تربط شلومو بن عامي، وزير خارجية إسرائيل في عهد حكومة إيهود باراك، علاقة خاصة بالمغرب، خصوصا مدينة طنجة التي ولد بها وقضى بين أزقتها جزءا من طفولته قبل رحيله إلى إسرائيل، حيث شغل عدة مناصب وكان سفيرا لبلاده في مدريد طيلة سنوات. بن عامي هو «علبة أسرار» في بعض القضايا الخاصة بالمغرب أيضا، لكنه يتجنب الخوض في بعض القضايا مثل قضية تورط إسرائيل في عملية اغتيال المهدي بن بركة، وينفي ما راج عن مساعدة إسرائيلية للمغرب في بناء الجدار الرملي الذي جعل الرباط تحسم حرب الصحراء لصالحها، متعللا بأن الجدار لم يكن يتطلب تكنولوجيا خارقة للعادة حتى تحتاج الرباط إلى مساعدة تل أبيب. يتحدث شلومو بن عامي، في هذا الحوار الذي أجري معه في طليطلة، عن حزب العدالة والتنمية بإيجابية، ويرى أنه نموذج جيد للإسلاميين المعتدلين، مضيفا أن هذا الحكم لاعلاقة له بموقف رفاق سعد الدين العثماني من اسرائيل، مثلما أنه يعبر عن حب وتقدير كبيرين لشخصية الملك الراحل الحسن الثاني الذي قال عنه ذات يوم إنه لو أنشأ حزبا في إسرائيل سيفوز حتما في الانتخابات. وكان يمكن للحوار مع بن عامي أن يطول أكثر لولا أن طائرة كانت تنتظره ليعود رأسا إلى تل أبيب. - هل كان هناك تراجع في العلاقات المغربية الاسرائيلية بعض وفاة الملك الراحل الحسن الثاني؟ < ما شهدناه هو تحول في الموقف المغربي إثر الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهو التغير الذي ليس ناتجا بالضرورة عن وفاة الملك الحسن الثاني، وأعتقد أنه في هذه الحالة كان المغرب يسايرموقف غالبية البلدان العربية، وبطبيعة الحال فإن لهذا الأمر أهميته بالنسبة إلى إسرائيل بحكم أن المغرب كان دائما في الطليعة ويحتل مرتبة متقدمة في مجال تطوير علاقاته مع إسرائيل دون أن يؤدي ذلك إلى انسلاخه عن العائلة العربية، وفعلا كان المغرب يمتلك حكمة سياسية في علاقته مع تل أبيب، مكنته من لعب دور الوسيط الذي يجنح إلى تقريب المواقف، لكن كان هذا دائما متوازيا مع الحفاظ على مكانته في فلك المنظومة العربية. وبغض النظر عن هذا التحول الذي لمسناه بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية والذي مس غالبية البلدان العربية، أعتقد أن المغرب مازال يمثل بالنسبة إلى الإسرائيليين بلدا خاصا ويشعرون نحوه بكثير من الاحترام ويرون فيه خزانا لمشاعرهم المشتركة في هذا الصراع، لذلك لدي قناعة بأن المغرب يمكن أن يعود إلى لعب دور مهم في منطقة الشرق الأوسط. - ما هو تقييمك لحوالي تسع سنوات من حكم الملك محمد السادس؟ < ( يضحك)، أنا لا أتابع يوميا التدبير السياسي للملك محمد السادس، وانطباعي العام هو أن المغرب يتجه إلى طريق التنمية والتحرير الاقتصادي، وبالنسبة إلي، وبحكم التعاطف الذي أحمله تجاه الجهة الشمالية للمغرب، ففي الحقيقة يسعدني كثيرا أن يقوم الملك محمد السادس بجهود كبيرة من أجل تنمية هذه الجهة، فمدينة مثل طنجة عرفت تغييرا مهما بإنشاء الميناء الجديد، وعموما أعتقد أن هناك استقرارا وتغييرا تدريجيا، فالمغرب بلد بمستقبل واعد والأمور فيه تتطور بعقلانية كبيرة. - تردد كثيرا أن إسرائيل ساهمت في بناء الجدار الرملي خلال فترة الثمانينيات، ما هو دور إسرائيل في هذا المجال؟ < أنا أشك في أن المغرب كان محتاجا إلى مساعدة إسرائيل. - قل لنا فقط ما تعرفه باعتبارك وزير خارجية سابق لإسرائيل؟ < لا أعتقد أن إسرائيل تدخلت بأي شكل من الأشكال في قضية الصحراء التي تعد مسألة داخلية. - وبالنسبة إلى بناء الجدار الرملي في الصحراء؟ < لا أظن ذلك، فالجدار الرملي ليس تكنولوجيا مقتبسة من كوكب آخر ولا يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة، فالمغرب يمكن أن يشيده لوحده دون مساعدة خارجية، وفي ما يخص المشروع الذي تقدم به المغرب من أجل الحكم الذاتي في الصحراء. أظن شخصيا أنها مبادرة خلاقة وحقيقية يمكنها أن تفتح فضاء لم يكن موجودا إلى حدود الساعة، خصوصا بعد فشل مخطط بيكر وعدم قدرة مجموعة من الأفكار التي اقترحت في الدفع بالأمور إلى الأمام، وكذا مراوحة القضية لمكانها قبل ان تأتي الحكومة المغربية بهذا المشروع الذي يمكن أن يشكل أرضية جيدة للتفاوض بين أطراف النزاع. - هل نفهم من كلامك أن مسألة وجود دولة سادسة في منطقة المغرب العربي تعتبر أمرا غير واقعي؟ < طيب، بطبيعة الحال لدي آرائي في هذا الموضوع، لكنني لايمكن أن أخوض في شيء يمكن أن يمس بالسيادة المغربية، وما أود قوله هو أن المقترح المغربي بناء جدا، والأفكار التي يطرحها يجب تناولها بجدية من لدن أطراف النزاع. - تحدث الكثير من المراقبين والمؤرخين عن دور لإسرائيل في اغتيال الزعيم اليساري المغربي المهدي بن بركة، هل لإسرائيل فعلا علاقة بهذا الموضوع حسب رأيك؟ < لا، لا أريد الخوض في هذه القصة. - لكنك مسؤول اسرائيلي سابق في وزارة الخارجية، وأكيد أن لك بعض المعطيات التي ستوضح بعض الأشياء. < آسف، الحقيقة أنه لا يمكنني الحديث عن هذا الموضوع. - طيب، وكيف ترى باعتبارك مسؤولا اسرائيليا وجود أندريه أزولاي ضمن فريق مستشاري الملك محمد السادس؟ < بدأ أندري أزولاي عمله ضمن فريق مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني منذ بداية عقد التسعينيات، وأنا أعرفه شخصيا منذ سنوات طويلة، لذلك أعتقد أن أزولاي بطل حقيقي في صناعة السلام حتى قبل أن يصبح مستشارا للملك الراحل، فقد أسس في باريس جمعية للحوار والهوية التي كان لها دور مهم في فتح فضاء للحوار، وأظن أن يهوديته ومغربيته تتوافقان بشكل كبير في الدور الذي يلعبه في خدمة المغرب، مثلما أن وجود شخصيات يهودية في خدمة الملوك ليس شيئا جديدا في العالم العربي وحتى في أوروبا، لقد كان هذا التقليد حاضرا. - عملت فترة سفيرا لإسرائيل في مدريد، لماذا في نظرك تعرف العلاقات المغربية الإسبانية كل هذا التوتر بين الفينة والأخرى؟ < لقد كنت حاضرا في البرلمان الإسباني عند إلقاء رئيس الوزراء لويس رودريغيث ثباتيرو خطاب التنصيب عقب فوزه في الانتخابات، ولفت انتباهي أنه أشار في قسم السياسة الخارجية إلى بلدين بالاسم هما المغرب والولايات المتحدة، وأظن أن العلاقات بين المغرب واسبانيا مهمة جدا بالنسبة إلى البلدين بحكم تقاسم الجغرافيا والتاريخ والهجرة، لذلك فإن البلدين يستشعران معا الخطر بكون أي قرار خاطئ يمكن أن يتسبب في نتائج غير مرغوب فيها، وأظن أن البلدين تعلما هذا الأمر عبر الأزمات التي وقعت بينهما وعلى رأسها أزمة بيريخيل (جزيرة ليلى) صيف عام 2002، والتي خرجا منها بخلاصة تكمن في كون العلاقات بينهما أشبه بحديقة يجب رعايتها بحذر. - هل يمكن أن تكشف لنا عن الدور الذي قام به المغرب في التحضير لمؤتمر مدريد للسلام في بداية التسعينيات، خصوصا أنك كنت سفيرا لإسرائيل في إسبانيا خلال تلك الفترة؟ < نعم كنت سفيرا لإسرائيل في مدريد خلال تلك الفترة وحضرت اللقاءات، وبدون شك كان للمغرب دور في كل التحضيرات التي جرت لمؤتمر السلام، وشخصيا التقيت الملك الراحل الحسن الثاني سنتين بعد ذلك أي في عام1993، وتحدثنا عن إمكانية المفاوضات مع سوريا ومواضيع أخرى، ولمست الدور الأساسي للمغرب في جميع تلك الملفات. ولدي قناعة راسخة في كون الملك الراحل الحسن الثاني لعب دورا محوريا في إقناع ياسر عرفات بأن يشارك وفد فلسطيني لا ينحدر من النواة الصلبة لحركة التحرير الفلسطينية، بل من الساكنة المحلية، لذلك لا أشك في دور الحسن الثاني، خصوصا إزاء هذه النقطة بالذات. - ماهي الذكريات التي ما زالت عالقة بذهنك عن الملك الراحل الحسن الثاني بعد تسع سنوات على وفاته؟ < التقيت الحسن الثاني في عام 1993، وعدت بالانطباع أنه ملك حكيم ويمتلك معرفة عميقة بما يجري حوله، ووجدته رجل دولة حقيقي يعرف تفاصيل العلاقات الدولية وسافر كثيرا بشكل جعله يمتلك عددا غير محدود من القصص والنكت عن رؤساء الدول والحكومات، وكان مرتبطا بالمصالح المغربية الداخلية الأساسية، وفي الوقت نفسه منفتحا على العالم الخارجي، وفي ذلك اللقاء سمعت من الحسن الثاني لأول مرة أن المغرب يمر بفترة انتقال، وهذا هو الطريق الذي يسير على نهجه ابنه، وكان الحسن الثاني يمتلك حنينا كبيرا إزاء اليهود المغاربة واحتراما للوجود اليهودي في المغرب، لكونه اعتقد دائما أن وجود شعبين ساميين شيء يغني بلاده، لكنه بالمقابل كان يشعر بحزن لكون جزء هام من اليهود المغاربة غادروا المغرب، ومع ذلك لم يرد فقدان هذه العلاقة بغض النظر عن كونهم كانوا موجودين في إسرائيل. - لقد كان يحظى بتعاطف كبير داخل تل أبيب حتى إنه راج أن الحسن الثاني قال ذات يوم إنه باستطاعته تأسيس حزب في إسرائيل والتقدم للانتخابات؟ < (يضحك)، لا، أعتقد أنني أنا الذي قلت هذا الكلام، قلت لو أن الحسن الثاني خلق حزبا في إسرائيل فإنه سيفوز في الانتخابات.