هناك معارك وثورات مشهورة في التاريخ السياسي للمغرب، بعضها يعرفه أغلب المغاربة، ولكن معظم تلك المعارك وخلفياتها و حيثياتها تخفى على الكثيرين ابتداء من الحرب التي قادها القائد الأمازيغي يوغرطة ضد روما، مرورا بحروب وثورات وقعت في العصور الوسطى، وانتهاء بمعارك العصر الحديث. ومن خلال هذه الرحلة عبر عدد من المعارك والثورات، تتوخى «المساء» أن تلقي الضوء على تلك المعارك والثورات، شخصياتها، وقائعها، وبالأخص تأثيرها على المسار السياسي للمغرب. عادة ما يبدأ التاريخ الرسمي للدولة المغربية بدولة الأدارسة، التي أسسها إدريس الأول عام 172ه/788م، إلا أن هذا التاريخ الرسمي يتجاهل عن عمد دولة سبقت دولة الأدراسة وامتدت إلى أن استولى المرابطون على السلطة، وهي الدولة البورغواطية الأمازيغية التي كانت موجودة بمنطقة تامسنا في الساحل الأطلسي بين آسفي وسلا. وقد حاولت الكتابات التاريخية بأن تصور زعماء هذه الدولة تصويرا تحقيريا وبأنهم ابتدعوا ديانة جديدة، خاصة من طرف طريف بن صالح. فعلى سبيل المثال وصف الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» ديانة البورغواطيين بالخسيسة. غير أن بعض المؤرخين اعتبروا أن ديانة المغاربة في تلك الفترة التاريخية كانت مزيجا وخليطا من ديانات مختلفة، فقد قال المؤرخ عبد الله العروي في كتابه «Esquisses historiques» إن الوثائق تؤكد أن الديانات القديمة والمسيحية واليهودية والدوناتية والمانوية واصلت حضورها في تاريخ المغرب وشكلت كل هذه الديانات خليطا. وأضاف قائلا بأنه من الخطأ الاعتقاد بأن شمال أفريقيا بشكل عام والمغرب بشكل خاص قد انتقل من الأرثوذوكسية المسيحية إلى الإسلام. يعتقد بعض المؤرخين أن كلمة بورغواطة هو تشويه صوتي لمصطلح برباتي، وهو اسم الشهرة الذي ذاع عن طريف. ومن المعتقد أنه ولد في منطقة barbate قرب قادس في إسبانيا. لكن جيروم كاركوبينو وغيره من المؤرخين اعتقد أن الاسم أقدم من تلك القبيلة نفسها التي سماها الرومان «باكاتيس»، الذين كانوا يعيشون قرب فولوبيليس حتى القرن السابع. حكم البورغواطيون منطقة تامسنا أكثر من ثلاثة قرون (744 - 1058) تحت حكم صالح بن طريف، إلياس بن صالح (792 - 842) يونس (842 - 888) وأبي غُفيل (888 - 913)، ظلت المملكة القبلية موحدة، وأرسلت باستمرار ببعثات إلى القبائل المجاورة. لم تدم العلاقات الطيبة مع خلافة قرطبة طويلا حيث قُطعت مع حكام الأمويين في القرن العاشر، فتعرضت الدولة البورغواطية لهجومين للأمويين، فضلا عن الهجمات التي شنها الفاطميون، والتي صُدت من قبل بورغواطة. نشبت حرب عصابات مكثفة مع بني يفران في القرن الحادي عشر، مما أضعف البورغواطيين كثيرا، لكن الدولة ظلت قادرة على صد هجمات المرابطين (سقط الزعيم الروحي للمرابطين عبد الله بن ياسين في معركة ضد البورغواطيين سنة 1058). سنة 1149 تمكن الموحدون من القضاء على قوة بورغواطة السياسية والدينية. يعد صالح بن طريف أشهر ملوك الدولة البورغواطية. قال عنه ابن خلدون إنه كان من أهل العلم والخير، لكنه فيما بعد ادعى النبوة وشرع لأتباعه ديانة جديدة. وجاء في كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» للناصري أن صالح بن طريف أمر أتباعه «بصيام شهر رجب وأكل شهر رمضان، وفرض عليهم عشر صلوات، خمسا بالليل وخمسا بالنهار، وأن الأضحية واجبة على كل شخص في الحادي والعشرين من محرم، وشرع لهم في الوضوء غسل السرة والخاصرتين وأمرهم أن لا يغتسلوا من جنابة إلا من حرام، وصلاتهم عمياء لا سجود فيها، لكنهم يسجدون في آخر ركعة خمس سجدات». وحكى الناصري عنه أيضا أنه كان يأمر أتباعه بأن «يلحسوا بصاق ولاتهم على سبيل التبرك، فكان يبصق في أكفهم فيلحسونه ويحملونه إلى مرضاهم يستشفون به، ووضع لهم قرآنا يقرؤونه في صلواتهم ويتلونه في مساجدهم وزعم أنه نزل عليه، وأنه وحي من الله تعالى إليه، ومن شك في ذلك فهو كافر والقرآن الذي شرع لهم ثمانون سورة سماها لهم بأسماء النبيين وغيرهم منها سورة آدم ونوح وفرعون وموسى وهارون...». ويحكي الناصري أيضا أنه لما علم عبد الله بن ياسين المرابطي بما عليه البورغواطيون من «كفر»، سار إليهم بجيشه وحاربهم، ولكنه أصيب خلال المعركة ومات. وقيل إنه خطب في أتباعه قبيل وفاته يوم الأحد 24 جمادى الأولى451 هجرية، قائلا: «يا معشر المرابطين إني ميت من يومي هذا لا محالة وإنكم في بلاد عدوكم فإياكم أن تجبنوا أو تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وكونوا أعوانا على الحق وإخوانا في ذات الله وإياكم والتحاسد على الرياسة فإن الله يؤتي ملكه من يشاء من خلقه ويستخلف في أرضه من أراد من عباده». وبعد وفاته بويع أبو بكر بن عمر الذي قام بعد دفن عبد الله بن ياسين بتجهيز الجيش وحارب البورغواطيين حتى قضى عليهم و«محا أثر دعوتهم من المغرب وجمع غنائمهم وقسمها بين المرابطين وعاد إلى مدينة أغمات»، حسب تعبير الناصري.