أوربا المسيحية والشقراء التي كانت موزعة بين الكاثوليك والبروتستان، والجارة من ورائها مئات السنين من قهر الكنيسة وأضواء النهضة، حتى مجاعات الحربين العالميتين، إلى تجريب الديمقراطية وصناعة الاتحاد الأوربي بقوة اقتصادية وسيولة نقدية أفقدت أعصاب الدولار الأمريكي، هي نفسها التي استطاعت خلق إحدى أجمل وأروع المنافسات الرياضية العالمية التي ألهبت القلوب منذ سنة 1960. فبطولة أوربا للأمم التي انطلقت عام 1960 بإقصائيات شارك فيها 16 فريقا لكرة القدم فقط، هي نفسها التي تحولت إلى 52 بلدا خلال الدورة الحالية التي تعقد بسويسرا والنمسا، وهي نفسها التي كان من المستحيل حتى قبل سنين قليلة أن تجد لاعبا يحمل وسط أمتعته القرآن الكريم وهو داخل إلى مستودع اللاعبين في فريق السويد أو الدانمارك. كأس الأمم الأوربية التي تشغل بال الشعوب الإسلامية هذه الأيام من وسط مقاهي أحياء شبرا والحسين والسيدة زينب بالقاهرة حتى مقاهي درب السلطان ومديونة وبوركون بالدار البيضاء، هي نفسها الكأس التي كانت تجرى وسط شارات الصليب المسيحي بعد تسجيل كل هدف. اليوم هناك، حسب أرقام مباريات الكأس الأوربية، أكثر من 39 لاعبا أوربيا معتنق للدين الإسلامي ويحمل معه القرآن الكريم، وسط الميادين وبداخل مستودعات اللاعبين، ففريق فرنسا يضم لوحده أكبر تمثيلية مسلمة مشكلة من ستة لاعبين مسلمين هم: إيريك أبيدال، لاسانا ديارا، سامي نصري، كريم بن زاما، فرانك ريبيري، ونيكولا أنيلكا. من كان يعتقد خلال سنوات الحرب الباردة، لما كانت ألمانيا تنقل للمشاهدين المغاربة والعرب مباريات أوربا مترجمة إلى العربية الفصحى على لسان مستشرق أوربي، أنه سيأتي يوم تفتتح به مباريات الأندية الأوربية بقراءة الفاتحة وسط الملاعب، كما يفعل ذلك بفخر أمام عدسات الكاميرا اللاعب الفرنسي المسلم سامي نصري، فيما الصلاة جماعة تتم بمستودع الملابس قبل المباريات يؤمهم فيها «الحاج» أنيلكا الذي أدى عمرة في الديار المقدسة، ويستعد خلال السنة القادمة للقيام بحج إلى بيت الله. فغير بعيد عن المنتخب الفرنسي الذي يقدم وجبات مسلمة وحلال للاعبيه المسلمين، فإن السويد بدورها تتوفر على حارس مرمى مسلم لمنتخبها يسمى رامي صحبان، بجانب نجم أنتير ميلانو زلاتن إبراهيموفيك، المسلم البوسني، أما منتخب سويسرا فيضم لوحده ثلاثة لاعبين مسلمين من أصل تركي، فيما منتخب هولندا يضم بين أحضانه مغربيين مسلمين، بالإضافة إلى لاعب هولندي اعتنق الدين الإسلامي عن طريق زوجته بشرى المغربية، وحتى النمسا تتوفر على نصيبها الإسلامي بلاعبين من أصل تركي. أوربا الديمقراطية والكولونيالية سابقا، هي رمز قيم التسامح الثقافي والعرقي، وهي أيضا معقل العنصرية القاتلة، تلك العنصرية التي تذهب إلى حد مطالبة اللاعب الفرنسي سامي نصري بالكف عن توجيه يديه إلى السماء لقراءة الفاتحة وسط الملاعب، أو معاتبة النجم فرانك ريبيري على تأدية الصلاة قبل كل مباراة، أو إصراره على الكلام مع ابنته بالعربية، «على هؤلاء الكف عن الصلاة والدعاء وسط ملاعبنا، يكفيهم أنهم عمروا أوربا بالمساجد»، هكذا علقت فرنسية هذه الأيام بأحد مواقع الأنترنيت.