قد لا تتفاجأ وأنت تعبر «المدينة /القرية» سبت جزولة. ربما ستراها «مدينة» تحب أن تبدو في هيئة قرية، وربما، إن كنت من العارفين بتاريخها، ستتأسف على هذه المنطقة المنسية التي عمرت طويلا دون أن تنال من المدينة إلا الاسم، الذي أطلق عليها مؤخرا، ليس من باب الاستحقاق ولكن لأن التقسيم الإداري أملى ذلك، ستأسف لطابعها العام ولمظهرها الخارجي الذي لا بد أن يبث فيك إحساسا غامضا، تتمنى معه ألا تقف بها الحافلة التي تقلك عبر الطريق الرئيسية رقم 1، لا لشيء سوى لأن المكان مزيج غير متجانس، يجمع كل التناقضات، وربما سينتابك إحساس بالرأفة على أطفال يتأبطون صناديق لتلميع الأحذية، يعلقون عيونهم على كل عابر، خاصة إذ كان من خارج المدينة.
من موسم إلى مهرجان «أشنو خاصك العريان.. مهرجان أمولاي».. يقول أحد سكان بلدية سبت جزولة، حوالي 26 كيلومترا عن مدينة آسفي في اتجاه الجنوب، متحدثا بغضب بعد أن تناهى إلى علمه خبر جعْل موسم الولي الصالح سيدي عبد الرحمن مهرجانا دون سابق إنذار ودون أي مؤشر يدعو إلى ذلك، خاصة بعد أن تم منعه لسنتين متتاليتين في فترة سابقة ولا وجود لأي بنية تحتية قادرة على إنجاحه. بعد مهرجان«أمواج» بآسفي حل الدور على مهرجان «أمواج» آخر، غير أنه سيكون هذه المرة، ولأول مرة في تاريخ المغرب، على ضفاف بحيرة «عظيمة» ل«الواد الحار»، هي «معلمة تاريخية» لأنها شاهدة على مسار «مؤلم» لبلدية كانت من الممكن أن تضاهي مدنا أخرى في الجمال، على اعتبار أنها في موقع استراتيجي جيد، حيث تخترقها الطريق الرئيسية رقم 1، وتوجد بشمالها مدينة الدارالبيضاء، وجنوبا الصويرة ومدينة أكادير، وفي الشرق شيشاوة وفي الغرب مدينة آسفي التي هي تابعة لها ترابيا. استبشر جميع سكان المنطقة خيرا عندما سمعوا خبرا يفيد بأن قريتهم «الحزينة» ستعيش لأول مرة طقوسا خاصة «مفرحة»، سبت جزولة «إيقاعات شعبية»، بل سيتم استدعاء «أعلام» الأغنية الشعبية المغربية التي يرتقب أن يرقص على موسيقاها سكان ما أريد لهم أن يدخلوا «الحضارة» وظلوا قيد التهميش لسنوات طويلة وهم مازالوا على حالهم إلى أجل غير مسمى. «المدينة / القرية» تعيش وضعا «خاصا»، وكأن لا شيء ينقصها إلا هذا المهرجان»، يؤكد سعيد، أحد سكان المدينة، حيث «تفتقت ذاكرة بعض «المفكرين» و»القادة» به وحولوا موسمه السنوي البسيط على شرف الولي الصالح سيدي عبد الرحمن إلى مهرجان..» المهرجان الأول، الذي انطلق رسميا الثلاثاء الماضي، لا يعلم بعض أبناء المنطقة ممن ثاروا في وجه الفكرة إن كان الأمر يتعلق بخلق دعاية لهذه القرية التي هوت من «فرط الإقصاء»، أم أنه مغالاة في «صرف» ميزانية الجماعة التي هي في أمس الحاجة إلى كل درهم منها، وتساءلوا إن كان المهرجان أصلا سيضخ أموالا في ميزانية الجماعة، وما إن كانت هذه المداخيل ستستفيد منها جزولة، أو ربما هي «ضحك» على ذقون سكان «إلى أبعد الحدود» مازالوا ينظرون إلى مثل هذه الاحتفالات على أنها تدخل في إطار الاهتمام بهم والترويح عنهم, على اعتبار أن الفترة فترة صيف.
مهرجان على شاطئ بحيرة «الواد الحار» وأنت تدخل إلى جزولة من جهة الغرب متوجها إليها من مدينة آسفي ستتراءى لك من بعيد بحيرة عملاقة مياهها راكدة مسودة، إن كان الفصل فصل صيف، وسيغريك منظر «رائع» وأمواج متلاطمة تعانق مجالا طبيعيا منفتحا من جهة الجنوب، وتخترق مجالا غابويا من جهة الشمال، غير أنه كلما تقلصت المسافة بينك وبينها إلا وبدت لك حقيقة أن هذه البركة ليست مجالا طبيعيا عاديا، بل هي مصب للمياه العادمة للمدينة، وستتأكد من ذلك عندما يُزكم أنفك برائحة نتنة تجبرك على كبح أنفاسك إلى حين تجاوزها. ولحسن حظ مسؤولي المجلس البلدي بجزولة، فموعد انطلاق موسم سيدي عبد الرحمن غالبا ما يتزامن مع فصل الصيف وارتفاع الحرارة، مما يكون له وقع إيجابي على الموسم، حيث تتبخر مياه «الواد الحار» التي تمتد على عشرات الأمتار، وهي المساحة الأرضية نفسها التي يتم استغلالها من قبل المشاركين في فعاليات المهرجان لعرض بضائعهم وأغلبها عبارة عن منتوجات غذائية (خضروات، فواكه، مأكولات خفيفة، سلع متنوعة)، بالإضافة إلى أن جزءا من مساحة هذه المياه يستغل في «التبوريدة». يتذكر سكان سبت جزولة الأصليون حكاية سائح أجنبي أخذ لنفسه مكانا تحت أشجار الكالبتوس التي تنتشر بالمنطقة، وعلى جنبات الطريق الرئيسية الرابطة بين آسفي وسبت جزولة حيث راق للسائح منظر أمواج هائجة يحركها عليل يوم صاف لا ضباب فيه، ودفعه الإعجاب إلى الوقوف بجانب البحيرة وأخذ صور تذكارية, قبل أن يفاجأ بأن المنظر الذي استهواه ليس سوى بركة تاريخية ل«الواد الحار» التي عجز المجلس البلدي منذ عشرات السنين عن تخليص السكان من جحيمها من جحافل الذباب والناموس والصراصير.. أو ربما المهرجان هو وجه من أوجه شغل السكان الذين يثورون مع كل فصل صيف في وجه المجلس احتجاجا على «الواد الحار» بقرية تتزيا في ثوب مدينة مشتتة الأركان.
أسئلة على هامش المهرجان السؤال المطروح، يقول جمال، أحد الشباب بالمنطقة، لم يعد هو في أي سياق يدخل جعل موسم سنوي عادي مهرجانا، لأن ذلك يدخل في باب الممكن، ولكن السؤال الأكثر إلحاحا هو ماذا أعد المجلس البلدي لسبت جزولة حتى تحتضن «قرية» عارية من البنى التحتية مهرجانا بمواصفات جيدة، يمكن من خلالها أن يكتب له النجاح خلال السنوات المقبلة؟ وحتى عن طبيعة زوار هذا المهرجان وما مواصفاتهم وفي أي فنادق سينزلون، حيث إن النزل الوحيد ب»المدينة» لا يوحي إليك كغريب عن المنطقة على أنه فندق، لأنه لا يتوفر على ربع نجمة، فبنايته شاهدة على أن «المدينة» ضاربة في عرض التاريخ، ومع ذلك لم يشفع لها تاريخها كي تلتحق بركب التنمية. يتساءل العارفون بهموم المنطقة كيف لهذا المهرجان أن يخطو خطوته الأولى نحو التألق والنجاح في ظل طرقات غير صالحة وفي ظل انعدام مساحات خضراء ومطاعم ومقاه قادرة على أن تستقطب زوارا يبثون نفسا جديدا بالمنطقة، لأنهم لن يكتشفوا شيئا يزيد عن المنازل والتجزئات السكنية التي تمددت جنوبا وشمالا وشرقا وغربا، دون أن يوازي ذلك وجود مرافق اجتماعية واقتصادية وثقافية وبنية تحتية جيدة ومجالات خضراء للاستجمام، فلا شيء من كل ذلك يوجد سوى قرى متناثرة إلى جانب المدينة ومساحات فلاحية ممتدة أحرقت الشمس اخضرار ربيعها. شباب عاطل يهرب شباب المدينة نحو مدن أخرى مجاورة كآسفيوالصويرة والجديدة بحثا عن فرص الشغل أو بحثا عن وسائل الراحة والاستجمام، أما أطفال جزولة وبعض شبابها ممن لا إمكانية مادية لهم للترفيه فهم يمضون النهار وسط أزقتهم المهمشة. لا وجود لأي مصانع ولا أنشطة اقتصادية باستثناء التجارة بمحلات كبرى هي، لحسن حظ بعض الفقراء، نعمة أنعم الله عليهم بها لأنهم يفتحون بيوتا بواسطتها، حيث يعملون ك«حمالة» مقابل مبالغ هزيلة، كما توفر فرص شغل لأصحاب العربات المجرورة والمدفوعة، ومن بين هؤلاء أطفال لا يتجاوز عمرهم عشر سنوات أو أقل، ومن بينهم شيوخ وكهول لم تسعفهم ظروفهم للعمل بكرامة, فرأسمالهم الوحيد الذي استطاعوا توفيره من منطقتهم لا يتعدى في أحسن الأحوال «حمار وكروسة». مدينة الفقراء مهنة «طالب معاشو» هي الحرفة الأكثر حضورا بالمنطقة، وهي عنوان عريض للفقر الذي ينتشر على نطاق واسع بالمدينة، فما إن تقف الحافلة حتى ترى جحافل من الأطفال والشيوخ(أصحاب العربات المجرورة والمدفوعة) قد اكتسحت جنبات المكان، كل واحد يحاول مد يد العون وإقناع المسافر، ممن «سيهبط» في «محطة» سبت جزولة، بأنه يعرف المكان جيدا وخدمته ستكون أحسن من غيره، إلى أن يستقر رأي المسافر على أحدهم، وهم على هذه الحال طيلة النهار، لأن أغلبهم من القرى المتاخمة للمدينة، ولولا حلول الليل لما غادروا «المدينة» نهائيا، فهي مقر عملهم ومورد رزقهم في ظل انعدام فرص أخرى للشغل، غير أن منهم من يمضي الليلة بها ولا يتعدى أجر هؤلاء عند خدمة المسافرين ثلاثة أو أربعة دراهم في أحسن الأحوال، يقول حميد (اسم مستعار من سكان جزولة) وهو يضع كيسا على كتفه متأهبا لبدء عمله «كطالب معاشو» في أحد المحلات التجارية الكبرى:«هذي هي الخدمة باش كناكلو طرف ديال الخبز حنا وليداتنا» ويصف حميد وهو يسترجع أنفاسه المبلغ المادي الذي يتقاضاه: «المبلغ متواضع جدا، لكن الحمد لله» ويضيف: «إلى مرضنا حتى واحد ما يعقل علينا، حنا بحال إلى كناكلو دابا في صحتنا قطعة قطعة، هذي هي الحرفة اللي كنعرفو»، كانت عيون حميد محملة بمعان أعمق مما أفصح عنه، كان يود التعبير عن معاناته مع مهنته التي يبدو أنها آخذة في امتصاص جسده النحيل، ورغم ذلك فهو مصر على العمل وعلى تحميل ذلك الجسد ما لا يطيق، لكن الفقر عدو لا بد من مجابهته، ولا سبيل إلى ذلك غير هذه الحرفة التي يحمد الله عليها رغم ما يكابده من تعب هو وغيره ممن ألف العيش في قرية أريد لها أن تظل في الحضيض. حلول مع وقف التنفيذ أزيد من نصف قرن ومشكل الواد الحار بالمدينة مازال قائما رغم «مساعي المجلس البلدي» حاليا والقروي سابقا لتخليص المدينة منه، إلا أن كل المحاولات كانت تنتهي إلى الباب المسدود. وأكد عبد الله كاريم، نائب رئيسة المجلس البلدي، أن المجلس البلدي راسل وزارة الداخلية بخصوص مشكل مياه الصرف الصحي الراكدة بالمدينة لعدة سنوات، وأنها أكدت موافقتها، حيث إن مكتب الدراسات بصدد إنجاز دراسة لإيجاد حلول بغرض صرف مياه المدينة كاملة نحو وجهة محددة، وتجاوز رغبة المجلس السابقة التي كانت ترمي إلى صرف مياه البركة عن المدينة بحوالي أربعة كيلومترات، والذي اصطدم بمجموعة من العراقيل، حيث أكد مصدر جد مطلع أنه تم في وقت سابق اتخاذ مجموعة من التدابير قصد احتواء الوضع والحد من تفاقمه، حيث أنجزت أشغال الشطر الأول والثاني من مد القنوات إلى المصب على المحيط الأطلسي وقد وصلت المسافة المنجزة إلى ثلاثة آلاف متر تقريبا، إلا أن الأشغال توقفت على مسافة 700 متر على مقربة من جماعة خط أزكان، حيث رفض سكانها السماح بمرور قنوات الصرف الصحي مخافة أن يتأثروا بسبب ذلك وينعكس ذلك على أنشطتهم الزراعية. وبخصوص المهرجان، أكد المصدر نفسه أنه كان مجرد فكرة تطورت هدفها خلق رواج بالمدينة، حيث خصصت له ميزانية قدرها 30 مليون سنتيم، ومن شأنه أن يخلق رواجا اقتصاديا وتنمويا بالمدينة. وعن تواضع البنية التحتية، أكد المصدر نفسه أن نجاح المهرجان سيدفع بالجهات المسؤولة إلى التفكير في خلق مختلف المرافق، وأن النقص الحاصل هو بسبب تواضع ميزانية المجلس البلدي وهي ليست في مستوى حجم حاجيات المدينة التي يصل عدد سكانها إلى 18 ألف نسمة وهي آخذة في الارتفاع بسبب الهجرة القروية، وهو ما «جعلنا نفكر في مشروع خلق منطقة صناعية لامتصاص الفقر من المنطقة».