على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيتي كيلي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... كانت المسيرة من أجل الطفولة الوحيدة التي خاضتها أوبرا في حياتها، سببا في تعرفها على مسؤولي قناة إذاعية للسود في ناشفيل تدعى «دبليو في أو إل»، فيما كانت تبحث عن جهة تمول المسيرة. يقول جون هايدلبيرج، أحد المسؤولين في الإذاعة قبل أن يصبح رئيسها وصاحبها: «لقد شرحت لي أوبرا وقتها أنها قطعت الكثير من الأميال، وأنني لا بد أن أدفع لها مقابل كل ميل مشته لتصل إلي. وقد قلت لها حينها حسنا، سأفعل ذلك». بعد أسابيع، رجعت أوبرا لتجمع أموال التبرع، وقد أعجب جون كثيرا بصوتها الجريء والقوي. يستذكر جون تلك اللحظات فيقول: «لقد كانت تجيد التحدث بطلاقة. وكانت لغتها سليمة... أنا أنحدر من منطقة خارج الميسيسيبي، لذا فإن الصورة التي تتشكل في ذهني عن السود الذين يعيشون في الجنوب كانت سلبية للغاية... لكني عندما سمعت أوبرا تغيرت فكرتي بالكامل، وقلت في نفسي إن هذه الفتاة الشابة سيكون لها مستقبل واعد». وقتها، قام هايدلبيرج بسؤالها عما إذا كانت مستعدة لتسجيل شريط إذاعي لصالح المحطة. وسرعان ما أخذها إلى غرفة الأخبار الإذاعية وأخذ إحدى قصاصات الأخبار المكتوبة وجعلها تقرؤها فيما كان يستمع إلى صوتها القوي والعميق والخالي من أي لكنة تعكره. ووعدها حينها بأن يرسل هذا الشريط إلى مدير المحطة. «لسنوات كان الدخول إلى عالم الإذاعة أمرا صعبا على النساء»، يقول هايدلبيرج، «غير أن الأمر تغير عندما فرضت لجنة الاتصال الفيدرالية نظاما يكفل تكافؤ الفرص في الإذاعة بين الإناث والذكور... حينها بدأ مدراء المحطات الإذاعية في توظيف نساء في المحطات. فقد كانوا يحسون بأن عليهم حماية رخصهم الإذاعية للاستمرار في البث، لذا اتخذوا قرارا بتوظيف الإناث في البرامج الإذاعية... وحينها كنا نحن الذين مهدنا الأرضية لمجموعة من الفتيات السوداوات من أجل العمل في الإذاعة، ومن دوننا ما كن لينجحن في هذا المجال». وبعد وقت قصير، نجح هايدلبيرج في إقناع مدرائه في إذاعة «دبليو في أو إل» بأن يمنحوا فرصة لأوبرا التي كانت وقتها في السابعة عشرة من عمرها، عبر إيجاد مكان لها في برنامج التدريب على العمل في الإذاعة. يقول جون: «لقد كانت أوبرا تدرك أن لديها الموهبة والقدرة... لذا فلم تحس بأي نوع من التردد أو الخوف... لم يكن شيء يخيفها ولم يكن شيء يزعجها». تقول زميلتها دانا ديفيدسون في المحطة الإذاعية: «كانت أوبرا عدائية... وكانت تعرف أين تضع قدمها وأين ستذهب بالضبط». بعد التدريب بفترة قصيرة، بدأت أوبرا تعمل في المحطة الإذاعية بدوام جزئي. وفي تلك الفترة، احترق منزل مدير المحطة، وقد استجاب جهاز المطافئ حينها بسرعة للحادث، مما أدى إلى إنقاذ المنزل وحدا بالمدير إلى المشاركة في مسابقة ملكة جمال جهاز مكافحة الحرائق. وكان أرباب الأعمال في مدينة ناشفيل وقتها يقومون باختيار مرشحة للمسابقة، غالبا ما تكون فتاة بيضاء شابة، لتمثيلهم. وقد وقع الاختيار على أوبرا لتمثيل محطة «دبليو في أو إل» لأنها تطوعت لهذه المهمة دون غيرها. تحكي أوبرا عن تلك اللحظة فتقول: «لقد شكل تطوعي مفاجأة في ذلك اليوم»، فقد كانت المترشحة الزنجية الوحيدة في مسابقة كانت دوما حكرا على البيضاوات. تحكي نانسي سولينسكي، ملكة جمال جهاز مكافحة الحرائق لعام 1970، قائلة: «لقد كانت مسابقة ملكة جمال جهاز مكافحة الحرائق حدثا مهما في ذلك الوقت... فلم يكن الأمر في الحقيقة مسابقة لقياس مدى جمال المشاركات الشكلي، بل كانت المسابقة مبنية على القدرة على التحدث وفن الخطابة والحظوة بالقبول لدى المخاطبين، لأن مهمة ملكة الجمال الرئيسية كانت عمل جولات بين المدارس والتحدث إلى الطلاب عن أهمية اتباع نصائح السلامة في حالات الحرائق. وحتى عام 1971، ظلت كل الفائزات في هذه المسابقة من البيضاوات، غير أنه في تلك المسابقة بالذات كانت أوبرا الزنجية الوحيدة بين 15 متسابقة بيضاء. ورغم أنها كانت السوداء الوحيدة، فإنها لم تتردد للحظة، فقد كانت متأكدة وواثقة من أنها تملك الموهبة والقدرة على الفوز. كانت أوبرا غير عابئة تماما بلونها. وكان حكام المسابقة جميعا بيضا وكبارا في السن، وعندما خرجت إليهم لتعرف عن نفسها، كانت ترى في أعينهم الاستغراب والدهشة من مشاركتها في المسابقة». كان الحكام في المسابقة يسألون الفتيات المشاركات في المسابقة عن الهدف الذي يردن تحقيقه في حياتهن. وقد أجابت أوبرا حينها بقولها «إنني أومن بالحقيقة وإبرازها، لذا فإنني أريد أن أصبح صحفية مثل باربرا والترز- أشهر الصحافيات الأمريكيات». بعد ذلك، قام الحكام بطرح سؤال آخر على المتباريات حول ما سيفعلنه إن تم منحهن مبلغ مليون دولار. كانت غالبية الفتيات يجبن عن السؤال بالقول إنهن سيهبن النقود للجمعيات الخيرية أو لمساعدة الفقراء أو لشراء منزل لآبائهن، غير أن جواب أوبرا كان مختلفا تماما. «يا إلهي، هبني المال وانظر ماذا سأفعل»، أجابت أوبرا وهي ترفع عينيها نحو السماء، «لو كان عندي مليون دولار، لكنت أنفقته كله. لست أدري في أي شيء سأنفقه، غير أنني سأظل أنفق وأنفق وأنفق إلى ما لا نهاية». تقول سولينسكي إن الجميع ضحك من إجابة أوبرا عن هذا السؤال، «ورغم أني كنت متفاجئة بعض الشيء، فإنني كنت مسرورة جدا لفوز أوبرا بالمسابقة. ولقد وضعت لها التاج على رأسها بنفسي، وكنت سعيدة جدا لأن الحكام قد تغلبوا على ضغائنهم تجاه السود، فالوقت كان قد حان لذلك». كان جون هايدلبيرج معها في حفل التتويج، وكان يتذكر ذلك الحدث فيقول: «كان الفرح غامرا بفوز أوبرا، وكنت أستطيع أن أرى أنها كانت سعيدة للغاية بكل دقيقة قضتها في الحفل... لقد كانت متشوقة لأن يأخذ مصورو الصحف صورتها، بل كانت هي من تبحث عنهم بنفسها، كانت أوبرا تحب الكاميرا وكانت تعشق الأضواء!».