من بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... إذا سألتَ أي مغربي عن الاسم التي اقترنت الملاكمة المغربية باسمه، فلن يكون هناك إلا جواب واحد: عبد الحق عشيق.. هو اللاعب الذي أهدى المغرب رقما قياسيا في هذه اللعبة.. في الحي المحمدي، عرف مقرَّبوه عشقه للملاكمة وميله إلى التباري، في هذا الحي الشعبي، وُلِد عشيق، محبا للعديد من رواد الملاكمة في المغرب. بين الحي المحمدي وعشيق علاقة خاصة، يقول عنها الملاكم في حديث ل«المساء»: «عشنا الطفولة بين «كارْيانات» الحي المحمدي، هنا أتذكر الفضاءات الكثيرة التي كانت تمسح لنا بممارسة أشكال مختلفة من الرياضات التي كانت تمارَس أكثر من الأنشطة الفنية، كنا صغارا مهووسين بكرة القدم، وكان كل منجذب إلى الكرة الساحرة يقصد مدرسة الراحل العربي الزاولي.. كنا نشارك في الدوري الذي كان ينظمه «بّا العربي». في تلك الفترة، كنت أمارس رفقة حافي، حسان، أغرادي، محماد، المدني، فرحات، يمان، بوؤساء الصغير (المحجوب)، مجيد عشيق، حسن شليحة، قاسمي، حميد بوهالي، عبد اللطيف وحسن حنين... في تلك الفترة، كانت تنشط العديد من الأندية الرياضية، من بينها اتحاد مولاي الشريف، الكوكب البيضاوي، سلتيك... إلى جانب حضور دور مدرسة الزاولي، لعبت دار الشباب في الحي المحمدي دورا أساسيا في تكريس الأنشطة الرياضية والفنية، إذ كانت تمارَس فيها كرة السلة وكرة القدم، فضلا عن الأنشطة الفنية.. في هذه الدار، كنا نتابع، بشكل أسبوعي، العروض المسرحية وكنا نتابع استعدادات فرق «لمشاهب»، «تكادة»، «ناس الغيوان» والسهام... إذ يجتمع من كل الأحياء و«الكاريانات» شباب يبحثون عن متنفَّس فني أو رياضي.. في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات، عرفتُ «ناس الغيوان» والمسرح الذهبي، باطما، محمد مفتاح... كما تعرفت على الزعري والداسوكين، اللذين كانا يقصدان الحي لتقديم عروضهما الفنية»... لعشيق مسار طويل في الملاكمة في الحي المحمدي، يقول عنه: «كان الحي المحمدي كبيرا من حيث إنجاب المواهب في هذه الرياضة.. عرف هذا الحي أسماء كبيرة في عالم الملاكمة، من بينها الحاج الغزواني، بوشعيب المسكيني، الرزوكي الكبير، العربي الخباز، فاسدا، عبد الرحيم السويهي.. كنا ونحن صغار نسمع عن هذه الأسماء الكبيرة. في فترة السبعينيات، كان هناك لاعب هاوي اسمه محمد حجي يجمع الأطفال حوله ويحاول أن يعلمهم الملاكمة.. تزامنا مع ذلك، كانت الحلقة تشكل مصدر معرفة للشباب. في تلك الفترة، عشت هذا الجو مع أطفال وشباب، من بينهم عبد الله صبيو، حميد المزكاوي، حسن شليحة، مصطفى الشعبي، خالد جواد، الجداوي، سعيد أوبريم، محمد الشعبي، ولد الفقيه، سعيد منار، حراق، باعوضة.. وعشت أحلام النجومية مع شباب عاشق للملاكمة، من بينهم مرصود، نجيب طحاوي، اليزيد، سعيد ظهورا... في تلك الفترة، كانت تنشط العديد من الأندية الرياضية وكنا نميل إلى الرياضة، كان شباب الحي في ذلك الزمن الجميل غيرَ شباب الحي، اليوم.. لم تكن المخدرات متفشية إلى هذه الدرجة»... وعن ذكريات البدايات، يقول عشيق: «بحكم أنني كنت ألعب في الحلقة وأشارك في مقابلات في دار الشباب، أتيحت لي فرصة التعرف على الزروكي، إذ بعد أن رافقني محمد حجي إلى الزروكي الكبير وعلمت أنه كان يعرف هويتي، ذكر أنني سأقابل لاعبا آخر اسمه عمور (من أحسن الحكام العالميين، لعب للجيش الملكي) قبل المشاركة في مقابلة رسمية.. وأتذكر أنه كان لاعبا تقنيا، إلا أنني فزت عليه بفضل القوة الجسدية، وأتذكر أن المقابلة جرت ما بين 1974 و1975.. خضتُ مقابلة أخرى وفزت فيها بالضربة القاضية.. وبعد ست مقابلات، تم اختياري للمشاركة في منتخب الشباب في سنة 1976، وأتيحت لي الفرصة أول مرة لدخول معهد مولاي رشيد»... وبلغة متواضعة، يواصل عشيق النبش في تاريخه الرياضي بالقول: «بعد مدة، فزت ببطولة المغرب، على الرغم من أنه كان هناك لاعبون أفضل مني.. وفي سنة 1979، سافرت لأول مرة إلى فرنسا في تدريب، وشاركتُ، وأنا صغير، في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في يوغوسلافيا.. وبحكم أن الإقصائيات كانت صعبة، انهزمتُ أمام فرنسي كان اسمه أنطوان مونتيغو. وفي سنة 1980، عدت إلى كرة القدم ودار الشباب، في غياب الإمكانيات المادية.. في تلك السنة، شاركت في الألعاب العربية في العراق، وحصلت على ميدالية فضية، وعدت مرة أخرى إلى «الطاس» ودار الشباب. بعد ذلك، دخلت تدريبا وفي 1983، فزت بالميدالية الذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط.. وأتذكر أنني تلقيتُ مكالمة من الحسن الثاني هنئني فيها على الانتصار، كما هنأ نوال المتوكل وسعيد عويطة ومصطفى فضلي والتبازي، بصفة شخصية، إذ كان الملك الراحل يتابع هذه الألعاب ويتابع مشاركة اللاعبين المغاربة... بعد ذلك، دخلت في مشاكل مع الجامعة، لأنني كنت أطالب بالعمل.. وحينما حلت الألعاب الأولمبية في لوس أنجلس سنة 1984، لم أشارك فيها، لأرحل بعدها إلى فرنسا. وبعدها بسنة، نادوا علي للمشاركة في الألعاب العربية في سنة 1985 وفزت بميدالية ذهبية، قبل أن أعود مجدَّدا إلى فرنسا. وفي سنة 1987، عدت إلى المغرب وشاركت في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية وفزت بالميدالية الذهبية.. وكنت أول ملاكم يفوز بثلاث ميداليات (ذهبيتين وفضية) في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وشاركت في أربع دورات متوسطية، دون أن أنسى الإشارة إلى فوز كمال مرجوان بميداليتين ذهبيتين.. وفي سنة 1988، شاركت في الألعاب الأولمبية في سيول وفزت بالميدالية الفضية، وبعدها، أي في سنة 1989، شاركت في الألعاب العربية في دمشق وفزت بالميدالية الذهبية.. وفي السنة ذاتها، شاركت في بطولة العالم في موسكو وأُقصيت من الدور ربع النهائي، وشاركت في سنة 1990 في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في اليونان وفزت ببرونزية، بسبب تأثري بكسر في دورة سيول. وحينها، أصدر الملك أمرا يقضي بأن أعود لوحدي إلى المغرب وأحظى بوسام ملكي... وفي سنة 1992، أسندت إلي مهمة تدريب المنتخب الوطني وشاركنا في دورة إقصائيات برشلونة للألعاب الأولمبية، وفزنا بثمان مداليات بين ذهبية وفضية وفزت في الألعاب ببرونزية مع أخي محمد.. وفي سنة 1993، شارك المنتخب في بطولة كأس العالم وتوجت كمدرب رفقة الملاكم بنديار، كما فزنا بالبطولة الإفريقية تلك السنة وأحرزنا العديد من الألقاب.. وأعتقد أن هذا التتويجات الأخيرة مرتبطة بوجود إدارة تقنية متميزة، كما أننا كنا نستفيد من دعم وزارة الشباب واللجنة الأولمبية ومركز شباب الجيش الملكي.. في هذا السياق، لا بد من تقديم الشكر إلى مسؤولي إدارة «مارسا ماروك» (المكتب الوطني للموانئ) الذين يقدمون لنا كل الدعم والتسهيلات للقيام بدورنا في تقديم صورة أحسن عن الملاكمة المغربية على المستوى الإفريقي والدولي، كما أشكر كلا من عسال، بوكمال، مالك، الدكتور الزاهي، الدكتور نبيل، العربي فلوق والكولونيل بلحاج على غيرتهم على الرياضة، بشكل عام، ودعمهم المستمر للملاكة المغربية، على وجه الخصوص»...