياته المأساوية مع شريكة حياته القاسية التي اختارها أن تكون له وليس عليه، ليروي وقائع تلك الليلة المشؤومة، بعد تحريضها ستة أشخاص من أجل «تأديبه وتلقينه درسا»، بعد أن صعد الأشخاص إلى الطابق العلوي وهم مخمورون وكسروا بابه وروعوا الزوج وأذاقوه من العذاب ما لن ينساه أبدا، حيث كسروا جمجمته وأنفه وتركوه «غارقا» في دمائه واستمروا في «التبوريدة» على حسابه، رغم توسلاته ومحاولته تقبيل الأيدي «تلطخ الحيط بالدم ديالي وبالبصمات نتاعو وقالي خْلّيه ديكور باش تْعقل على هاد النهار».
كانت الزوجة لا تضيع فرصة ل«بهدلته» وإذلاله وشتمه أمام أبنائه الذين تعودوا على ذلك، وساروا على نهج والدتهم، كما لو أن بذرة الحقد قد تمكنت من قلوبهم. كان الزوج يحاول إرضاءها، بمنحها كلّ ما يربحه خلال يومه، كثيرا كان أو قليلا، في الوقت الذي لم تكن ترضى به وبوضعيته الاجتماعية والمادية وحتى بهيئته، حيث كان مجردَ بنّاء متواضع، ورغم أنه جاء بها من إحدى قرى إقليم تازة إلى مدينة كبيرة كمدينة وجدة.
كان سكان الحي يهرعون، كلّ مرة، في بداية الأمر ليصلحوا ذات البين بينهما، ثم بعد ذلك أصبحوا يتدخلون لإنقاذ جارهم من مخالب زوجته ولكمات أبنائه وأسنان بناته، إلى أن تعودوا على تلك المَشاهد اليومية التي تقدم لهم فرجة مأساوية تجلب الاستنكار...
تدبرت الزوجة أمرها وتدبر الأبناء والبنات أمورهم ولم يعد لربّ الأسرة مكان وسطهم، بل أصبح عالة عليهم وحجر عثرة في طريقهم، حيث رغم تعنيفه والتنكيل به، لم يدرك أنه غير مرغوب فيه، فقررت الزوجة التخلص، منه بوضع حوائجه عند عتبة المنزل، والتي تتكون من لحاف ورزمة ملابس، مع جملة واحدة: «جْمَع حوايجك ودبَّر على راسك ودرَّق وجهك!»...
نهاية مأساوية
تراجع «عيسى» إلى الوراء ووضع يده على الجانب الأيسر من صدره على مستوى القلب، بعد أن أحس بآلام حادة تعتصر قلبه الذي كان يلفظ ما بداخله، ورفع أصابعه في آخر حركة وعاها نحو عينيه، ليتفحص السائل الدافئ الذي بلّلها، قبل أن يصيبه دُوار ويغشى نظره ظلام الموت. أحس بالأرض تُسحَب من تحت قدميه وثقل جسده على ساقيه وخفتت دقات قلبه وتباطأت أنفاس صدره، فكان يلقي آخر نظراته على من حوله، تارة، نظرة على زوجته وأخرى على شقيقيها، ثم تراءت له جثته تهوى إلى قبر في ظلمة بئر دون قعر.
خَرَّ «عيسى» أرضا أمام أعين الزوجة الشابة وشقيقيها محمد وخالد. وقف الثلاثة مشدوهين من وقع الصدمة وهول الواقعة، يتفحصون «عيسى»، وهو ملقى دون حراك، وينظرون إلى بعضهم البعض. كان أحد الشقيقين ينظر إلى المُدْية في ِيدِ شقيقه وهي تتقاطر دماء ثم ينظر مرة أخرى إلى الخدوش الخفيفة على معصمه، ومرة ثالثة، إلى صدر جثة زوج شقيقته الممددة في فناء البيت. لم يكن أحد من الثلاثة يعي ما حدث ولا كيف وقع ذلك، اللهم هول المصيبة وجلل الخطب.
عشْرة في جحيم في ظل خلاف دائم
كان «عيسى» حديث عهد بالزواج. ورغم ذلك، كان يحاول أن يقوم بمسؤولياته الأسرية في حدود إمكانياته المتوسطة والأرباح المتواضعة التي كان يجنيها من وراء بيع الدجاج. وكانت هي كذلك تعرفه جيدا، بحكم العلاقات التي كانت تربط الأسرتين القريبتين وأقسمت العروسة أن تساهم في تمتين أركان البيت وتخدمه وتربي الأبناء خير تربية، ولو في ظروف متواضعة.
استمرت الحياة السهلة إلى حين ولم تدم طويلا، حيث دَبَّ خلاف بين العروس «فاطمة» وزوجها «عيسى»، بعد احتكاك مزاجيهما واصطدام شخصيتيهما، ولم يكن «النصفان» يتوافقان ويتطابقان. كان كُل منهما يرى ذلك طبيعيا وعاديا بين شخصين اختلفت تربيتهما وتنافرت طباعهما وتباعد مزاجاهما.
كانا يتركان ذلك «للزمن»، الذي يزاوج القلوب ويقرب بين الأفكار، لكن لم يكن هذا ولا ذاك وتراجع الحب أمام النفور والود، أمام الحقد، والخير أمام الشر، وسادت لغة الشتم والسب والقذف وتحول «العُشّ» إلى «فرن» يشعل نيران الغيظ والغضب والعنف والعنف المضاد ولم يعد أحدهما يطيق الحياة مع الآخر.
امتلأ قلب الزوجة حقدا وكراهية وتحولت إلى «وحش كاسر» تنقضّ على زوجها وتُنكِّل به كلما أقدم على فعل شيء ما، وقررت التخلي عن واجباتها في القيام بأشغال البيت وأهملت نظافتها وتخلت عن طبخ الوجبات الغذائية، الأمر الذي كان يجعله يبحث عنها خارج البيت وفي المطاعم الشعبية، وكانت ترغمه على إحضار وجبات غذائية لها ومن اختيارها كان باهظة الثمن أو رخيصة، انتقاما منه وتنكيلا به، وكان يقبل بذلك علّها تتراجع عن سلوكها وتستقيم تصرفاتها وتهدأ أعصابها وتعود إلى صورة تلك الفتاة التي عرفها قبل الزواج. كانت تريد أن تكون كلمتها هي «العليا»، بل كانت تريد أن تكون هي الوحيدة والأخيرة وأمرها مطاع وغير مردود وأن تكون الآمرة الناهية، الحاكمة المتحكمة في أمور البيت وشؤونه، خارجه وداخله.
كانت ردود عيسى قوية، بعد أن يفقد أعصابه فيقوم بتعنيف الزوجة بكلمة أو عبارة كلما استشاط غضبا أو وجد سببا لذلك، ثم يعود ليطلب رضاها، بل كان يصل، في بعض الأحيان، إلى توبيخ نفسه أمامها، بحضور أفراد عائلتها وعائلته التي لم تعد تزوره في بيته، ويجهش بالبكاء، التماسا لعودتها إلى البيت متعهدا وملتزما، كطفل، بعدم تكرار أخطائه والعودة إلى معاكسة زوجته.
لم تكن لها القدرة على المقاومة جسديا، بحكم نحافة جسدها، فتشكوه للأسرة عَلَّها تدفع عنها ما أصابها وتؤازرها في «محنتها»، مظهرة ضعفها وعجزها عن الدفاع عن نفسها. كانت أسرة الزوجة تتجنب الطلاق الذي كان يُعدّ «عيبا» و«عارا» بالنسبة إلى الأسر المحافظة وكانت تحاول أن تهادن وتأمل في العثور على حل غير «أبغض الحلال عند الله». لكن لم يكن يُرى في الأفق بصيص من الأمل، بعد أن استحالت الحياة وتحول البيت إلى جحيم وأبطالها إلى أعداء يحملون في نفوسهم من البغض ما لا يُتصوَّر ومن الحقد ما يُفجِّر الصخر...
كان الشقيقان ينتظران عودة «عيسى» إلى البيت مساء يوم الخميس، لتأنيب صهرهما ومطالبته بالكفّ عن تعنيف شقيقتهما، التي لم تعد تطيق الحياة تحت سقف واحد إلى جانبه زوجها. كان الثلاثة يحاولون العثور على طريقة للتفاهم وإيجاد أرضية للتحاور. كان الأشقاء يرغبون في إطفاء النيران التي تلهب عشّ شقيقتهما، دون الدخول في صراع مع زوجها، مقتنعين بأن ذلك لن يجدي أبدا بل بالعكس سيؤجج الأوضاع. كان السكوت يخيم على البيت والحزن يعلو الوجوه وكان الثلاثة جالسين فوق إحدى الأرائك التقليدية، تائهين في هموم الشقيقة، شاردين في تعاستها، غارقين في ظلام عيشها الذي زادته ظلمة الليل الذي دقت ساعته التاسعة مساء. استفاق الأشقاء على وقع خطوات أقدام وصوت انفتاح الباب.
قام الجميع وتأهبوا للدخول في حديث وحوار الأصهار، لكن ما إن تلاقت أنظارهم حتى احمرت الأعين وانتفخت الأوداج وانفجرت الحناجر وانطلقت الألسن وتشابكت الأيدي وتدافعت الأجساد، فتعطلت الكلمات وتبودلت اللكمات وغشيت العقول الظلمات. لم يدر أحد الشقيقين كيف عثر على سكين وتسلّح به واقتحم ساحة «المعركة» وفي جزء من الثانية أنهاها، قبل أن يستفيق على صرخة صهره «عيسى»، زوج شقيقته، ويتراجع أمام تفجُّر صدره دماء...
محاصرة واعتقال وعدالة
انسحب الشقيقان، قبل أن تطلق الزوجة صرخات دوَّت في الحي، كانت كافية لانطلاق تقاطر الجيران على المنزل وتدخلهم، في محاولة لإنقاذ الجار المُحتضر، دون أن يحاولوا فهم مجريات الحادث ولا أسبابه... حملت سيارة الإسعاف، التابعة للوقاية المدنية، «عيسى» إلى المستشفى الإقليمي، قبل أن تتبعها سيارة عناصر الشرطة القضائية لمعاينة الضحية، لكن هذا الأخير كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، متأثرا بجرحه الغائر فور وصوله إلى المستشفى...
وفي الحين، تمت محاصرة بيت الجانيين إلى أن تم القبض عليهما وإنجاز المسطرة القانونية في شأنهما، قبل إحالتهما على محكمة الاستئناف في وجدة، من أجل الضرب والجرح بالسلاح الأبيض المفضي إلى الموت في حق الضحية، زوج شقيقتهما.
طلاق أبدي
ووري جثمان «عيسى» التراب، بعد أن «طلق» الحياة الدنيا، مرغَما، وطلق الزوجة، مُكْرها، في عز شبابه، كما طلقت «العروس» حياة الزوجية وهجرت بيتها وذكرياتها الأليمة، بعد أن زجّت بزوجها الشاب في دهليز /قبر أبدي، وبشقيقيها الشابين في زنزانة /قبر مظلم.
اقتيد الشقيقان إلى بيت مظلم من نوع آخر، بعد أن فقدا حرية الحياة أو حياة الحرية، مثقلين بجثة صهرهما، دفاعا عن شقيقة «مقهورة» كان لا بد من مساندتها ومؤازرتها... زرعت الواقعة الحقد والكراهية بين أسرتين فقدتا الحب والحنان... بقيت عناصر الأمن مرابطة بالحي ليلة الجريمة، تفاديا لنشوب نزاع بين أفراد الأسرتين المتصاهرتين اللتين تحولتا إلى «عَدُوَّتيْن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.