يحس المتوجه صوب منطقة «ستي فاظمة» السياحية باختلاف كل شيء مباشرة بعد مغادرته لجماعة «أوريكة»، فالجغرافيا تنزاح إلى أن تصبح جبلية أكثر، والماء ينساب من كل جانب، والهواء أنسم وأعل، والحرارة تنخفض لتترك للزائرين من مغاربة وأجانب الفرصة ليتمتعوا بما منحه الله لهذه المنطقة من مناظر خلابة، وتكوينات جيولوجية تأخذ العقل، وتأسر القلب مادامت المنطقة تنتمي إلى الأطلس الكبير. تبعد «ستي فاظمة» ب64 كيلومترا عن مدينة مراكش، عبر طريق تكثر بها المنعرجات، التي تزينها الأشجار الباسقة ثم تتداخل معها المقاهي إيذانا بوصول الزائر إلى المكان المقصود. وتتبع جماعة «ستي فاظمة» إداريا لقيادة أوريكة عمالة تحناوت إقليمالحوز. أصل التسمية وأهم الطبيعية يرجع أهل المنطقة سبب تسميتها ب«ستي فاظمة» إلى أن امرأة قدمت من مصر، تميزت بعلمها وفضلها فاستقرت بالمنطقة، وعرفت هذه السيدة بينهم بالصلاح والتقوى، فلبثت فيهم عددا من السنين، ولما ماتت دفنت بالمنطقة، واشتهر المكان باسمها، واتخذ السكان لها ضريحا ما زال بارزا في مكان عال من أحد الجبال المحيطة بالجماعة، يؤمه الزوار ويحترمه أهل الدار. وأما القاطنون اليوم فهم من الأمازيغ من قبيلة «مسيوة»، كما صرح بذلك أحد أبناء المنطقة في حديث مع «المساء». تتميز «ستي فاظمة» بالشلالات السبعة التي امتزج فيها الماء بعضه ببعض، مخترقة جبال الأطلس في تحد كبير لقوى الطبيعة. ويتطلب الوصول إلى الشلال الأول قوة بدنية ورشاقة. وقد عاينت «المساء» كيف أن بعض النساء المسنات وصلن إلى هذا الشلال الأول بمساعدة أفراد من أسرهن، رغم الصعوبات والمخاطر الكثيرة التي اعترضت طريقهن، لكن الوصول إلى الشلالات الأخرى أمر لا يستطيعه إلا الشباب، وتلك متعة ما بعدها متعة. يستحم الصغار والكبار بماء الشلالات البارد، ويستخدمه أصحاب المقاهي في تبريد الفواكه، وقنينات الماء، والمشروبات الغازية المعروضة للبيع، وهو قبل كل شيء يهب للمكان الحياة والاستمرار. وفي هذا يقول «محمد.إدمالك»، الذي جاء من مدينة العرائش رفقة عائلته، إنه «لم يخطئ العنوان»، واعتبر في حديث مع «المساء» أن تغيير وجهته السياحية من الساحل إلى الجبل كان «موفقا للغاية»، بعد أن نصحه أصدقاؤه بهذا المكان الذي وصفه ب «المدهش والخلاب». وأضاف المتحدث أنه سيقضي أربعة أيام مع العائلة ثم يكمل رحلته إلى وجهة أخرى. ليست الشلالات هي ما يميز «ستي فاظمة» فقط، بل هناك الوادي الذي يخترقها، ويضفي خرير مياهه نوعا من الجاذبية عليها، وهو مكان لسباحة الصغار ومن لم يستطع الصعود إلى الشلالات من الكبار. وهناك أيضا الأشجار المتنوعة التي تلامس أغصانها السياح في كل مكان، وتمنع الشمس إلا بعضا من أشعتها، فتلطف الجو وتسمح للزائر بأن يقضي يوما هادئا. تشتهر المنطقة فلاحيا بإنتاج الفواكه مثل التفاح والإجاص، والبرقوق، وغيرها من الفاكهة التي يعرض بعضها أمام الزائرين، وإذا كانت هذه الفلاحة أغلبها تسويقي في سوق خاص بها بالمنطقة، فإن زراعة الحبوب تبقى مورد عيش للدواوير المكونة للجماعة، وأشهر هذه الدواوير، هي أكادير، الزاوية، إمين تدارت، وينغران، الزيتون. شكاوى أهل المنطقة ومجال يحتاج إلى تأهيل أكد أكثر من تاجر تحدثت إليهم «المساء» بأن هذه السنة شهدت رواجا تجاريا أقل من سابقتها. ولاحظ هؤلاء أن هناك تراجعا في نسبة الإقبال على المنطقة منذ سنوات قليلة، وهو ما يستدعي، حسب صاحب مقهى، التفكير في إيجاد حلول لذلك. فرغم الأعداد الكبيرة من الزوار، والذين يقاربون الثلاثة آلاف يوميا قادمين من مختلف المدن المغربية، والسياح الأجانب، الأوربيون والأسيويون، فإن «الرواج التجاري في تراجع كبير»، يضيف صاحب مقهى آخر. مقاه ومحلات تجارية تنتشر على الطريق ووسط الجبل وبجانب الوادي، عارضة سلعها المتنوعة بشكل بديع، يضفي عليها الماء رونقا أكثر. كما أن المطاعم والمقاهي تعرض خدماتها المتنوعة، من الأكلات من الطاجين، إلى الشواء، مرورا بالدجاج. فيما تفضل بعض الأسر التي تحج إلى المكان أن تطبخ لوحدها بالمنطقة، بعد أن حملت معها لوازم ذلك. ويمكن لزائر «ستي فاظمة» أن يقضي يوما رائعا، يتناول فيه وجبتي الفطور والغداء بالطاجين، إضافة إلى مصاريف النقل من مراكش، وبراد من الشاي في ختام زيارته، بتكلفة تقارب 200 درهم، لكن إحدى النساء نبهت في حديث مع «المساء» إلى غلاء قنينات الماء بالمنتزه، فالواحدة الصغيرة تصل إلى 10 دراهم في أعلى الجبل، أمر أرجعه أحد السكان إلى التكلفة الباهظة لإيصال السلع إلى هذه الأماكن العالية. ويبذل أهل المنطقة الذين يتميزون بتسامهحم واحترامهم للزوار جهودا كبيرة في تفادي والتصدي لكل ما من شأنه أن يسيء إلى هذا المنتزه الرائع. ولاحظت «المساء» فيما يخص الجانب الأمني بالمنطقة أنه لم يكن يوجد سوى فردين من القوات المساعدة بالمكان، يراقبان حركة وصول الزوار إلى المنطقة. يحتاج المنتزه إلى تدخل من الجماعة والسلطات الإدارية، لإحداث بعض القناطر الصغيرة، تسهل الولوج إلى عدد من الأماكن غير المستكشفة، بدل تلك الجسور الخشبية التقليدية، التي شيدها أصحاب المقاهي، حتى يصل الزبائن إليهم. كما أن مسألة النظافة بدأت تثير انتباه الزوار في ظل انتشار الأزبال ببعض المغارات الصغيرة. ولابد من تمهيد بعض المسالك بمحاذاة المرتفعات، تسهل الوصول إلى الشلالات السبعة لجميع الزائرين، لإثارتهم أكثر، والدفع بهم إلى العودة مجددا.