هناك معارك وثورات مشهورة في التاريخ السياسي للمغرب، بعضها يعرفه أغلب المغاربة، ولكن معظم تلك المعارك وخلفياتها و حيثياتها تخفى على الكثيرين ابتداء من الحرب التي قادها القائد الأمازيغي يوغرطة ضد روما، مرورا بحروب وثورات وقعت في العصور الوسطى، وانتهاء بمعارك العصر الحديث. ومن خلال هذه الرحلة عبر عدد من المعارك والثورات، تتوخى «المساء» أن تلقي الضوء على تلك المعارك والثورات، شخصياتها، وقائعها، وبالأخص تأثيرها على المسار السياسي للمغرب. وصلت أصداء الانتصارات، التي حققها الموحدون في فتوحاتهم وغزواتهم إلى المشرق، و أصبحت الدولة الموحدية تحظى بالاحترام ويهابها الجميع. في هذا السياق، تأتي الدعوة التي وجهها صلاح الدين الأيوبي إلى المنصور الموحدي من أجل مده بالأساطيل لمواجهة هجمات المسيحيين. وقد تحدث عن هذا الأمر أبو شامة في كتابه «الروضتان في أخبار الدولتين النورية والصلاحية»، و ابن خلكان في «وفيات الأعيان»، و غيرهما. ويتساءل عز الدين عمر أحمد موسى في كتابه «دراسات في تاريخ المغرب الإسلامي» عن السر في سكوت العديدين عن هذه الحكاية، وإن كانت القصة حقيقية أم مخترعة. وأضاف المصدر ذاته أن القائد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في معركة حطين وفتح القدس الشريف، بدأ يتوجس من الصليبيين، خاصة أن جي دي لوزينيان لم يزل محاصرا لمدينة عكا، فضلا عن سقوط القدس، مما جعل المسيحيين يتأهبون ويستعدون للرد، وبدأت منذ 585 هجرية تصل إلى أسماعه أنباء تلك الاستعدادات. ويعتقد نفس الكاتب أن صلاح الدين الأيوبي أرسل إلى ملك المغرب يطلب مساعدته العسكرية لأنه كان يعلم أن الموحدين يملكون أسطولا بحريا قويا. وقال ابن خلدون «وانتهت أساطيل المسلمين على عهده في الكثرة والاستجادة ما لم تبلغه من قبل ولا من بعد فيما عهدنا». ويخصص الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» حيزا مهما للمراسلة والملتمس الذي بعث به صلاح الدين الأيوبي إلى يعقوب المنصور الموحدي. يقول الناصري: «كانت الإفرنج قد ملكوا سواحل الشام في آخر الدولة العبيدية منذ تسعين سنة قبل هذا التاريخ وملكوا معها بيت المقدس شرفه الله، فلما استولى السلطان صلاح الدين رحمه الله على ديار مصر والشام اعتزم على جهادهم وصار يفتح حصونها واحدا بعد واحد حتى أتى على جميعها، وافتتح بيت المقدس سنة ثلاث و ثمانين وخمسمائة وهدم الكنيسة التي كانت بنواحيه وانقضت أمم النصرانية من كل جهة وتتابعت أساطيلهم الكفرية بالمدد لكل ناحية لتلك الثغور القريبة من بيت المقدس، واعترضوا أسطول صلاح الدين في البحر ولم تقاومهم أساطيل الإسكندرية لضعفها يومئذ عن ممانعتهم فبعث صلاح الدين صريجة إلى المنصور سنة خمس وثمانين وخمسمائة يطلب إعانته بالأساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس الشام وأوفد عليه أبا الحارث عبد الرحمان بن منقذ من بيت بني منقذ ملوك شيزر من حصون الشام، وكان صلاح الدين قد ملكها من أيديهم وأبقى عليهم في دولته. بعث صلاح الدين عبد الرحمان هذا إلى يعقوب المنصور طالبا مدد الأساطيل لتحول في البحر بين أساطيل الفرنج وبين إمداد النصرانية بالشام، ولمنازلة الثغور التي ذكرنا، وبعث معه إلى المنصور بهدية تشتمل على مصحفين كريمين منسوبين ومائة درهم من دهن البيلسان وعشرين رطلا من العود وستمائة مثقال من المسك والعنبر و خمسين قوسا عربية بأوتارها وعشرين من النصول الهندية وسروج عدة مثقلة فوصل إلى المغرب فصادف المنصور بالأندلس فانتظره بفاس إلى أن رجع فلقيه، وأدى الرسالة، وقدم الهدية، وكان الكتاب الذي بعث به صلاح الدين من إنشاء الأديب عبد الرحيم البيسني المعروف بالقاضي الفاضل، وكان عنوان الكتاب من صلاح الدين إلى أمير المسلمين وفي أوله الفقير إلى الله تعالى يوسف بن أيوب وبعده الحمد لله الذي استعمل على الملة الحنفية من استعمر الأرض وأغنى من أهلها من سأله القرض وأجرى من أجرى على يده النافلة والفرض وزين سماء الملة بدراري الذراري التي بعضها من بعض وهو كتاب طويل، ولما وقف عليه المنصور ورأى من تجافيهم فيه عن خطابه بأمير المومنين لم يعجبه ذلك وأسرها في نفسه وحمل الرسول على مناهج البر والكرامة ورده إلى مرسله ولم يجبه حاجته ويقال إنه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا ومنع النصارى من سواحل الشام، والله تعالى أعلم. وقال ابن خلدون: وفي هذا دليل على اختصاص ملوك المغرب يومئذ بالأساطيل الجهادية وعدم عناية الدول بمصر والشام لذلك العهد بها». وقال ابن عذارى إن يعقوب المنصور أجمل له القول إجمالا وأحاله لوزرائه ليشرحوا له التفاصيل. ويعتقد عز الدين عمر أحمد موسى أن فشل ابن منقذ في مهمته لدى المنصور ليس فقط في عدم مخاطبته السلطان الموحدي باسم أمير المؤمنين، إنما لكونه كان منشغلا في أموره الداخلية، خاصة أنه خرج من ثورات وفتن أنهكته عسكريا.