في المغرب، قرر أربعة أشخاص، خامسهم زعيمهم، خوض حملة من أجل حرية الإفطار العلني في رمضان. إنهم يريدون تغيير القوانين التي تعاقب على الإفطار العلني، أي أنهم يريدون أن يجلسوا في مكان عام في أي يوم من رمضان، ويشعلوا سيجارة أو يأكلوا «ساندويش»، من دون أن يعاقبهم القانون. شخصيا، لا أوافق على مبدأ تغيير القانون لإباحة الإفطار العلني، لأن كل شخص سيظهر مستقبلا سيكون من حقه أن يطالب بتغيير القانون، بمن فيهم عشاق التعري في الأماكن العامة أو الشذوذ الجنسي، لكني أتفق مع هؤلاء في حملتهم من أجل الإفطار في أي مكان يريدون وفي أية ساعة شاؤوا بالليل أو بالنهار، ولا أفهم إطلاقا لماذا تتدخل الشرطة كلما «زنزنت الدبّانة» في رؤوس هؤلاء من أجل الإفطار في الشارع.. الشرطة يجب أن تقف على الحياد تماما في هذه القضية، أي أنه من حق المفطرين أن يفعلوا ما يشاؤون، ومن حق الصائمين أيضا أن يتصرفوا كما يشاؤون، وعلى الأمن أن يبقى على الحياد، لأن دافعي الضرائب المغاربة لا يريدون أن يستهلك الأمن جهده ووقته لحماية آكلي رمضان من الناس، الحرية يجب أن تكون كاملة أو لا تكون. للأقلية أن تمارس حريتها، وللأغلبية الساحقة أن تمارس حريتها أيضا. والغريب أنه مع كل رمضان، يتجدد مطلب بضعة أشخاص مخبولين يريدون أكل رمضان في الشارع عوض فعل ذلك بين جدران منازلهم، لذلك يبدو تتبعهم مضيعة للوقت، لكنهم مع ذلك نجحوا في إيصال خطابهم عبر قنوات فضائية مؤثرة، بدأتها قناة «العربية» السعودية بربورتاج أظهر وكأن نسبة مهمة من المغاربة يريدون أكل رمضان في العلن، ثم تبعتها قناة «الجزيرة» القطرية التي خصصت بدورها استقبالا حافلا لزعيم المفطرين وخصصت له مقعدا وثيرا في الأستوديو لكي يخاطب العالم ويقول إن هناك مغاربة يريدون الإفطار العلني. وأكيد أن مشاهدين كثيرين في العالم اعتقدوا أن في المغرب مشكلة حقيقية بين الصائمين والمفطرين، مع أن الأمر مسألة بين خمسة أشخاص وبين باقي المغاربة. في تونس مثلا، كانت السلطة تدفع بقوة في اتجاه الإفطار العلني في رمضان، وكان الرئيس الراحل بورقيبة يفعل كل شيء لكي يحوّل التونسيين إلى شعب مفطر، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن تونس تتحول إلى جنة للمفطرين خلال رمضان، وأن المقاهي والمطاعم تستقبل الجميع في أية ساعة من النهار، وأنه من النادر أن تجد تونسيا صائما. لكن هذا الكلام خاطئ مائة في المائة. مرة، أمضيت في تونس أسبوعين في شهر رمضان، وكنت أعتقد أني سأكون غريبا في بلد «الإفطار العلني»، لكني في صباح أول يوم رمضاني شعرت وكأني في مدينة مغربية وعاتبت نفسي على كل تلك الأفكار المسبقة حول التونسيين ورمضان. وكل ما أذكره أني وجدت مطعما صغيرا في شارع الحبيب بورقيبة يدخله أشخاص قليلون جدا بين الفينة والأخرى لتناول وجبة الغداء، وكان ستار أحمر منسدلا على باب المطعم حتى لا يجرح شعور أغلبية الصائمين. بعد ذلك، اكتشفت مقاهي قليلة جدا للمفطرين، وهي مقاه معزولة وفيها شباب يشربون القهوة ويدخنون وهم ينفثون دخان سجائرهم على وجوه بعضهم البعض، في توتر نفسي غريب، وعلى وجوههم تبدو علامات أشبه ما تكون بعلامات خجل. وعند أذان المغرب، كانت شوارع العاصمة التونسية تفرغ تماما من الناس. لقد ظل رمضان في تونس محافظا على روحه رغم التشجيع الرسمي للسلطة على الإفطار. التجربة التونسية الرمضانية تؤكد أن القوانين لا تغير شيئا في نفوس الناس. ومن المؤكد أنه لو أصبح مباحا للناس الإفطار العلني في رمضان بالمغرب، فلن نجد سوى أناس متوترين نفسيا يفعلون ذلك، لأن مفطرين كثيرين سيظلون يفعلون ذلك في منازلهم احتراما لمشاعر الأغلبية. لذلك فإن هذه الزوبعة التي أشعلها الأشخاص الخمسة على قناتي «العربية و»الجزيرة» هي زوبعة تشبه أن يخلع عدد من الأشخاص أحذيتهم فتفوح منها روائح جواربهم النتنة، لكن رائحة الجوارب لا تعني التأثير والإقناع، بل تعني فقط أن رسالتهم وصلت أو، بعبارة أصح، أن رائحتهم فاحت. هذا كل ما في القضية.