سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لماذا يجب أن يكون المغاربة الأكثر تعقلا وهدوءا بينما الآخرون ينهشون لحومهم؟ قناة «الوطن» الكويتية شتمت المغرب لكنها لم تجرؤ على التلفظ بربع كلمة في حق مصر والجزائر
عندما بثت قناة «الوطن» الكويتية حلقة فكاهية من رسوم متحركة اسمها «بوقتادة وبونبيل»، كلها شتم وقذف في حق المغرب والمغاربة، فإن بعض المغاربة تساءلوا لماذا نغضب بينما ما وصفتنا به تلك القناة صحيح، يعني أن عندنا دعارة وأننا نصدر النساء إلى الخارج ليقتتن بأثدائهن، وعندنا رشوة كثيرة، ولدينا أيضا سحر وشعوذة وأشياء أخرى. ويبدو هذا الكلام حقا أريد به باطل، لأن نفس القناة، وفي حلقتين تلتا الحلقة التي شتمت المغرب، تحدثت عن مصر، وأبرزتها باعتبارها مهد الحضارة وتعاملت بحذر كبير مع المصريين، رغم أن هذه السلسلة فكاهية ويقول أصحابها إنهم يسخرون من الجميع، لكن الحقيقة أنهم يسخرون فقط من «الحائط القصير»، ونحن بدوْنا لهم أفضل حائط يمكن أن يبرزوا فوقه فحولتهم المكبوتة. في نفس الحلقة عن مصر، جاء ذكر الجزائر أيضا، ولم يجرؤ ممثلو السلسلة على التفوه بالسوء في حق الجزائر ولو بربع كلمة. لماذا، إذن، تبدو حرية التعبير لدى الكويتيين جائزة في حق المغاربة فقط؟ ألا توجد في مصر دعارة؟ وهل مسؤولو مصر والجزائر ملائكة ولا يأخذون الرشوة، وهل مصر والجزائر منزهتان عن أعمال السحر والشعوذة؟ المشكلة اليوم ليست في كوننا يجب أن نمارس نقدا ذاتيا مع أنفسنا ونعترف بأخطائنا، بل المشكلة الرئيسية هي أننا يجب أن نتساءل بعمق لماذا يهاجمنا الآخرون بكل هذه القسوة وكأننا وحدنا السيئون في العالم، بل لماذا تهاجمنا بلدان نشأت قبل بضع سنين عن طريق الصدفة ويغمرها الماء كلما ارتفع المد؟ ويبدو أنه لا بد من العودة إلى الطبيعة لفهم ما يجري. فالضباع مثلا، رغم أنها حيوانات جبانة ولا تصطاد، فإنها تهجم فقط على كل الفرائس صغيرة الحجم وقصيرة القامة، ولهذا السبب يحس المغاربة بأنهم أصبحوا لقمة سائغة في أفواه الجميع. وقبل بضعة أشهر، اختارت قناة لبنانية فتاة مغربية «متخلفة عقليا» لكي تجعل منها نجمة الدعارة، وكل من شاهد تلك الحلقة اعتقد أن المغرب «بورديل» كبير. هناك اليوم شعور كبير بالمرارة بين المغاربة لأن مسؤوليهم ليسوا بتلك «الحروشية» اللازمة لكي يدفعوا الأذى عن المغرب بتاريخه العريق ورجاله وأبطاله، فالمغرب ليس بلد بضع بائعات هوى في الخليج ومناطق أخرى، بل بلد بن عبد الكريم الخطابي وموحى أوحمو والزرقطوني والمقاوم أمزيان وبرّيسول ومفكرين وعلماء كبار ليس أولهم المختار السوسي وليس آخرهم محمد عابد الجابري. وليشرح لنا (إخوتنا الأعزاء) في الكويت كيف أمكن لبلد نشأ بالصدفة وهرب مسؤولوه في كل الاتجاهات عند أول عطسة لصدام حسين، أن يتجرأ اليوم على بلد «وادي المخازن» و«أنوال»؟ الشيء الآخر الذي يجعل المغاربة يحسون بمرارة أكبر هو أننا نقبل الاعتذار بسهولة كبيرة. لقد سبتنا قناة «الوطن» الكويتية ونكلت بنا بطريقة سادية وعدوانية، ثم اعتذرت بأسلوب منافق، ثم قيل لنا إنها قناة تلفزيونية مستقلة ولا دخل للحكومة الكويتية بها. نحن في المغرب نريد أيضا أن تكون لنا قنوات مستقلة لا دخل للحكومة بها، وهذه القنوات يمكنها أن تنتج حلقات هزلية عن «البدون» وعن اغتصاب الخادمات الآسيويات وعن استعباد اليد العاملة وعن الفضائح مع السائقين الهنود وعن الشذوذ الجنسي المستفحل إلى درجة مخيفة، وعن انتشار ظاهرة السحاق بين النساء، إلى درجة أن دراسات أكاديمية أصبحت تدق ناقوس الخطر حول استفحال السحاق بين طالبات المدارس والجامعات في كثير من بلدان تلك المنطقة. مرارة الأسئلة عند المغاربة لا تخرج عن سؤال كبير، وهو لماذا يجب أن يبدو المغاربة الأكثر تعقلا والأكثر هدوءا والأكثر رصانة بينما الآخرون ينهشون لحومهم؟ وهناك سؤال آخر يبدو أكثر قسوة، لكنه ضروري: ماذا لو أن القناة الكويتية تهجمت بنفس الطريقة ونفس الأسلوب على مصر أو لبنان أو الجزائر؟؟ أكيد أن لسانها كان سيقطع... يجب أن نتوقف عن ممارسة دور «الحائط القصير» حتى لا تقفز فوقنا الضباع.