شكلت الحرب الكيماوية جزءا من العمليات العسكرية التي قامت بها مختلف الدول الأوربية خلال فترة ما بين الحربين ضد المدنيين في كل من أفغانستان، العراق، ليبيا وإثيوبيا، حيث قام الجيش البريطاني، الإسباني، والإيطالي بإلقاء مواد كيماوية ذات أضرار بالغة على النساء، الأطفال والعجزة، دون أن يعير اهتماما إلى الأوفاق الدولية التي حظرت إنتاج واستعمال هذه الغازات، رغم مصادقة هذه الدول على معاهدة فرساي، وتأخرها مدة طويلة في المصادقة على بروتوكول الغاز الذي أعقب إعلان مبادئ فرساي. ضعف الوقاية بمصانع الإنتاج وأماكن التخزين في نفس الاتجاه، ومن خلال ملاحظات Pughe Lloyd إلى مدير المركز البريطاني للحرب الكيماوية في بورتون Porton، كانت حماية العمال بمصانع مليلية وLa Maestranza تتم بطريقة رديئة: «كنت أراهم يعبئون القذائف بطريقة عتيقة وخطيرة، مقارنة مع الطريقة المستعملة من لدنكم في بورتون...». ونتيجة لهذا، كان الجنود والتقنيون الإسبان أنفسهم يتعرضون لخسائر مهمة، كما حدث في معمل الأسلحة الكيماوية La Maestranza وParque لمليلية، حيث خلال عشرة أشهر من العمل جرح 10 ضباط و82 جنديا في تركيب قنابل غاز الخردل. أو كما حدث في مطار مليلية، حين تكسرت إحدى القنابل الكيماوية دون أن تنفجر مخلفة وراءها 20 إصابة، بعضها بحروق بليغة، حيث كان من بين المصابين القبطان Planell، رئيس الحرب الكيماوية. كما يمكن إرجاع سبب التأخر في الاستعمال الكثيف للقنابل الكيماوية بالأساس أيضا إلى مشاكل تقنية. فأمام الأخطار الكبيرة التي تواجه نقلها وتخزينها، كان من الضروري تجهيز مطارات سبتة، تطوان والعرائش بشكل جيد قبل استقبال التموين من مليلية. بالإضافة إلى أن آلية الإلقاء أو الإطلاق لبعض الطائرات كانت سريعة التلف، بحيث إذا لم تركب القنابل بشكل جيد يمكن أن تشتغل هذه الآلية مباشرة عند لمسها لأجزاء أخرى من الطائرة، أو تنحبس القنابل داخلها (آلية القذف أو الإطلاق). يضاف إلى هذا مشكل تخزين القنابل بسبب عدم وجود نظام يؤمن عدم انفجارها. لهذا، صدر أمر من القائد العام لمليلية يوم 7 ماي من سنة 1925 بنقل 400 من 1.200 من قنابل C5 من مخازن مصنع La Maestranza بمليلية إلى مخازن أخرى للقنابل الكيماوية في تطوان والعرائش. ضعف فاعلية الحرب الكيماوية من جهة ثانية، كان الطيارون وقائدوهم (comandantes) يعرفون الشيء القليل عن هذه القنابل خلال المرحلة الأولى من استعمالها، وكذا الأعداد التي يمكن استخدامها، حيث كانت مثلا مسألة خوض معركة معينة ترغمهم على استعمال 100 قنبلة من غاز الخردل بواسطة الطائرات، ذات حجم غير محدد وذلك من أجل تدمير مدفع واحد فقط. كما أنه بسبب ضعف مفعول هذه المواد الكيماوية أمام الحرارة، توصلت القوات الجوية بأوامر للإغارة على الأهداف في المساء، أو خلال الهجومات الليلية. كذلك، كان على الطيارين التحليق على علو منخفض لضمان عدم تشتت الغاز السام قبل السقوط فوق الهدف. بالإضافة إلى ضرورة استعمال هذه القنابل بشكل دقيق أمام قلتها، كما أشار أمر من القيادة العامة لمليلية يوم 9 نونبر. ونتيجة لهذا، تحولت الغارات الاستراتيجية إلى مهارة تفوق فيها الطيارون الإسبان بشكل جيد. عامل آخر ساهم في عرقلة فاعلية هذه الحرب الكيماوية، تمثل في نوعية الطائرات المستعملة من طرف الجيش الإسباني، ضد الاقتراح الذي تقدم به الملك الإسباني في وقت سابق بعدم الاقتصار على اقتناء طائرات Junkers دون غيرها. حيث تم في سنة 1925 شراء 20 طائرة Breguet و30 طائرة Fokker، الإثنتين بقوة 450 حصانا، يضاف إليهما طائرات مائية (2 Savoia وطائرة واحدة من نوع Dornier) رغم ذلك، فحتى يناير من سنة 1926، كانت القوات الجوية تستعمل فقط خمس 1/5 الطائرات المخصصة للغارات الكيماوية. إذ، في تقرير له أشار Pughe Lloyd: «فقط طائرتان من عشر كانت تحمل قنابل غازية، ليس بسبب عدم جدوى هذه الغازات، بل بكل بساطة نظرا لكون الطيارين لم يكونوا يعرفون طريقة استعمالها». معاهدات حظر إنتاج واستعمال أسلحة الدمار الشامل بالنسبة لحظر استعمال هذه الغازات الخانقة، فإن الدول المصادقة على معاهدة لاهاي مؤرخة بيوم 29 يوليوز من سنة 1899 حرمت استعمالها. كما أن وفاقا جديدا للاهاي سنة 1907 امتد ليشمل جميع أنواع الغازات، حيث كانت إسبانيا من بين الدول المصادقة عليها. كذلك، موازاة مع مقتضيات معاهدة السلام بفرساي ليوم 18 يونيو من سنة 1919، فإن بندها 171 حظر إنتاج، وطبعا استعمال غازات الحرب. في هذا الإطار، اقترحت لجنة مشكلة من مستشارين للأمين العام للحكومة الأمريكية، بمناسبة مؤتمر الحد من التسلح لسنة 1922، ضرورة حظر كلي للأسلحة الكيماوية. حيث تبنى البند الخامس من وفاق واشنطن ليوم 6 فبراير الفكرة وصادق عليها مجلس الشيوخ. لكن هذا الوفاق لم يصبح ساري المفعول نتيجة لمعارضة فرنسا بفعل تعرضه لبعض الإجراءات التي تخص الغواصات. بعد ثلاث سنوات من ذلك، وبمبادرة أمريكية، وضعت ترتيبات ستفضي في النهاية إلى التوقيع على بروتوكول جنيف. في هذا الاتجاه، شاركت إسبانيا، إلى جانب دول أخرى، في مفاوضات حول النص الذي سيؤدي إلى نطاق الحق العالمي في حظر استعمال الغازات الخانقة، السامة أو ما شابهها، بما فيها الوسائل البكتيريولوجية أو الجرثومية في العمليات العسكرية. هذا الوفاق وقع يوم 17 يونيو من سنة 1925. وبدون شك كان حضور إسبانيا مجرد درع واق لأنشطتها، بحيث لم تلتزم بهذا الوفاق إلا يوم 22 غشت من سنة 1929، أي بعد مرور حوالي سنتين من قضائها على المقاومة المسلحة بشمال المغرب في 10 يوليوز من سنة 1927. لم يكن بالإمكان إخفاء هذه الحرب البشعة وهذا الرعب غير المسبوق، والذي سيكون انطلاقة قوية لما سيعرف اليوم بأسلحة الدمار الشامل، بحيث بالإضافة إلى إطلاع الرأي العام العالمي عليه، حاول المغاربة، وعلى رأسهم الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، التنديد باستخدام الدول الأوربية أسلحة محرمة دوليا ضد شعب تقريبا أعزل يحارب من أجل انعتاقه من الغطرسة الأوربية التي تسعى إلى فرض حضارتها بالقوة على شعب تدعي تخلفه وتوحشه، مبررة تدخلها العنيف برفض المغاربة باستخدامهم للقوة لهذا الهدف الأوربي النبيل الذي ضحت من أجله بأبناء جلدتها. لقد قامت كل من فرنسا وبريطانيا بالتعتيم على استعمال إسبانيا هذه الغازات، حيث لم يسمح للباحثين بالإطلاع على وثائق مخابراتها حتى السنوات الأخيرة. أما اجتماعات السياسيين والعسكريين حول موضوع استعمال هذه الغازات، فإما أنه لم يتم تدوينها، أو أن مدوناتها إما أتلفت أو خبئت. في هذا الإطار، كانت أهداف Stoltzenberg، ومعه القادة الإسبان، تتوخى من استعمال هذه الغازات السامة القضاء على المقاومة المسلحة بشمال المغرب عن طريق عرقلة أهم مصدر قوتها وهي زراعة الأراضي لأجل إحداث أزمة غذاء لديها وتكسير القاعدة الاقتصادية للقبائل. في نفس الوقت، فإن أخبارا عن انتشار وباء الطاعون قفزت إلى الصحافة الدولية. ومن ثمة، أصبح الريفيون يشكون بما يحدث، حيث في رسالتين من الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى النائب السلطاني بطنجة يوم 27 دجنبر من سنة 1924 صرح الأمير في الأولى: «...إننا نحترم المنطقة المذكورة كما قدمنا، ونريد أن نحترمها دائما وأبدا، ما لم تجعلها الحكومة الإسبانية عرضة للأخطار. فإذا فعلت وساعدتموها على جميع أفعالها، فحينئذ نتيقن بأن لا حق لنا أمامكم وأمام الدول المتمدنة، التي لا قلب رحيم لها على اليتامى والنساء الذين يذوقون من عذاب السموم الإسبانية ألوانا. لهذا نحتج أمامكم على هاته السموم التي تمطر بها الطيارات الإسبانية جميع المنطقة والتي تفتك بالرجال والنساء والصبيان شأن الأمم العاجزة على المقاومة».