للمحادثات المباشرة التي أطلقت في قمة واشنطن يجب أن يكون هدف واحد: ترسيم حدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستقوم في الضفة الغربية. إسرائيل تحتاج إلى حدود، تحدها في المجال الجغرافي، تطبع مكانتها الدولية، تضع حدا للخلاف على المستوطنات وتعزز الإجماع الداخلي. هذه مهمة حياة بنيامين نتنياهو. إذا ما نجح فيها فسيبرر عودته إلى الحكم وسيدخل التاريخ كزعيم مصمم للواقع. نتنياهو يركز الآن على القناة الفلسطينية. لقاؤه الأول مع الرئيس باراك أوباما قبل أكثر من سنة كرسه نتنياهو تقريبا بكامله للتهديد الإيراني. ولم يُذكر الفلسطينيون إلا في الهوامش. في اللقاءين الأخيرين، انقلب جدول الأعمال، حسب مصادر أمريكية. معظم الوقت كرس للمسيرة السياسية مع الفلسطينيين وإيران دُحرت جانبا. من ناحية نتنياهو، التسوية التي ينسجها مع الرئيس محمود عباس ترمي إلى خلق التوازن بين مصلحتي إسرائيل: رغبتها في ألا تضم في داخلها السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وألا تحكمهم، والحفاظ على قدرتها على الدفاع عن نفسها. الفلسطينيون سيحصلون على سيادة، وسيعطون إسرائيل الأمن. هذه هي الصفقة التي يقترحها نتنياهو عليهم، مغلفة بتصريحات عن «إنهاء النزاع». إنهاء النزاع هو هدف منشود، ولكن نتنياهو وعباس لن ينجحا في تحقيقه. ليس لأنهما زعيمان سيئان أو لأنهما يريدان مواصلة النزاع، بل لأن إنهاءه ليس منوطا بهما. فلا يمكن لأي توقيع منهما أن يخفي الروايتين المتناقضتين للشعبين اللذين يرى كل واحد منهما نفسه ضحية ويرى خصمه غازيا غير مرغوب فيه. لا يمكن المساومة على الفكرة الوطنية بجرة قلم، ولا يوجد اليوم أمل في بلورة رواية إسرائيلية فلسطينية مشتركة. إذا ما تركزت المفاوضات على مسألة مَن المحق ومَن الشرير، ومَن كان هنا أولا، يمكن أن نتنازل عنها مسبقا. مسائل الروايتين يجب أن تبقى للمؤرخين، للمربين ولمنتجي الثقافة. أما السياسيون فعليهم أن يركزوا على الحياة العملية، وأن يحققوا اتفاقا على الحدود المستقبلية في الضفة الغربية وفي شرقي القدس وعلى ترتيبات الأمن التي ستسود على طولها وتضمن استقرارها. حدود توضح أين تنتهي إسرائيل وأين تبدأ فلسطين. أين نحن وأين هم. لإسرائيل توجد حدود معترف بها من نوعين: حدود السلام مع مصر والأردن، وحدود الردع مع سورية ولبنان وقطاع غزة. في الضفة وفي شرقي القدس لا توجد حدود واضحة، بل مجرد ترتيبات فصل محلية، أسوار وأسيجة، حواجز وطرق منفصلة، وجهد لا ينقطع لتثبيت حقائق على الأرض ودحر الطرف الآخر. بتعابير كثيرة، علاقات إسرائيل مع «حماستان» في غزة مرتبة بشكل أفضل بكثير من العلاقات مع سلطة عباس في الضفة، التي يجري معها تعاون أمني واقتصادي في ظل خصومة سياسية. فك الارتباط عن غزة خلق حدودا واضحة، وكل واحد يعرف أين تنتهي السيطرة الإسرائيلية وتبدأ سيادة حماس. من يحاول اجتياز الخط يعرض حياته للخطر، والجانب الذي يطلق النار من خلف الحدود يعرف أنهم سيردون عليه النار. ها هي صيغة بسيطة من «السيادة مقابل الأمن». الحدود لا تضمن بذاتها الهدوء. فقد تعرضت إسرائيل للهجوم من خلف حدودها المتفق عليها واجتاحت كل الدول المجاورة. ولكن الحدود تحدث العجب للإجماع الداخلي. في حرب لبنان الثانية وفي حملة «رصاص مصبوب»، عاد الجيش الإسرائيلي إلى المناطق التي أخلتها إسرائيل في الانسحابين أحاديي الجانب وعاد ليخرج. لم يجرِ بحث جدي في إمكانية إعادة احتلال الحزام الأمني في جنوب لبنان، أو إعادة إقامة غوش قطيف. هذه ستكون أيضا نتيجة ترسيم حدود جديدة في الشرق. كل إسرائيلي سيعرف أين يعيش وأين لا يمكنه ذلك، وستتوقف المساعي إلى اختطاف دونم آخر وتلة أخرى وزقاق آخر. نتنياهو يتحدث عن «أفكار جديدة» تأتي بدلا من الفصل التام وإخلاء كل المستوطنين من الأراضي التي ستسلم إلى فلسطين. هذه أوهام. كل تسوية لا تكون محكمة الإغلاق، وتبقي فتحات لصراعات السيطرة والأراضي، ستؤدي فقط إلى مواجهة أخرى. هذا ما حصل في المناطق المجردة من السلاح في الشمال، قبل حرب الأيام الستة، وهكذا يحصل اليوم في الضفة وفي القدس. على نتنياهو أن يحقق التسوية الأفضل وعندها يقطع. هذا سيؤلم ولكنه سيقيم نظاما في حياتنا. عن «الهآرتس»