عمت موجة عارمة الغضب الشارع المصري بسبب تصريحات الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا بيشوي – التي تناقلتها الصحف المصرية- التي أكد فيها أن نصوصاً من القرآن الكريم يشك أنها أضيفت في ولاية ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، وهي تلك التي تشير إلى تكفير النصارى. وكانت تصريحات بيشوي سيطرت على كل النقاشات في المنتديات وأماكن العمل وجلبت تعليقات غاضبة من مواطنين طالبوا بمحاكمة الرجل الثاني في الكنيسة، الذي سبق أن أعلن مبايعته لمشروع التوريث لجمال مبارك في العديد من المناسبات. ودعا العديد من رموز وعوام الشارع المصري إلى محاكمة عاجلة لبيشوي بسبب تجاوزه الخطوط الحمراء ونقده النص الإلهي. وفي أول رد فعل رسمي على تصريحات بيشوي، ندد النائب عن الإخوان الدكتور حمدي حسن بتصريحات بيشوي، مؤكدا على أن تشكيكه في كتاب الله عز وجل الذي تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه أمر مرفوض تماماً، وداعياً إلى محاكمة عاجلة لذلك القيادي في الكنيسة، الذي أصبح لا هم له سوى إطلاق التصريحات التي تؤجج الفتنة بين المسلمين والأقباط، فتارة يزعم أن المسلمين ضيوف على الأقباط وتارة أخرى يهدد باللجوء للخارج، يقول حمدي حسن. إلى ذلك، نظم عدد من النشطاء في الإسكندرية وقفة احتجاجية أمام مسجد القائد إبراهيم للمطالبة بالكشف عن مكان «كاميليا شحاته»، زوجة كاهن دير مواس، التي قيل إن الكنيسة الأرثوذكسية احتجزتها بعد إشهارها إسلامها. وطالب المتظاهرون بما أسموه «نصرة أختهم المسلمة»، ونددوا بتصريحات صحفية منسوبة إلى الأنبا بيشوي، التي وصف فيها المسلمين بأنهم «ضيوف على مصر، وأن القرآن الكريم به آيات تحتاج إلى مراجعة». وقال النشطاء، في دعوة على مواقع الإنترنت وعلى موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: إن هذه هي الوقفة الثامنة للمطالبة بظهور كاميليا، والثانية بالإسكندرية بعد المظاهرة السابقة التي نظموها في شهر رمضان الماضي. وفي تراجع عن تصريحاته السابقة، أفاد الأنبا بيشوي، سكرتير المجمع المقدس للأقباط الأرثوذكس، بأنه يكن كل الاحترام والتقدير إلى الإسلام والمسلمين، وأنه لم يهاجم الإسلام أو يشكك في أحد نصوص القرآن, كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، عقب نشر وسائل الإعلام والصحافة تصريحات له تسيء للدين الإسلامي. وجاء ذلك في سياق تصريحات صحفية للأنبا بيشوي عقب إلقاء محاضراته حول «الميديا وتأثيرها» في إطار مؤتمر «تثبيت العقيدة الأرثوذكسية «، الذي عقد على مدى ثلاثة أيام بدير الأنبا بالفيوم. وقال إن بعض وسائل الإعلام قامت بتحريف حواره الهادئ مع السفير المصري في قبرص واتهمته بالتشكيك في القرآن الكريم، مستنكرًا كيف يتحول حوار هادئ إلى هجوم على الإسلام. وأكد الأنبا بيشوي أن له مواقف كثيرة تتصدى لأي هجوم على الإسلام، وأنه يدافع دائمًا عن الأديان وعن الدين الإسلامي في منظمات دولية مثل مجلس الكنائس العالمي، بل يطالبه بالدفاع عن مقدسات إسلامية ومنها المسجد الأقصى «لدرجة أننا فكرنا في عمل برنامج باللغة العبرية من أجل توعية الإسرائيليين بحقيقة هيكل سليمان، فليس من العدل أن يتهمني أحد بازدراء الأديان»، يقول الأنبا بيشوي، مختتما تصريحاته بمطالبة الإعلام بنقل الحقيقة ولا شيء غيرها. وخلال محاضراته قال الأنبا: «عندما كنت في اسكتلندا أكدت داخل اجتماع لمجلس الكنائس العالمي على رفضنا للتطرف الديني، وأن يكون هناك ميثاق بين الأديان يرفض التجريح في الآخرين، ورفضنا محاولات إسرائيل لتدمير المقدسات التي يقدسها المسلمون». وأشار الأنبا بيشوي إلى أنه «خلال الحوار بين الإخوة المسلمين يمكن لكثير من الأمور المختلف عليها أن يتم حلها، من غير أن يفسر ذلك على أنه هجوم على القرآن، وعلقت على ذلك وقلت هكذا يكون الحوار مع الآخر والشرح والتفاهم الذي يجعل الآخر يبحث في ذهنه ويفتش، وهذا لأني لم أهاجمه». وقال: «أنا قدمت تساؤلا وليس هجوما أو نقدا، وسألت ماذا سأفعل في النص الفلاني أو غيره كسؤال يحتاج إلى حل وأعطاني الحل المقبول فانتهينا بأنه ليس لدينا اختلاف على هذا النص، فالنص الذي يعتبره البعض إساءة إليهم من خلال الحوار والتفاهم يتم معرفة أنه ليس إساءة». وأضاف «أن الحوار بين أبناء العقيدتين لا يلغي النص القرآني، بل ألغى الشرح والتفسير الذي يلغي اتهام المسيحيين بالكفر وقدم تفسيرا آخر للنص وكان مقبولا، فهل بهذا كنت أجرح أحدا، بالطبع، لا، بل أردت أن أؤكد أهمية الحوار». وقال رئيس المجمع المقدس للأساقفة بحزن شديد بسبب ما ينشر على لسانه «لا أريد التحدث إلى الإعلام مطلقاً لأني كلما أتحدث يخرجون كلامي عن سياقه». وأضاف «في معرض الحديث قلت إن التي تكفر المسيحيين لا أعرف متى قيلت. هل فعلا في عهد رسول الإسلام الذي أكد أننا أشد مودة للمسلمين أم في عهد الخليفة عثمان بن عفان لأن الآية بها تجريح للمسيحيين». غير أن تراجع بيشوي هذا لم يهدئ من غضب الرأي العام، خاصة بين مسلمي مصر وعلماء الدين الإسلامي الذين يعتبرون نقد القرآن الكريم من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال. وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد، المفكر الإسلامى، إن كثرة الكلام في المسائل الاعتقادية خطأ على الصعيدين الوطني والديني لأنه يفجر العديد من القضايا المتشابكة. كما أنه يعمل على نشر الفتنة التي ينبغي العمل على حصارها بكافة السبل. وأضاف أن «رجل الدين ينبغي أن يكون حكيماً في أقواله ويحظى على الأقل بالقدر الأدنى من المسؤولية الوطنية لكي يتجنب ما يستفز ويغضب ويثير مشاعر العامة».