الكل يصاب بالدهشة والذهول عندما يرى «الثروات التاريخية»، التي بإمكانها جلب السياح من مختلف البقاع نحو بلدنا، جامدة ولا يستطيع المسؤولون توظيفها بطريقة مميزة تدر أرباحا وناتجا خاما مهمّا، كعدة دول لها تفكير ومعنى لكيفية جذب السياح بالطريقة «البديلة الصحيحة» (مثل تركيا وإيطاليا...). فالسياحة المغربية يمكن وصفها ب«سيارة جميلة جدا، عيبها الوحيد هو عدم توفرها على محرك» و«المحرك» هو المسؤولون المنكفئون والمنكبون على خدمة مصالحهم ومصالح أقربائهم.. طالما بقيت هذه «العادة الشاذة» التي يمارسها مسؤولونا ووزراؤنا، فسيبقى هنالك حاجز يقدّر أمد تدميره بعدّة سنوات من الجد والعمل والإخلاص.. إن توفر ذلك فيهم أو في لاحقيهم. إنه لمن المؤسف أن نشاهد معالمنا ومآثرنا (وليلي، مثلا، التي حتى تلك القلة القليلة من السياح التي ما فتئت تزورها باتت تعاني من لسعات «الشنيولة» التي اكتسحت الأمكنة هناك) واقعة تحت طائلة الإهمال، وعوض الاهتمام بتلك المعالم الكئيبة التي تئن كمدا وحسرة على ماضيها.. أصبحنا نفكر في بناء آلاف الغرف الفندقية والملاهي الليلية الفاخرة وأندية الغولف والحدائق... كأن ما يحرك أولئك السياح للمجيء إلى المغرب هو الرغبة المحمومة في رؤية الملاهي أو غيرها من المرافق التي تضج بها مجتمعاتهم وبلغوا درجة التخمة بارتيادها. أيستعصي علينا إلى هذا الحد أن نفهم أن هؤلاء السياح يريدون شيئا اسمه الحضارة؟ إنهم يهتمون بالماضي الذي كانت تعيشه البلاد، تاريخ البلد، لغات البلد، معالم البلد، ومعاينة الفرق بين الماضي والحاضر للتمكن من استنتاج ما إذا كان الاهتمام بالماضي لا يزال قائما أم إن الحاضر «ابتلع» الماضي كأنه ليس وليده. وتأسيسا على ذلك، يكون علينا أن نتصرف بذكاء وببساطة ونعمل باطراد في اتجاه الاستجابة لمتطلباتهم وتوفير ما يبحثون عنه، لا ما «يشبع نهم المسؤولين ومصالحهم». فقد أقيم مؤخرا ببريطانيا متحف يضم إنجازات من مخلفات الماضي والتي سيظل التاريخ يشهد لها بالعظمة ويقف لها إجلالا وإكبارا.. لكنني صدِمت عندما علمت بأن أصحاب تلك الإنجازات والاختراعات هم عباقرة عرب ومسلمون، أمثال الرازي وعباس بن فرناس وابن الهيثم... أذكركم بأن هذا الحدث كان في متحف للاختراعات بلندن، يضم إنجازات مخترعين أفذاذ عرب شهد لهم التاريخ بالعبقرية! لماذا لم نشاهد ذلك في العاصمة أو الدولة العربية التي أنتجتهم من قبل؟ هل نترك الأجانب وحدهم يبحثون في تاريخنا ويفتحون متاحفهم ليقولوا لنا «أنظروا إلى إنجازات سابقيكم؟». فعلى الجهات الوصية أن تعلم بأن المشاريع ذات الجانب المادي (كالإقامات الفخمة ومختلف أشكال الترفيه...) ليست الحل «الكافي» الذي سيقوم بجذب السياح وجعلهم يتوافدون مرة أخرى أضعافا على بلادنا.. نحن نريد العناية بما يسلط الضوء على تاريخ المغرب ويجعل منه نقطة جذب حقيقية للسياح، فذلك هو الرهان الذي ينبغي رفعه ولعله الكفيل بإعادة الحياة إلى هذا القطاع الذي يحتضر، وهذا ليس بعزيز لأن بلادنا تزخر بكل المقومات الطبيعية والتراثية الحضارية التي من شأنها أن تستهوي وتستقطب الزوار من أقصى الأرض.. غير أن المفارقة الغريبة أننا لم نستطع استثمار تلك المقومات والمؤهلات كما ينبغي.. أي أننا نتوفر على الحل ولا نستطيع مع ذلك ترجمته على أرض الواقع!