سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تينيت: إدارة بوش كانت تنتظر منا رأيا يورط العراق لتستطيع إقناع الشعب الأمريكي بالحرب كان الجميع في الإدارة الأمريكية يعتقد جازما بوجود أسلحة دمار شامل لدى صدام
إنه كالأخطبوط يمتد في كل أرجاء المعمورة. ارتبط اسمه دائما، ولاسيما في بلدان العالم الثالث، بالمؤامرات وتدبير الانقلابات وإشاعة الاضطراب والتخريب في البلدان التي تحكمها أنظمة سياسية لا تروق للولايات المتحدة. جهاز لعب دورا هاما إبان فترة الحرب الباردة في مواجهة الشيوعية والاتجاهات الاشتراكية والتقدمية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية عموما. إنه جهاز المخابرات الأمريكية (سي.آي.إيه) الذي يثير اسمه الخوف لدى البعض والفضول لدى البعض الآخر. جهاز كتب عنه الكثير والكثير، إلا أن الغموض والالتباس لا زالا يكتنفان جوانب عديدة منه، قد تكون أقرب إلى الحقيقة إذا ما جاءت من مسؤولين سيطروا على أعلى هرم الإدارة والإشراف والمتابعة عليه.إنها معلومات يكشف عنها كبير الجواسيس جورج تينيت، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الأمريكية، الذي ولد في 5 يناير عام 1953 في نيويورك من أسرة يونانية هاجرت من ألبانيا مسقط رأسها هربا من الديكتاتورية الشيوعية، وحصل على شهادته العليا في القضايا الدولية من جامعة جورج تاون بواشنطن في العام 1978، ليعين بعد ذلك موظفا في جهاز المخابرات السرية عام 1989، ونائبا لمدير جهاز المخابرات المركزية في العام 1995، ثم مديرا عاما للجهاز نفسه في العام 1997، وبعد ذلك الاستقالة المباشرة له من هذا الجهاز في إدارة بوش الابن عام 2004 بعد توجيه العديد من الاتهامات إلى إدارته بالتقصير والإهمال، خاصة بعد الهجوم الذي وقع على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. عبارة دارجة في بلاد العم سام قلبت حياتي كمدير مخابرات أمريكا رأسا على عقب وجعلتني أبدو للرأي العام الأمريكي والعالمي كأحمق، ولاسيما بعد أن صوروني أنهض من مجلسي وأقفز ملوحا بيدي في الهواء في حركة دراماتيكية قائلا: «سلام دانك» أو «الضربة المضمونة»، تلك هي العبارة التي قالت إدارة بوش إنني تفوهت بها لحسم الأمر ودفعت بها كذلك إلى جر البلاد إلى حرب العراق، بمعنى أنني أؤكد من خلالها امتلاك صدام لأسلحة دمار شامل. وهنا، لا أنفي أنني قلتها ولا أنفي اعتقادي بوجود أسلحة (مجرد اعتقاد لم أؤكده أبدا في تقاريري بل احتفظت به لنفسي)، لكن إدارة بوش سلختها من السياق لتشير إلى معنى آخر روجت له بين أوساط الأمريكيين والعالم ومررته بخبث إلى الصحافة، مما جعل صحفيا كبيرا مثل بوب وودوارد يستخدمها في كتاب شهير له كدليل إدانة ضدي. سلام دانك.. الضربة المضمونة فالكثير من الأمريكيين يعتقدون اليوم أن لحظة استخدامي لتعبير «الضربة المضمونة» Slam Dunk سلام دانك».. (تعبير مستعار من لعبة كرة السلة، حيث يجري تغطيس الكرة بقوة في السلة، وتعني بالدارجة الأمريكية «الضربة المضمونة والقوية والمحكمة» التي لا تصد ولا ترد) كانت اللحظة الفارقة التي أشعلت إصرار وتصميم الرئيس بوش على الإطاحة بصدام حسين وشن الحرب على العراق، لكن وعلى الرغم من أن هذا التعبير قد خرج مني بالتأكيد، فإنه قد نُزع من سياقه في افتئات على الحقائق والملابسات التي صاحبت لحظة النطق به، فلم يكن لهاتين الكلمتين ولا للاجتماع الذي نطقت فيه بهما في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في ديسمبر عام 2002 أي تأثير من أي نوع على قرار الرئيس إرسال القوات الأمريكية إلى العراق، فقرار خوض الحرب هذا كان قد تم اتخاذه بالفعل قبل هذا الاجتماع.. كان قد اتخذ فعلا في وقت سابق، خاصة إذا ما علمنا بأن هذا الاجتماع جاء بعد 10 أشهر على مطالعة الرئيس بوش لتفاصيل أول خطة حرب على العراق قابلة للتنفيذ.. بعد 4 أشهر على خطاب ديك تشيني، نائب الرئيس، أمام المحاربين القدامى والذي قال فيه: «لا يوجد شك في أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل..».. بعد 3 أشهر على إبلاغ الرئيس بوش الأممالمتحدة بأنه «يتعين على النظام العراقي فورا، ودون شرط أو قيد، أن يعترف ويكشف ويزيل أو يدمر جميع أسلحة الدمار الشامل والصواريخ بعيدة المدى وكل ما يتعلق بها».. بعد عدة شهور على بدء وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» إعادة توجيه الموارد المستخدمة في الحرب لنشرها في أماكن في الشرق الأوسط.. بعد شهرين على منح الكونغرس الرئيس بوش سلطة استخدام القوة ضد العراق وما يترتب عن ذلك من إجراءات.. بعد أسبوعين على إصدار وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أول أمر عسكري بنشر قرار خاص بإرسال قوات أمريكية إلى العراق.. لحظة ستيفنسون وكما يحدث في الغالب بالنسبة إلى هذه المسائل، فقد اختفى سياق كلامي ولم تبق منه سوى هاتين الكلمتين اللتين تم الذهاب بهما إلى أبعد مدى يمكن تصوره عن سياقهما الحقيقي الذي ذكرتهما فيه.. ودعوني أصف لكم المشهد الذي قلتهما فيه: في يوم السبت 21 ديسمبر 2002، ذهبت إلى البيت الأبيض لتقديم الموجز الاستخباراتي اليومي المعتاد، الذي كنت أقدمه إلى الرئيس ستة أيام في الأسبوع. ولكن في ذلك اليوم، كان هناك اجتماع إضافي تقرر عقده بعد هذا الاجتماع الصباحي. وكان مسؤولو مجلس الأمن القومي الأمريكي قد طلبوا منا في ال»سي.آي.إيه»، قبل أسبوعين ونصف الأسبوع، أن نبدأ في صياغة قضية يتم تقديمها إلى العامة ضد صدام، وتركز تحديدا على امتلاكه أسلحة دمار شامل واحتمال استخدامه لها. وعلى الرغم من أن هذا العرض أو القضية التي طلب منا تقديمها ضد صدام حدث أن استخدمها وزير الخارجية كولين باول في خطابه الشهير الذي ألقاه أمام الأممالمتحدة فيما بعد، فإنه لم يكن من الواضح في ذلك الاجتماع من هم «العامة» المستهدفون بما سنقدمه على وجه الدقة (كان تصورنا أن المقصود بالعامة هو الرأي العام الأمريكي والدولي)، فقد بدا لنا في هذا الاجتماع أننا سنقدم موجزا يمكن (فيما بعد) الإعلان عنه. وقد أوضح فريق العاملين بالبيت الأبيض، «ضباط أركان الرئيس»، في ذلك الاجتماع أنهم يبحثون عن «لحظة آدلاي ستيفنسون» (في إشارة منهم إلى عرض ستيفنسون الشهير أمام الأممالمتحدة إبان أزمة الصواريخ الكوبية.. وآدلاي ستيفنسون هذا كان منافس دواينت آيزنهاور في انتخابات الرئاسة في الخمسينيات والسفير الأمريكي في إدارة الرئيس الراحل جون كنيدي الذي وقف في المنبر نفسه الذي وقف فيه باول قبل حوالي أربعين عاما، وبالتحديد في 25 أكتوبر 1962 خلال أزمة الصواريخ الكوبية، ليدين ببراعة مواقع الصواريخ الروسية الجديدة في كوبا. ورغم أن الكوبيين والروس أنكروا، من جانبهم، وجود أية صواريخ وأن الأمر برمته لا يعدو كونه مجرد أكاذيب، فإن ستيفنسون كان بارعا في عرضه ومقنعا ومؤثرا للغاية، وأصبح الأمريكيون يضربون به المثل) وقد أبلغهم جون ماكلوغين في الاجتماع أن ما جمعناه من معلومات استخباراتية لا يلبي طلبهم. مشهد سينمائي كان عرض جون غير مقبول من طرف الحاضرين في الاجتماع، خاصة وأننا نفينا صلة العراق بعمليات سبتمبر والقاعدة وأسلحة الدمار الشامل، (الحقيقة أن أحدا في هذا الاجتماع لم يكن ينتظر منا أن نبحث في ما إذا كان صدام يمتلك أسلحة دمار شامل أم لا.. فكل من حضر الاجتماع، حتى رؤساء الأجهزة الاستخباراتية الرئيسية في الولاياتالمتحدة، كانوا يعتقدون بالفعل أن صدام لديه أسلحة كيماوية وبيولوجية، في الوقت الذي يعمل فيه على تطوير برنامج نووي). ولم يكن ما قاله جون جديدا بالنسبة إلى أي شخص كان يحضر ذلك الاجتماع. وربما كان الأمر الذي لم يكن من الممكن تفاديه في ضوء سقف التوقعات العالي للحاضرين هو أن عرض جون لم يحظ في بداياته بترحيبهم (اللقطة الأولى «قطع»)، ومع مواصلة جون لعرضه بدؤوا يتحولون إلى وجوه مكفهرة وعليها علامات الغيظ الشديد.. فقد كان ما قدمناه لا يناسب ذلك العرض المطلوب من جانبنا لتقدمه إدارة بوش إلى الشعب الأمريكي من أجل إقناعه بحتمية الحرب وكسب تأييد لها.. ذلك العرض الذي كان البيت الأبيض يبحث عنه وينتظر منا تقديمه. شعرت حينها بخيبة الأمل، لأنه كان بإمكاننا تضمين بعض المعلومات التي وردت في تقديرات المخابرات القومية في عرضنا، وشعرت أيضا بأننا أضعنا وقت الرئيس في تكرار ما قدمناه إليه من قبل بالفعل. ومع ذلك، فقد حيّا الرئيس بوش جون على عرضه قائلا: «حسناً. بروفة جيدة»، ولكنه أردف قائلا: «ولكن ما سمعته لتوي لا يحتمل أن يستميل الرأي العام، ويمكننا أن نضيف بعض التوابل إلى العرض بإحضار بعض المحامين المتمرسين في عرض القضايا بطرق ينجحون معها في استمالة المحلفين». والعجيب أن أحدا من الحاضرين لم يطلب منا، في أي لحظة أثناء الاجتماع، جمع المزيد من المعلومات للتأكد مما إذا كانت هناك فعلا أسلحة دمار شامل لدى صدام أم لا. وكما قلت، كان كل من حضر الاجتماع يعتقد أن صدام يمتلك فعلا هذه الأسلحة. وقد ينتقدنا البعض لأننا شاركنا في هذا الاجتماع الهادف إلى صياغة قضية لتسويقها للأمريكيين، ولكننا مع ذلك كنا حريصين على أن تكون معلوماتنا في هذا العرض متفقة مع ما نعتقد صحته، وألا تتضمن الكشف عن معلومات أو مصادر حساسة. ولهذا الهدف، قلت عندما سئلت عما إذا كانت لدينا معلومات إضافية أخرى لم نضمنها عرضنا (كنت واثقا من أن لدينا بالفعل) إن بإمكاننا الكشف عن معلومات واتصالات وإشارات اعترضناها وصور التقطتها أقمارنا الاصطناعية وتقارير من مصادر لمساعدة الرأي العام على فهم ما نعتقد صحته. وببساطة، فإنني لو كنت قد قلت «أنا متأكد من أننا نستطيع تقديم عرض أفضل» لما كتبت هذا الفصل من كتابي ولربما ما كتبت الكتاب بأكمله، ولكن وبدلا من ذلك أبلغت الرئيس بوش بأن تعزيز العرض ببعض المعلومات في الإطار نفسه الذي يرتكز عليه عرضنا ومناقشتنا آنذاك هو «Slam Dunk»، أي مسألة مضمونة، بمعنى أننا سنفعل ذلك فعلا، ولكن هذه العبارة سُلخت (فيما بعد) من سياقها هذا بالكامل، وأصبحت لعنة تطاردني على الدوام منذ أول مرة ظهرت فيها بكتاب بوب وودوارد «خطة هجوم»! مجرد عبارة للذهاب إلى الحرب ولكن من روى هذا المشهد (فيما بعد) لبوب وودوارد ليضمنه كتابه، رسم صورة كاريكاتيرية تثير السخرية لشخصي في الاجتماع كأحمق ينهض ويلوح بيديه في الهواء ويقول تيْنك الكلمتين تأكيدا مني على امتلاك صدام لأسلحة دمار وأن إدانته بهذه التهمة «ضربة مضمونة»، أي مسألة منتهية، وأن إدارة بوش تبنت خيار الذهاب إلى الحرب استنادا إلى عبارة «سلام دانك» التي تشير إلى معلومات استخباراتية قدمتها أنا مدير ال«سي.آي.إيه»، وهي المعلومات التي تبين لاحقا أنها خاطئة عندما لم يعثر الأمريكيون على أية أسلحة دمار عراقية.. وبغض النظر عن المصدر الذي استقى منه وودوارد معلوماته التي جعلتني أبدو أحمق، وبغض النظر عما إذا كان هذا المصدر رجلا أم امرأة، فإن ما تفوها له به ليست له أية مصداقية، كما أنه لا يلتزم الحقيقة، خاصة وأنني غالبا ما أحتدّ أو أنهض من مكاني أثناء حديثي ملوحا بيدي، فأنا وجون ماجلوغلين كنا نعرف جيدا بأن ذلك لم يحدث، لكن العبارة، من وجهة نظري، قد أسيء استخدامها دوليا، ومن هنا أسيء فهمي بالكامل من جانب الرأي العام وعلى أوسع نطاق.. راجعت أنا وجون ما جرى مرارا وتكرارا وسألنا ضابط آخر في ال«سي.آي.إيه» كان يجلس بجواري في المكتب البيضاوى أثناء الاجتماع في ذاك الصباح والذي كان يرافقني خلال اجتماعاتي الصباحية مع الرئيس لتقديم الموجز الاستخباراتي اليومي على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، فقال هذا الضابط: «أتذكر أنك قلت «سلام دانك» ولم تفعل أي شيء آخر، وكان تعقيبا سريعا مر مرور الكرام». وأضاف: «.. عندما نقارن بين ما جرى بالضبط وما تم تصويره، سنجد أن الأمر برمته لا علاقة له بما صوروه، وما قالوه حول الذهاب إلى الحرب استنادا إلى المعلومات المقدمة من الوكالة ليس بصحيح على الإطلاق»... لقد صبوا جمام غضبهم عليّ أنا شخصيا وكأنني كنت الرئيس المباشر للولايات المتحدةالأمريكية بعد فشلهم في الحرب على العراق وبعد تدهور الموقف الأمني هناك نهاية عام 2003، فبدل أن تعترف إدارة بوش بمسؤوليتها عما يجري، راح أعضاء إدارته يرددون على الدوام هذه العبارة «لا تلومونا.. صبوا لومكم على جورج تينيت وأعضاء وكالته الذين جرونا إلى هذا المستنقع». ولا يزال أعضاء بعينهم في إدارة بوش حتى يومنا هذا يرددون عبارة «سلام دانك»، ففي برنامج «واجه الصحافة» في العاشر من سبتمبر عام 2006، رد ديك تشيني، نائب الرئيس، على سؤال لمقدم الحلقة «تيم روسيرت» عن سبب الحرب بالإشارة إلى عبارتي «سلام دانك»، ولم يقلها مرة واحدة وإنما مرتين، وتخيل أنك كنت في حاجة إلى مجرد عبارة كي تتخذ قرارك بالذهاب إلى الحرب.