سقطت برقية عاجلة من مصالح الاستخبارات الفرنسية بمنطقة المغرب العربي كالصاعقة على قصر الإليزيه، منبهة إياه إلى أن العقيد الليبي، معمر القذافي، يخوض حملة واسعة لحمل بلدان المنطقة على إعادة النظر في موقفها من المشروع الأورو-متوسطي الذي سيؤسس له الرئيس ساركوزي في 13 يوليوز الجاري بباريس. ومبعث القلق الفرنسي ليس القمة المصغرة التي عقدها القذافي في العاشر من يونيو، وأشهر فيها رفضه للمشروع، وإنما الغضب الذي صبه العقيد الليبي على مسؤولين مغاربة وتونسيين لانحيازهم الأعمى إلى طروحات ساركوزي وعدم تخلصهم من الفكر الاستعماري، وفق ما ورد في برقية الاستخبارات الفرنسية. وتحسبا لحملة أوسع قد تشكل نواة لجبهة رفض عربية، لم يجد ساركوزي من وصفة مسكنة لأعصاب القذافي سوى إيفاد رجله الوفي كلود غيون، الكاتب العام للإليزيه، إلى ليبيا، وهو الذي سبق له أن فاوض ومعه سيسيليا، عقيلة ساركوزي آنذاك، بشأن تحرير الممرضات البلغاريات. وقد وصل كلود غيون يوم 26 يونيو إلى ليبيا على رأس وفد رفيع يضم ثلاثة جنرالات وأعضاء من المديرية العامة للتسليح. الهدف: تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مجال الدفاع وتنفيذ بنود الاتفاقيات المبرمة يوم 25 يوليوز الماضي بطرابلس، قبل تحرير الممرضات البلغاريات. وقد أفلحت هذه الغارة الدبلوماسية ومعها لباقة ودهاء الكاتب العام للإليزيه في ثني القذافي عن حملته، والقبول بإيفاد وزير خارجيته إلى المؤتمر التأسيسي الذي ستشارك فيه 44 دولة ممثلة ب33 رئيسا. وهكذا لم يعد التواجد الإسرائيلي ضمن أعضاء الاتحاد سببا مزعجا للزعيم القذافي الذي انحاز في نهاية المطاف إلى المشروع المتوسطي، ليس بشكل أعمى كما قال للمغاربة والتونسيين، ولكن بشكل وظف فيه جيدا لعبة المصالح، حتى إنه بارك، في اتصال مع نظيره السوري بشار الأسد، مشاركته في هذه القمة التي أقسم ألا يعرقل سيرها منذ اليوم.