تلقيت باستغراب كبير مضمون ما صرح به الصحافي السيد طلحة جبريل لجريدة «المساء» في مذكراته (صحافة تأكل أبناءها) في الحلقة 31 عندما قال إنه قدم «استقالته» من جريدة «الحركة»، لسان حال حزب «الحركة الشعبية»، بسببي بعد أن طلبت منه انتداب صحافي آخر بدل الصحافي علي مبارك لتمثيل الجريدة في حلقة تلفزية من برنامجي «في الواجهة» الذي كانت تذيعه القناة الثانية. طلحة جبريل قال أيضا إنه كان بإمكانه أن يظل في هذه الصحيفة إلى يوم الناس هذا، لولا هذه «الواقعة» التي جعلت الأمين العام للحزب امحند العنصر «يتحدث معه بلهجة توبيخ حادة لم تكن معتادة منه، اضطر معها إلى مغادرة الجريدة»، حسب قوله. شخصيا، لم يخطر ببالي على الإطلاق أني أنا التي تسببت للسيد طلحة جبريل في قطع رزقه، ولم أكن أتوقع على الإطلاق أيضا أن يخرج هذه «الواقعة العرضية» عن سياقها إلى درجة «التحريف والكذب»، وقد وجدت نفسي مضطرة مباشرة بعد قراءتي لهذه الاتهامات في حقي إلى الاتصال بامحند العنصر لمعرفة ما إذا كان بالفعل طلحة جبريل استقال من «الحركة» بسببي، فكان جواب العنصر بالحرف «إن هناك أمورا أخرى هي التي أدت إلى فسخ العقد الذي كان يربط طلحة جبريل بجريدة الحركة». ولا بأس هنا أن أعود إلى هذه الواقعة لتبيان السياق الحقيقي الذي رافقها، وليس كما رواها طلحة جبريل لحاجة في نفسه. الكل يعرف أني كنت شديدة الحرص على أن تمر أي حلقة من حلقات برنامج «في الواجهة» في أجواء مهنية صرفة، خاصة بعد أن وجهت إلى القناة الثانية انتقادات لاذعة من طرف الصحافة المكتوبة تدعو إلى «ضرورة تمثيل جميع وجهات النظر الموجودة في الحقل السياسي في البرنامج». وتحت هذا الهاجس، اتصلت بطلحة جبريل قصد انتداب صحافي لتمثيل جريدة «الحركة»، ضمن صحف أخرى، في حلقة تلفزية من البرنامج كانت مخصصة ل«العمل النقابي في المغرب»، وكان ضيف الحلقة هو عبد الرزاق أفيلال، الكاتب العام، وقتها، للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وفعلا، اقترح طلحة جبريل صحافيا التحق حديثا ب«الحركة» اسمه علي مبارك، لكن الذي وقع هو أني اكتشفت خلال «البريفينغ»، أي اللقاء الإعدادي الذي يسبق المباشر، أن هذا الصحافي يريد أن يطرح أسئلة حول ما أسماه «الاختلاسات المالية بجماعة عين السبع». وعندما سألته عن بعض الحجج أو الإثباتات التي تؤكد هذه الاتهامات، اكتفى بالقول «إن لديه معلومات قالها له فلان وعلان»، حينها اتصلت من جديد، وبروح من المسؤولية المهنية، بطلحة جبريل قصد انتداب صحافي آخر لتمثيل الجريدة، خاصة وأنه بدا لي أن الصحافي المعني بالأمر، أي علي مبارك، لا يهمه من حضور «البرنامج» إلا طرح هذه القضية المتعلقة ب«الفساد المالي» أو «الاختلاسات المالية»، ناسيا أن هذا البرنامج ليس محطة للتراشق بالاتهامات والقذف والطعن في ذمم الناس في برنامج تلفزي يجعل من التحليل السياسي الرصين غايته الأولى والأخيرة. لكن ما حدث هو أن السيد طلحة جبريل رفض رفضا قاطعا انتداب صحافي آخر، فكان من الضروري، كما تقضي بذلك الأصول المهنية، أن أتصل بالأمين العام للحزب امحند العنصر لتبيلغه بهذا النبأ: «إن جريدتكم «الحركة» لن تكون ممثلة في البرنامج». هذه باختصار مجمل التفاصيل التي أحاطت بهذه الواقعة، لكن طلحة جبريل حرف كل شيء إلى حد الكذب على الأحياء ليجعل من نفسه ضحية والباقين مجرد متآمرين عليه. لقد فات السيد طلحة جبريل أن يعرف أن ثمة فرقا شاسعا بين أن يتذكر المرء وقائع عاشها في مساره المهني وبين مرحلة سياسية حساسة كانت تعيشها البلاد في تلك الفترة. وكم وددت لو أن طلحة جبريل لم يقفز على وقائع أخرى ارتبطت بهذه الواقعة التي تسببت له في قطع رزقه، على حد قوله، ومن هذه الوقائع أنه حرر بلاغا وزعه على العديد من الزملاء الصحفيين، مدعيا فيه أني كنت السبب الرئيسي في رحيله من جريدة «الحركة»، قبل أن يفاجأ بأن كل الصحف تعففت عن نشر هذا البلاغ الذي يزعم فيه أشياء لم تحدث إلا في خياله. بقي فقط أن أشير في ختام هذا الرد إلى هذه المفارقة: «كيف يعقل أن يوبخ امحند العنصر بلهجة حادة رئيس تحرير يقول إنه الكل في الكل في جريدة «الحركة» وإن صدور هذه الجريدة مرتبط بوجوده؟»، هذا مجرد سؤال، وأكيد أن الجواب عنه هو غير ما جاء في رواية طلحة جبريل. صحافية ومقدمة برامج سابقة في القناة الثانية مليكة مالك