«منذ 15 دجنبر 2009 وابني البريء حبيس زنزانته بسجن عكاشة، ينتظر الإفراج عنه، بعد أن تم اعتقال المجرم الحقيقي مغتصب أطفال المحمدية... اللهم إن هذا منكر... يقولون إنه متهم كذلك بالسرقة.. فما علاقة ملف السرقة إن كانت حقيقية بما يتعرض له من حبس وتشريد أدى إلى انفصاله عن زوجته، وضياع مستقبله...» كلمات مشبعة بالأسى بالكاد ينطقها لسان العربي وزاري أب المتهم البريء الذي تم تأخير جلسة النظر في ملفه إلى غاية 25 نونبر المقبل، مما يعني أنه سيقضي حوالي سنة معتقلا رغم براءته. العربي كعادته وبعد أن يشتري كميات كبيرة من (الربيع والنعناع) من سوق الجملة أو من بعض الفلاحين بضواحي مدينة الزهور، يقف اليوم كله أمام (سلعته) كبائع متجول بعالية المحمدية ينتظر فتاة ما تيسر من ربح هزيل، بعد فقد معيله الأول بسبب تهمتين أكد أنهما باطلتان. أنهكته مصاريف الأسرة المكونة من زوجة مريضة بداء السكري وضيق التنفس وثمانية أطفال وأحفاد، يحضنهم مسكن صفيحي (براكتين) بدوار (الفابريكا) قرب مقبرة المدينة. ولم يقو على مداومة زيارة ابنه الذي تأكد للشرطة القضائية بالمحمدية أنه بريء، بعد أن تراجع الطفل يوسف ضحية هتك عرض عن اتهامه بأنه الجاني، وبعد أن تمكنت الشرطة القضائية من الاهتداء إلى الجاني الحقيقي الذي هتك بالتسلسل أعراض ستة أطفال. قال العربي في تصريح ل«المساء» إن ابنه كان مثابرا لا يكل،عمل في البناء والحراسة وتنقية الأسماك... من أجل دعم مصروف أسرته، وأضاف أن ابنه الذي تزوج قبل سنتين من ابنة عمه التي أحبها، تم الزج به في السجن بسبب تهمتين باطلتين، وهو ما جعل زوجته تغادرهم، وتعود إلى منزل والدها، مؤكدا أن تهمة الاغتصاب تمت تبرئته منها، وأنه بسببها أحيل على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ورغم الكشف عن براءته، فإنه ظل معتقلا. كما أن تهمة السرقة هي بدورها ملفقة له، حيث أكد الوالد أنه كان يشتغل في المطبخ لدى مجموعة من الأتراك الذين كانوا يعملون بشركة سامير، وأنه بعد رحيل الأتراك، انتهى عمله، وتدبر عملا آخر، لكن المطبخ الذي كان يشتغل به تعرض للسرقة، فتم القبض على اللصين اللذين اتهما ابنه بالمشاركة في السرقة، وأنه هو من دلهما على مكان المطبخ. بعد أن توالت عمليات اغتصاب الأطفال بحديقة المصباحيات وخلف السجن المحلي، تجندت عناصر الشرطة القضائية التي تعقبت خطوات أحد الأطفال المغتصبين، إلى أن تم العثور على الجاني الحقيقي متلبسا بجريمة اغتصاب ثالثة داخل (براكة) وسط ورش للبناء خلف السجن، حيث تراجع الطفل يوسف (12 سنة حينها)عن اتهامه لشاب باغتصابه رفقة شقيقه الأصغر داخل أنبوب لتصريف المياه العادمة بحديقة المصباحيات بالمحمدية، وأكد للشرطة القضائية أنه أخطأ في هوية الجاني، وأن المعتقل قبل ثلاثة أسابيع والذي ينتظر حكم محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ليس هو الشخص الذي اعتدى عليه، وأنه كذب لحظة تقديم المتهم من أجل التعرف عليه، بسبب الخوف والاضطراب النفسي الذي واجهه طيلة فترة الألم، وبعد أن عرضت عليه الشرطة أزيد من عشرين مشتبها فيهم. وكان الطفل لجأ قبل اعترافه للشرطة القضائية إلى عائشة عزيزي مديرة مركز التأهيل الاجتماعي والأخصائية الاجتماعية، حيث أفشى لها بالسر الذي ظل يؤلمه، موضحا أن مغتصبه الذي يحمل (خالة) في صدره وفي عنقه ليس هو المتهم المعتقل الذي شاء القدر حينها أن أجلت جلسة محاكمته ثلاث مرات بسبب إضرابات موظفي قطاع العدل. وأكد أن مغتصب الطفل المهدي الذي يسكن بجوار منزله هو نفسه مغتصبه، مشيرا إلى أن عملية الاستدراج ومكان الاغتصاب والطريقة الوحشية التي تعامل معه بها هي نفس الطريقة التي قضى بها على حياة المهدي الذي لازال يوجد داخل إحدى غرف مستشفى مولاي عبد الله دون أدنى رعاية. بعد أن دخل مجموعة من الأطباء في صراعات حول من يتحمل مسؤولية الطفل. كما علمت «المساء» أن شقيق يوسف الضحية ظل خلال عرض المتهم أما نظريهما يؤكد أنه ليس الفاعل وأن الشرطة اعتمدت في محاضرها على ما صرح به يوسف المعني الأول بالجريمة.
سجن المتهم البريء شتت أسرته الصغيرة حوالي عشرة أشهر هي المدة التي سيكون قد قضاها عبد المالك وزاري داخل السجن المحلي (عكاشة) بعمالة عين السبع في انتظار جلسة نونبر المقبل، بخصوص تهمتي الاغتصاب والسرقة الموصوفة الموجهتين إليه، وهي فترة شردت أسرته الصغيرة بعد أن قررت زوجته التوجه إلى بيت زوجها، ورفضت زيارته ومواساته، وبينما أكد مصدر مطلع ل «المساء» أن زوجته كانت حاملا، وأنها رفعت دعوة قضائية لتطليقها، وتمكنت من كسبها باعتبار أن الضحية لازال يقبع في السجن. أكد والده أنه لا يعلم شيئا عن الحمل ولا عن دعوة الطلاق التي رفعتها زوجة ابنه. وأضاف أنه عانى الأمرين صحبة زوجته المريضة من أجل تدبير مصاريف تقيهم التسول، بعد أن كان يدعمهم بما يكسب من عمله اليومي هنا وهناك. وسبق أن أقسم على الانتحار في حال تم الحكم عليه بارتكابه جرائم الاغتصاب. المجرم الحقيقي لازال قيد التحقيق وفي الوقت الذي لازالت فيه غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء لم تصدر أي حكم في حق المتهم الحقيقي، باغتصاب ستة أطفال من مدينة المحمدية. فإن اعتقال الجاني أنهى كابوس الرعب الذي خيم لعدة أشهر على الأسر الفضالية التي باتت تخاف من خروج أطفالها إلى المدرسة أو اللعب. وكان الجاني الحقيقي اغتصب كلا من يوسف (12 سنة) وعمر (10 سنوات) والمهدي (7 سنوات) من حي الحسنية، ورشيد (7 سنوات) من درب الشباب، وأيمن (5سنوات) الذي ضبط عاريا تحت سرير الجاني داخل كوخ. كما كشف بحث الشرطة القضائية عن وجود طفل سادس تم هتك عرضه، لكن والديه اللذان خافا من الفضيحة ومن ردود أفعال أبنائهم الكبار، فضلوا التكتم على الحادث ومعالجة ابنهم في صمت. إصابة الضحايا باضطرابات نفسية وعن الحالة النفسية للضحايا فقد سبق وأكدت عائشة عزيزي الأخصائية الاجتماعية ومديرة مركز التأهيل الاجتماعي بالمحمدية، التي احتضنت الأطفال المتضررين رفقة الدكتور المتقاعد بوكوس طبيب شباب المحمدية ورئيس الشبكة الجمعوية، أنهم عاشوا اضطرابات نفسية مختلفة، موضحة أن بعضهم بدأ يتجاوب مع جلسات الاجتماع الأسبوعية التي تنظمها، فيما تعرض آخرون لمضاعفات نفسية رغم تنقيلهم من مدارسهم، بسبب انتشار خبر الاغتصاب، وسلوك زملائهم من التلاميذ الذين بدأ بعضهم يحاول استباحتهم والسخرية منهم. وأضافت عزيزي التي طالبت بأقصى العقوبات في حق مغتصب الأطفال، أن كل المغتصبين هم من أسر معوزة يقضي أربابها أوقاتهم في البحث عن موارد مالية لسد حاجياتهم، كما أن من بين الأطفال من كانوا سندا لأسرهم، يعملون في سوق الجملة والجوطية، ويأتون لأسرهم في أوقات فراغهم ببعض النقود والخضر. مشيرة إلى أن حالة الفقر المدقع الذي يتخبطون فيه بلغت حد عدم قدرة الوالدين على تدبير دراهم معدودة، وأن المغتصب الحقيقي لهؤلاء الأطفال هو الفقر المدقع والهشاشة والإقصاء، حيث اكتشفت أن الشقيقين يوسف وعمر كانا يعيلان الأسرة، حيث يعملان داخل سوق الجملة في الصباح الباكر قبل الذهاب إلى المدرسة. كما اكتشفت أن أم المهدي تعرضت قبل فاجعة ولدها بأيام قليلة، إلى فاجعة أكبر، فقدت إثرها ستة من أقاربها في حادثة سير وقعت بعالية المدينة. كما وقفت على الوضع المتردي لأسرتي أيمن ورشيد. وكانت الشبكة الجمعوية تتابع عن كثب وضع الضحايا والمتهم البريء، وكلفت محام بمهمة الدفاع عنهم، كما تعهدت بمصاحبة الضحايا وأسرهم ماديا واجتماعيا ونفسيا.