إسبانيا التي تستقبل كل عام عشرات الملايين من السياح، تحصي اليوم دقات قلبها لأن عددا متزايدا من السياح يلغون رحلاتهم، وآخرون قرروا نهائيا صرف النظر عن زيارة البلاد خلال هذا الصيف، وسبب ذلك يعود إلى مخاوف من قلة المياه، بعد أن عرفت البلاد موجة جفاف أضرت على الخصوص بالجنوب الإسباني وبمنطقة كاتالونيا في الشمال، وهما منطقتان لا عيش لهما من دون سياحة. لا سياحة بدون ماء السياحة في إسبانيا تعيش واحدا من أسوأ مواسمها هذا الصيف، وأخطاء السياسيين انضافت إلى شح السماء لكي تتحول مخاوف الفاعلين في قطاع السياحة بالبلاد إلى كوابيس. إن إسبانيا التي لم تكن تعرف في السابق مشاكل مماثلة، أصبحت اليوم تدق ناقوس الخطر، وعرف الناس مدى الارتباط الوثيق بين ازدهار قطاع السياحة وبين الغيث القادم من السماء. بعض وكالات الأسفار، وأمام الأخبار التي تتحدث عن مخزون المياه في عدد من مناطق إسبانيا، ارتأت أن الحل الحقيقي هو تغيير البلد، أي أن السياح الذين كانوا سيأتون إلى إسبانيا سيذهبون إلى بلد آخر. إن السياحة تشكل نسبة مهمة جدا من الدخل القومي للبلاد، وتشكل عصب الاقتصاد في كثير من المناطق، لذلك فإن أي خلل في هذا القطاع سيصيب الكثيرين برعشة الخوف. ويقول غارسيا نييتو، رئيس جمعية أصحاب الفنادق في منطقة ماريزم في برشلونة، إن فنادق المنطقة لا يمكنها أن تعد السياح بأنها ستقدم لهم كل ما يحتاجون هذا الصيف، وأن الإحساس بالغبن يزداد أمام لا مبالاة السياسيين». الكثير من المرتبطين بقطاع السياحة في إسبانيا أصبحوا يرون أكثر من أي وقت مضى أن هناك ارتباط وثيقا بين الصحافة والسياحة، خصوصا في ما يتعلق بالأخبار الموجهة للقارئ أو المشاهد الأجنبي. إن السائح الذي كان يرتقب أن يزور إسبانيا، بمجرد أن يقرأ الصحف الإسبانية أو حتى صحف بلاده، ويجد فيها أن إسبانيا تعاني من ندرة المياه بسبب قلة الأمطار هذا الموسم، فإن أول ما يقوم به هو أن يتصل هاتفيا ويطلب إلغاء حجزه في الفنادق، ثم يقوم بتغيير وجهته نحو أماكن بديلة في تركيا أو مصر أو بلغاريا أو كرواتيا والمغرب وتونس. واليوم هناك الكثير من المكالمات الهاتفية التي وردت من سياح من ألمانيا والدنمارك وإنجلترا، يطالبون فيها بإلغاء رحلاتهم السياحية إلى إسبانيا. سياح لا يقتنعون يقول فرانسيسك كابايي، رئيس جمعية أصحاب المخيمات في برشلونة، بنبرة فيها الكثير من الامتعاض، إن هناك سيلا من المكالمات تطالب بالإلغاء، وأن الكثير من هؤلاء استمعوا إلى الأخبار التي تتقيؤها الصحف ووكالات الأنباء حول الجفاف في إسبانيا. ويضيف كابايي: «لا نستطيع أن نقنع هؤلاء بأننا سنوفر لهم كل الماء الذي يحتاجونه، ولا نستطيع أن نطمئنهم بأن المسابح ستكون ممتلئة عن آخرها، وأن الاستحمام سيكون مفتوحا طوال الوقت. إننا مستعدون لشراء الماء بالأكواب حتى نرضي السياح إذا كان الأمر يتطلب ذلك، لكن السائح، وأمام أول حالة شك تعتريه، يطالب بإلغاء الرحلة، ولا تهمه كل محاولات الإقناع». لكن جوان مولاس، رئيس كنفدرالية الفنادق، يقول إن إلغاء الحجوزات حتى الآن لم يصل إلى درجة مقلقة، وأن البلدان المصدرة للسياح لن تتوقف عن إرسالهم نحو إسبانيا». غير أن مولاس يضيف في ما يشبه التناقض أن الحالة يمكن أن تكون مقلقة على المدى البعيد في حال استمرار شح الأمطار. أصحاب الفنادق في عدد من مناطق إسبانيا، وخصوصا في برشلونة، عقدوا حتى الآن اجتماعات كثيرة مع مسؤولين حكوميين في عدد من القطاعات من بينها قطاع البيئة، وحاولوا تقديم حلول من أجل عدم تقنين استعمال المياه بشكل يضر بالصناعة السياحية. ويبدو أن ما يطالب به أصحاب الفنادق هو ألا يكون هناك تهويل، وأن تتم «الاقتطاعات المائية» بسلاسة وبدون تخويف السياح الذين يرتعبون بمجرد أن يفكروا في أنهم سيعودون إلى الفندق بأجساد مالحة ورمال على أجسادهم، وحين يقفون تحت صنبور الدش، لن تكون هناك مياه.