«ما الحُبُّ إلا َّلِلْحَبِيبِ الأَوَّلِ» أغنية «لحسين الجسمي» سأبدل آخر كلمة فيها لتصبح «ما الحُبُّ إلاَّ لِلْحَبِيبِ الأثْقَلِ» مع اعتذاري إلى حسين الجسمي الذي لا أعنيه بهذا الكلام، لأنني أقصد هنا الأثقل جيبا لا وزنا، مع الاعتذار أيضا إلى كل أصحاب الأوزان الثقيلة. هكذا فالحب اليوم لم يعد أعمى كما كان سابقاً بعدما تطوَّر طبُّ العُيون، ولم يعد «خبز وزيتون إلى جعنا» بعدما فتحت سلسلة مطاعم «الماكدونالدز، وكنتاكي، وبيتزا هت وبول برستيج... وغيرها، ولم يعد هدفُهُ الارتباط، أصبحت الغاية منه قطع تذكرتين في مؤخرة صالة السينما بعد إطفاء الأنوار، أصبح الرجل المُحِبْ ينعزل عن الناس كي لا ينشغل عن حبيبته ويخلص لها، أصبح الرجل إن أحبَّ امرأة تعرَّفَ على صديقاتها، وأصبحت المرأة لا تعجبها في الرجل رجولته وشجاعته وأخلاقه بل يعجبها جيبه وسيارته وأصدقاؤه. أصبح الحب يُغَيِّرُ معناه كما تُغَيِّرُ الأفعى جلدها، ويَتَلَوَّنُ كَتَلَوُّنِ الحرباء، تًَغَيَّرَ قاموسه ولم يعد الحبيب يناجي حبيبته باستعمال تعبيرات رومانسية رقيقة، أصبح المحب يخاطب حبيبته قائلا: -»تْوَحَّشْتْ دِينْ مُكْ» فترد عليه بدورها قائلة: -»حتَّى أنا تْوَحَّشْتكْ أولْدْ الحْرَامْ». ليتبادلا فنون السبِّ والشتم تعبيراً عن اشتياقهما لبعضهما، فلم يعد اللقاء بينهما تلك اللحظات المفعمة بالنظرات والاستحياء بعدما تحول المحب من ذلك الشخص الولهان الذي يُحَدِّث حبيبته عند لقائهما بهمس الكلام وحلوه إلى شخص عنيف، لكي يُعَبِّرَ عن حبه لها يضطر إلى النطق بكلمات نابية مستعملا يديه ورجليه لركلها وإشباعها ضربا لتلملم نفسها بعد ذلك عائدة إلى البيت فرحة مسرورة تستعيد ذكرى هذا اللقاء العنيف الذي تأكد لها خلاله مدى حب وصدق وغيرة حبيبها عليها. فهناك نساء تعشق الواحدة منهن الرجل العنيف الذي يمزح بين إشعارها بالدفء حينا وإسقاطها على الأرض بركلة واحدة حينا آخر. فلم تعد الحبيبة تلك التي كانت تغادر حبيبها متشبثة بفرحها، تتطاير من عينيها طيور اللهفة والشوق إثر ترامق العيون وتلامس الأيدي، تسرح والعالم كله طوع يديها من شدة الفرح وتأبى عيناها أن تناما، تطالب بالمزيد من الليل لتؤرخ للحلم في انتظار موعد جديد، أصبحت الحبيبة تعد لكل حبيب عدته ولكل ما يناسبه، فهي مع «ولاْدْ دَارْهُمْ» تصبح هي كذلك «بَنْتْ دَاْرْهُمْ» تتصنع الحشمة والحياء، وتتحول «لِبِيكُوصَا» مع أصحاب «الحَيْحَة»، وتكون رزينة ومعقولة عندما تكون أكثرية الحضور من هذا التيار، والمهم عندها فقط حركة التيار، فهي لا تسبح ضده مطلقا، بل إنها دائما معه، لأنها تؤمن بقانون المحيطات في هذه المسألة وتأخذها أمواجه إلى الشقق المفروشة بل رؤية الحبيب في المنام ودنيا الأحلام.