بعد مرور أزيد من عام ونصف العام على إطلاق بنك المغرب صيغ التمويلات البديلة (الإجارة والمرابحة والمشاركة) المستندة نظريا على قواعد الشريعة الإسلامية لم يحقق هذا النشاط أرقاما كبيرة فيما يخص قيمة العقود المبرمة، التي تنحصر في الإجارة والمرابحة فقط دون صيغة المشاركة، حيث بلغت قيمة عقود المرابحة والإجارة 700 مليون درهم إلى غاية مارس الماضي، حسب بنك المغرب. هذا الرقم الهزيل مقارنة بما تحققه البنوك في عقود القروض والتمويلات الأخرى يعزى إلى حداثة التجربة من جهة، وإلى المعيقات الكثيرة التي اعترضت هذه التمويلات البديلة، سواء من جانب الإدارة الضريبية أو تفاعل البنوك، أو من جهة تردد المواطنين بخصوص هذا المنتوج الجديد الغامض. وبعد الضغوط والنقاش الذي دار في البرلمان حول المعيقات الضريبية تم في القانون المالي لسنة 2009 حذف الازدواج في تسجيل عقود الإجارة والمرابحة، وفي 2010 خفضت الضريبة على القيمة المضافة من 20 إلى 10 في المائة، غير أن الازدواج في التحفيظ العقاري على العقود ما زال قائما، رغم الحديث عن مشاورات بين البنك المركزي والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية لإزالة هذا الازدواج المفروض على عقود المرابحة. البنوك محجمة ورغم أن دورية بنك المغرب الصادر في الأشهر الأخيرة من 2007، التي ترخص بموجبها للبنوك تسويق المنتجات البديلة، تتضمن ثلاث صيغ للتمويل، هي الإجارة والمرابحة والمشاركة، فقد ظلت هذه الأخيرة حبرا على ورق، حيث أحجمت البنوك على اقتحام هذا الميدان الذي لا تعرفه وتتخوف من تبعاته، إذ المعروف أن البنوك لا تقبل الخسارة أبدا في علاقتها مع الزبناء وهدفها الأسمى هو تحقيق ربح أعلى بأقل المخاطر، في حين أن صيغة المشاركة تحتمل الربح والخسارة ويشترك طرفا العقد في تحمل كلا الاحتمالين، وهو يقتضي خروج البنوك من منطق الإقراض إلى منطق المجازفة والاستثمار. وتعرف صيغة المشاركة بأنها عقد تكون الأطراف الموقعة عليه مشاركة في المال والجهد، أو في أحدهما، وتكون ملكية النشاط التجاري مشتركة بين الجميع، إذ يتشاركون في تحمل الربح والخسارة على أساس تقاسم رأس المال والعائد إن كان في مشروع جديد أو قائم، ويتم ذلك عن طريق المساهمة في ملكية أصول معينة. وفي حال تمويل البنك شخصا أو شركة على أساس عقد المشاركة، يحدد مقدار التمويل البنكي من رأس مال الشركة، ويفوض البنك طالب التمويل للإشراف على المشروع وإدارته، وللبنك أن يتدخل في إدارة المشروع بالقدر الذي يضمن له الاطمئنان على حسن إدارة المشروع ونجاحه. إحجام البنوك عن طرح منتوج المشاركة يتم تبريره بمبرر آخر، حيث قال المدير العام «وفا إيموبيليي» و«دار الصفاء» نور الدين الشرقاني في إحدى الندوات قبل شهور إن منتوج المشاركة لم ينطلق بعد في المغرب، وهو لم يتطور كثيرا في دول آسيا وأوربا، بسبب صعوبة مشاركة البنوك للزبناء في المشاريع، ولرغبة البنوك المغربية في عدم مزاحمة الزبناء في خلق المشاريع، على حد قوله. السلم والاستصناع ووفق منطق التدرج في إدماج التمويلات البديلة في النظام المالي الوطني، يقوم بنك المغرب بدراسة إطلاق صيغتين جديدتين من هذه التمويلات البديلة بتعاون مع المجموعة المهنية للأبناك، هما «السلم» و«الاستصناع»، ويتركز العمل على إعداد صياغة عقود هذين التمويلين باللغتين العربية والفرنسية. ويصنف عقد السلم ضمن عقود البيع، فهو عقد للمتاجرة والاستثمار في كل الأموال الصالحة للانضباط بالصفة والثبوت في الذمة، ويشمل استخدامه مختلف القطاعات الاقتصادية، الزراعية والصناعية والتجارية، ولهذا سيكون من المستهدفين به الحرفيون والفلاحون. أما عقد الاستصناع فهو صيغة لتمويل مشاريع البنية الأساسية وبناء الطائرات والسفن ومحطات الطاقة والمباني والمعدات وغيرها، والتي تتطلب تصنيعاً حسب الطلب والحاجة، وتبدأ العملية بإفصاح العميل عن رغبته للبنك في شراء شيء يحتاج أن يصنع أو يُبنى أو يُركَّب بمواصفات معينة وثمن محدد، ويبرم البنك مع الزبون عقد استصناع يلتزم بموجبه بصناعة المطلوب وتسليمه للزبون خلال مدة زمنية محددة، مقابل ثمن محدد يسدد حالاً أو على أقساط متعددة أو بدفعة واحدة مؤجلة، ويقوم البنك بعد ذلك بتوقيع عقد استصناع موازٍ (مع طرف ثالث) لصناعة ما طلبه الزبون. ويبدو أن البنك المركزي والمجموعة المهنية للبنوك يتريثان قليلا قبل إطلاق الصيغتين الجديدتين (السلم والاستصناع) حتى تنشئ البنوك الثلاثة المتنافسة فروعها المتخصصة في تسويق المنتجات البديلة، فبعد خلق «التجاري وفا بنك» لشركة دار الصفاء وبدء عملها في يوليوز المنصرم، يتم الحديث عن قرب إطلاق البنك الشعبي شركة منافسة لدار الصفاء. المضاربة والصكوك مقابل ذلك يرى محمد يوعلا، وهو أستاذ اقتصاد وباحث في الاقتصاد الإسلامي، أن البنك المركزي لا يتطرق إلى صيغة المضاربة المعول عليها في الوساطة المالية بين الفئات ذات المدخرات المالية والفئات التي تعوزها هذه الإمكانيات، فهذه الصيغة تعتبر نوعا من الأدوات الاستثمارية في النظام المالي الإسلامي، وهي عقد شراكة بين صاحب رأس المال الذي يسمى رب المال، وبين الذي يقوم بالعمل ويسمى المضارب. ويتشارك الجانبان في الربح. ويكون توزيع الربح بين الطرفين حسب الاتفاق. ومن أهم الشروط التي ذكرها الفقهاء لصحة عقد المضاربة أن يكون رأس المال من النقود، وألا يكون دينا في ذمة المضارب، وأن تكون حصة كل طرف من الربح معلومة. وتنقسم المضاربة إلى نوعين: مضاربة مطلقة، وهي أن تكون للمضارب فيها حرية التصرف كيفما شاء دون الرجوع إلى رب المال إلا عند نهاية المضاربة، والنوع الثاني هو المضاربة المقيدة، وهي التي يشترط فيها رب المال على المضارب بعض الشروط لضمان ماله. من جهة أخرى، سبق لبنك المغرب أن تحدث عن القيام بدراسة إمكانية إدراج الصكوك داخل السوق المالية المغربية، بتعاون مع مجلس أخلاقيات القيم المنقولة، وتعد الصكوك، التي نمت بقوة في السنوات الأخيرة في الأسواق المالية الخليجية، أوراقا مالية يضمنها أصل أو مشروع استثماري يدرّ دخلاً وتكون بمثابة حصص ملكية على المشاع في هذا الأصل أو المشروع الاستثماري، ويبلغ عدد أنواع هذه الصكوك أربعة عشر نوعا، أشهرها على الإطلاق ما يعرف بصكوك الإجارة. ومن أهم الفروق بين الصكوك والسندات التقليدية أن الأول أصول، أما السندات فهي ورقة مالية تمثل قرضا في ذمة مصدر السند. كما أن مالك الصكوك يشارك في الربح المتحقق من الأصل الاستثماري، بالإضافة إلى إمكانية تعُرض هذا المالك للخسارة بالتناسب مع قيمة صكوكه التي يمتلكها عكس السندات التي تدر فائدة ثابتة. مطالب وتساؤلات يلح فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب على أن المغرب ما زال متخلفا على ركب الكثير من دول العالم التي تنافس بعضها البعض لاستقطاب أكبر حصة من الرساميل الآتية من الدول الإسلامية، وخصوصا من الدول الخليجية وكذا تلبية حاجيات الجالية المسلمة في الدول الأوربية. وفي هذا الصدد، يقول البرلماني نجيب بوليف إنه من غير المناسب أن يبقى المغرب معزولا عن هذه الدينامية التي أدت إلى إدماج دول أوربية وآسيوية وأمريكية لاتينية للكثير من التمويلات الإسلامية في نظامها المالي والبنكي، بل حتى الترخيص لبنوك إسلامية قائمة بذلك. ويضيف بوليف أن أهمية تدارك المغرب لما فاته تظهر أكثر مع طموح البلاد لجعل مدينة الدارالبيضاء قطبا ماليا إقليميا يستقطب الرساميل. ومن التساؤلات التي تثار عند الحديث عن تفاصيل عقود الإجارة والمرابحة المطبقة في المغرب مدى تقيدها بقواعد الشريعة الإسلامية، خصوصا فيما يتعلق بمصاريف التأمين داخل العقود والجزاءات المالية المطبقة في حال التأخر عن سداد أقساط العقود. كما أن الهامش الكبير لربح البنوك في التمويلات البديلة يثير حفيظة المتخصصين، ولو أن الزبناء لا يناقشون هذا الهامش وكأنها قرآن منزل، في حين أن بإمكانهم التفاوض حولها طلبا لتخفيضها كما يتم مع التمويلات الكلاسيكية. ويتوقع لحسن الداودي أن يشهد هذا الهامش، الذي وصفه بالمرتفع جدا، انخفاضا عندما يقع التنافس بين الأبناك حول هذا القطاع. ويرى البعض أن السؤال حول التقيد بقواعد الشريعة سيظل قائما ما دامت البنوك لا ترجع إلى هيئة للرقابة الشرعية في تنفيذ هذه العقود، كما هو معمول به في دول الخليج وغيرها، بيد أن هذه الرقابة عادة ما ترتبط بالبنوك الإسلامية وليس بشبابيك وتمويلات محدودة كما هو معمول به في المغرب، فيما يعتبر لحسن الداودي، وهو من الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، أن الصيغ الجديدة المتداولة حاليا لا تحتاج للمراقبة الشرعية، ولكن ستصبح ضرورية عند بدء تسويق صيغتي المشاركة والمضاربة، مؤكدا أن البنوك «ليست لها خبرة لكي تدخل في المشاركة والمضاربة في الوقت الراهن». والملاحظ أنه منذ أكتوبر 2007 تاريخ طرح التمويلات البديلة لم يحدث أي تنافس كبير بين البنوك المغربية، اللهم ثلاثة بنوك فقط هي التي تتنافس نسبيا فيما بينها، والأمر يتعلق بالبنك الشعبي والبنك المغربي للتجارة الخارجية والتجاري وفا بنك، وهذا الواقع يؤشر على غياب حماسة البنوك لهذه التمويلات، رغم وجود فئة لا يستهان بها من المواطنين تبحث عن صيغ تمويلات خالية من الفوائد. ووسط هذا النقاش ينبه نائب رئيس الجمعية المهنية لشركات البورصة عمر أمين إلى غياب عنصر في الساحة المغربية، وهو المؤسسات المغربية المتخصصة في تكوين أطر في تقنيات التمويل الإسلامي، حيث قال في ندوة في بداية شهر يونيو الفارط إنه لا يمكن النهوض بنشاط التمويلات البديلة في غياب أطر متخصصة فيها، مضيفا أن دولة البحرين تتوفر على كلية بأكملها متخصصة في ميدان التمويل الإسلامي، داعيا إلى إنشاء معهد في المغرب، يكون تابعا لجامعة ما أو غير تابع، ويكون متخصصا في تدريس تقنيات هذه التمويلات، ولعل عدم الإلمام بهذه التقنيات في الأوساط البنكية هو الذي جعلها لا تبذل جهدا كبيرا في تسويقها والدعاية لها.