ربما من الأليق تماما الحديث عن حالات مسرحية، بدل الكلام عن ممارسة مسرحية مغربية متكاملة ووافية على مستوى الشكل والمضمون، فالشباب مايزال يجرب نفس الأدوات التي اشتغل بها في سنوات البداية، من عمر التجربة المسرحية في البلاد. خارج هذا المعطى المخجل، يبدو أن الممارسة المسرحية في البلاد لا تتطور ولا تنتج أدوات وعيها الذاتي. في المقابل، لا نعثر على النقد المصاحب، القارئ للتجارب والمتحدث عن منجزها النصي والركحي، لتبقى أطاريح الدكتوراه في المسرح مجرد حواش نظرية أو لنقل لا ترقى إلى مستوى المتابعة لحركة مسرحية خرجت بالكاد من هواية الشكل إلى احترافية بائنة، متوسلة بمنجز التجارب العالمية في مجال المسرح. على مستوى مواز، يرفع الشباب الجديد شعار التجاوز، لكنه تجاوز غير مكتمل، لا يقوم على ابتكار الحيلة والوسيلة، ولا الانفلات من ادعاءات حداثاوية تخفي في عمقها تقليدانية في الشكل والمضمون. لننظر إلى هذه العودة المحمومة إلى الماضي، وإلى هذا الاكتشاف المهلل له من قبل البعض في ما يتعلق بمحاولة استثمار المكون التراثي، وكأن هذا التراث كان مطمورا في بئر سحيقة، في الوقت الذي كان فيه التراث أكثر من كائن حي، يتنفس ويعيش ويحتج إلى أن تعب فعاد إلى أغماده، غير مستجيب لدعوات سحله على أرضية يومي لا يعرفه، فانتمى إلى صمته القوي البليغ. لكنه التراث الماكر، فليحاذر اللاعبون به أو المستسهلون له، لأنه حين يتعالى يتحول كما في مسرح سعد الله ونوس أو في مسرح الطيب الصديقي أو في مسرح برشيد إلى «مملوك جابر» حقيقي قادر على جعل الأرض ترتج من هول قراءة الحاضر بالماضي، ويالها من رجة غير رحيمة. أغلبية الأعمال المغربية التي عادت إلى التراث كانت تبحث فيه عن شيء ما، عن ثورة مؤجلة أو صرخة غير مسموعة أو نمط احتجاج أو سطوة على الحاضر.. لكن ما يتم تناسيه هو ان رجل الأمس قد عاش حياته بكل ترجيعاتها، أنتج ضحكه ولعبه، جده وهزله، ولم يقل أبدا كما قال الشاعر: ماذا ترك الأوائل للقادمين الجدد. زمننا اليوم بكل تعقيداته، يحتاج إلى فنان أصيل، وإلى لغة تقبض على الاختلاجات الإنسانية وعلى ما يصنع بؤسها وسعادتها. وزمننا اليوم هو زمن ملحمي بامتياز، له أساطيره ولاعبوه، وله تراجيديته وملهاته، لننظر في عالمنا المتشابك المريض كيف تصنع المأساة، وكم من ناب للخديعة. ألا يكفي هذا كي يكون لنا المسرح الذي نحلم به، والصرخة البكر التي تهد قيعان المهانة، بينما يصر البعض على المزيد من خداع الجمهور، و تبليد أحاسيس وقادة لا تحتاج إلا إلى الجمال كي تتجلى. الخوف طبعا من أن يكبر الشباب، ويشيب دون أن تكون له الفرصة السانحة كي يتحدد كإبداع ينتمي إلى روح العصر. شيء من التعب على التجارب رجاء، فمغامرة واحدة تكفي.