حقق المغرب انتصارا كبيرا لأول مرة في الساحة الدينية الفرنسية، بفوز مغربي بمنصب رئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، منذ إنشائه عام 2003 ليكون المؤسسة الراعية لمصالح المسلمين في بلاد فولتير والمخاطب الرسمي للدولة الفرنسية. فقد فاز محمد الموساوي، عن«تجمع المسلمين الفرنسيين»، بنسبة 43.2 في المائة في الجولة الأولى من الاقتراع يوم 8 يونيو الجاري، متفوقا على «اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا»، الذي حصل على 30.2 في المائة، و«شبكة المساجد التركية»، التي حصلت على 12.7 في المائة، بينما قاطع المسجد الكبير في باريس، الذي يقوده دليل أبو بكر الرئيس السابق للمجلس مرتين، هذه الانتخابات. واعتبر الموساوي، في تصريحات ل«المساء»، أن حلول مغربي في موقع الرئاسة بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أمر طبيعي، لأنه «من الطبيعي أن يجدد المجلس قيادته»، وقال إن المجلس يمثل جميع المسلمين بفرنسا، «وكل الجاليات المسلمة لديها الكفاءة لاحتلال هذا المنصب». غير أن الموساوي تحاشى الحديث عن منافسة مغربية جزائرية على قيادة المجلس، بعد خمس سنوات من ترؤسه من قبل إمام جزائري، ونفى أن يكون الأمر مرتبطا بصراع من هذا النوع. وكانت جميع التحاليل، خصوصا في فرنسا، تسير في اتجاه تأكيد وجود نزاع بين الجزائر والمغرب على السيطرة على المجلس في الانتخابات الأخيرة. وقد دخل الموساوي هذه الانتخابات ببرنامج محدد، في سابقة أولى من نوعها يقوم بها مرشح لهذه المهمة. وقد شمل هذا البرنامج، الذي جاء تحت عنوان «من أجل إسلام لفرنسا»، مجموع المحاور الرئيسية التي ترتكز عليها حياة المسلمين في فرنسا، مثل الإمامة وتكوين الأئمة، والتواصل، والتعليم، والزكاة، والجانب القانوني والتنظيمي، والحوار بين الديانات، ومقابر المسلمين. وقال الموساوي، في مقدمة برنامجه الذي يقع في 80 صفحة: «نعم لإسلام مندمج في بيئته الثقافية الفرنسية والأوربية، معتز بجذوره الأوربية والمتوسطية والإفريقية والآسيوية والمغاربية. نعم لإسلام يضع حركته في إطار احترام قوانين الجمهورية الفرنسية». واعتبر الموساوي، في تصريحاته ل«المساء»، أن فوز مغربي على رأس المجلس الفرنسي يعد ثمرة لسياسة إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب، التي شملت الداخل والخارج. وحول آفاق عمل المجلس في المرحلة المقبلة، قال: «يجب أن يصبح المجلس أمرا واقعا ومسلما به ولديه استمرارية، وتجب الحيلولة دون تشتته وانهياره». وفي تصريحات للجريدة، قال حكيم غيساسي، المختص في شؤون الجالية المسلمة بفرنسا وأحد معدي وثيقة «89 اقتراحا من أجل فرنسا عادلة» التي وضعها المجلس الفرنسي للديانة عام 2003، إن انتصار المغرب اليوم نتاج عامين من تطبيق استراتيجية هيكلة الحقل الديني في المغرب، ووصف الفوز بأنه«انتصار سياسي كبير» يتحقق لأول مرة في تاريخ المغرب بفرنسا. وقال غيساسي إن»الإسلام المغربي أصبح ظاهرة بارزة في الساحة الفرنسية»، بعد تخليصه من التأثيرات الخارجة عنه والتي كانت تهيمن عليه في الماضي، وهو ما جعل المغاربة يصبحون اليوم قوة وازنة على المستوى الديني والسياسي في فرنسا. ويرى غيساسي أن فوز مغربي برئاسة المجلس اليوم يرجع إلى تكتل الجالية المغربية من أجل الحصول على موقع لهم في الساحة الفرنسية، وأن هذا التكتل حصل بفضل السياسة الدينية الجديدة للمغرب«التي أعادت الثقة إلى المغاربة بفرنسا والجالية المغربية في الديار الفرنسية»، مستدلا على ذلك بكون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أصبحت تخصص، في سابقة أولى، غلافا ماليا يقدر ب 11 مليون درهم سنويا لدعم الأنشطة الدينية للجالية المغربية، وتكوين الأئمة الذين كانوا في الماضي يقعون تحت إشراف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وأصبحوا اليوم تحت إشراف وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى الذي يقوم بتزكيتهم والمصادقة على إيفادهم.