قبل شهور قليلة فقط، كان بسطاء أهالي منتجع الوليدية الجميل لا يعرفون سوى القائد والدرك الملكي وسعادة «الرايس ديال الجماعة»... هذا الثلاثي هو من كان، حتى الأمس القريب، يمثل السلطة في منتجع شاطئي بسمات وضوابط قروية تتحكم فيها اعتبارات القبيلة والأصل والنسب وحتى اعتبارات أمنية، لوجود فيلات صيفية فاخرة لمشاهير العالم ولوزراء سابقين ولرجال أعمال معروفين. في الوليدية، كان الكل يحرس الكل والجميع يعرف أدق التفاصيل عن الزوار وأصحاب الفيلات... هنا الكل يعرف من اغتنى في سبع ليالٍ مظلمات، لمّا كانت سرقة الرمال تتم في صمت وفي حضن التواطؤ، والكل يعلم من اغتنى على جيوب المصطافين الذين كانوا يجدون في الوليدية جنة «الحشيش والكيف» المباح، والكل يعلم هنا أن أموال المخدرات والرمال هي ما حول الوليدية إلى تجزئات سكنية عشوائية بلا شبكات للتطهير. الوليدية العليا، حيث مقر القيادة والجماعة والدرك الملكي والسوق والأحياء السكنية الجديدة، تتحول في الصيف إلى مدينة مصغرة يتحكم فيها الازدحام والفوضى... هنا تجد وسيطات دعارة يأتين محمَّلات ببنات في عز شبابهن، يكفيهن بيت يتم كراؤه للغرض ذاته.. ويحصلن، خلال شهور الصيف، على مصروف جيب جد مُغْرٍ يكفي لشراء صمت السلطات، قبل أن يحولن الأحياء السكنية إلى ماخور للوجبات الجنسية السريعة... أما الوليدية السفلى، فهي مرتع البورجوازية، حيث الفيلات وكلاب الحراسة والفنادق والمطاعم الفاخرة التي تقدم فواكه البحر وأجود أنواع السمك. هنا، حيث أبناء «المْرفحين» يسوقون دراجاتهم المائية وسياراتهم الفارهة، فيما أبناء الوليدية وبناتها يطوفون في عز حر الشمس على الفيلات: يبيعون الخبز والجرائد والسمك، يجمعون بضعة دراهم لفصل الخريف والشتاء، وحتى شباب الوليدية من الطلبة يتحولون في الصيف إلى باعة للحلويات والمثلجات في الشاطئ، ليجدوا ما يصرفونه في بداية الموسم الدراسي على دراساتهم العليا. اليوم، هناك «جذبة» كبيرة تهز سكون الوليدية، فالناس الذين كانوا لا يعرفون من السلطة غير القائد و«الجادارْمية»، أصبحوا أمام عامل، بعد أن أُلحقت الوليدية بعمالة سيدي بنور، في التقسيم الترابي الجديد... حل العامل الجديد الذي لم يرض لنفسه السكن في سيدي بنور، حيث مقر عمالته، وحط رحاله بفيلا فاخرة وفخمة مطلة على البحر في الوليدية السفلى، تم بناؤها من المال العام، لتكون منزلا للضيافة وتابعة لولاية جهة عبدة -دكالة وعمالة الجديدة في السابق. أول ما قام به العامل الجديد هو منع الفتيات من بيع الخبز ومنع شبان المنطقة من بيع السمك وفواكه البحر وحتى «الفانيد»، منع بيعه للأطفال في الشاطئ... أصبح الناس هنا في عطالة لم يألفوها من قبل وأصبحوا أمام سلوك للسلطة لم يتعايشوا معه من قبل... ولم يفهموا، حتى اليوم، كيف أصبحت فتاة قاصر تعيل أسرتها خلال فصل الصيف، ببيع الخبز، مهدَّدة بخطر الاعتقال ومصادرة خبزها.. فيما تجار المخدرات يرخون أرجلهم في المقاهي ويبيعون ب«العلالي الرباطي ديالْ الكيفْ وقطبان الحشيشْ»، بلا خوف من الاعتقال ولا السجن أو المتابعة !... الظاهر أن المسؤولين الجدد على الوليدية لم يستوعبوا فلسفة التنمية البشرية... ويبدو -والله أعلم- أن بائعات الخبز وبائعي السمك أصبحوا، في زمن الوليدية الغريب، مجرمين تجند السلطة أفرادها وأعوانها لمطاردتهم، فيما تجار المخدرات يبيعون «الزطْلة» تحت سقوف المقاهي ومكيفات الهواء وشاشات «البلازما»، وهم يشاهدون «المونديال»، في أمن و أمان...