تلعب المكتبات العامة دورا مهماً في بناء الثقافة الإنسانية، وتنمية معرفة أفراد أي مجتمع إلى حدٍ القول بأنه لا يوجد علم أو معرفة حقيقية دون وجود المكتبات. إلا أن وجود بعض العوائق كضعف الخدمات المقدمة إلى الجمهور وعدم توفر المكتبات على جديد الإصدارات الوطنية والأجنبية يقف في كثير من الأحيان أمام تطور الفكر والتبادل الثقافي، مما يجعل مهمة المكتبة في التنمية الشاملة لأي مجتمع من المجتمعات، مهمة صعبة وتكاد تكون مستحيلة. توجد المكتبات في المغرب تحت وصاية وزارة الثقافة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية التي كان أطلق عليها سنة 1926 اسم «الخزانة العامة» والتي أعيد تنظيم المهام المنوطة بها برسم ظهير رقم 1.03.200 الصادر في 16 من رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 67.99، حيث جاء في المادة الأولى منه: «تطلق على «الخزانة العامة» المحدثة بموجب الظهير الشريف الصادر في 24 من ربيع الآخر 1345 (فاتح نوفمبر 1926) تسمية «المكتبة الوطنية للمملكة المغربية» التي تحتفظ بوظيفتها كمؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتخضع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية لوصاية الدولة التي يكون الغرض منها ضمان تقيد الأجهزة المختصة بهذه المؤسسة بأحكام هذا القانون، خصوصا ما يتعلق منها بالمهام المسندة إليها، والسهر بوجه عام في ما يخصها على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العامة. كما تخضع المكتبة الوطنية أيضا لمراقبة الدولة المالية التي تخضع لها المؤسسات العامة بموجب النصوص التشريعية الجاري بها العمل». وبالنسبة إلى كيفية حصول المكتبة على رصيدها من الكتب، الذي يبلغ 40.000 كتاب متاح للعموم، أوضحت المكلفة بالخدمات للعموم بالمكتبة الوطنية أن المكتبة تحصل على رصيدها من خلال المشتريات والتبادل مع مكتبات أخرى من دول عربية كمصر والأردن وتونس... وأجنبية كفرنسا وإسبانيا وألمانيا... إضافة إلى مجموعات مهداة من أساتذة ومثقفين كمحمد الحجوي، عز الدين العراقي، والتهامي الكلاوي وإدمون عمران المليح. أما بخصوص الفريق العامل بالمكتبة الوطنية، فيتكون من خريجي كلية علوم الإعلام أو من كليات الحقوق أو الآداب. وبالنسبة إلى الفئات التي ترتاد المكتبة، فهم طلبة الجامعات بالدرجة الأولى، حسب نفس المكلفة بالخدمات للعموم، يليهم الأساتذة ثم التلاميذ، كما تنضاف إلى هذه الفئات فئة جديدة ممثلة في متقاعدي المغادرة الطوعية الذين يقومون بالبحث من أجل البحث، حسب نفس المصدر، وليس من أجل اجتياز امتحان أو إنجاز بحث جامعي. وتحتل الكتب التي تتناول مواضيع حول التنمية البشرية والحكامة والإرهاب والبيئة المرتبة الأولى ضمن الكتب التي تجد إقبالا كبيرا وتطلب بشكل مستمر من طرف القراء، أما الكتب التي يمكن ألا توجد والتي ينبغي للراغب في الحصول عليها أن يملأ استمارة وينتظر، فتشمل مجالات التدبير والتسويق والموارد البشرية وقد لا يلبى طلب الباحث في هذه المجالات حيث في 60% من الطلبات لا تتمكن إدارة المكتبة من العثور على هذه الكتب. أما عن مدى انفتاح المكتبة على اللغات الأجنبية، فأبرزت المكلفة أن اللغة الفرنسية تحتل نصيب الأسد من الكتب الأجنبية مقارنة بلغات أخرى كالإسبانية أو الإنجليزية، كما قالت نفس المكلفة أنها لاحظت إقبالا شديدا في الآونة الأخيرة، على الكتب باللغة الإيطالية دون أن تدري ما السبب في ذلك. وبخصوص الفترات التي تعرف فيها المكتبة إقبالا خاصا، أوضحت المكلفة أن هذا الإقبال مقترن بفترات التحضير للأطروحات والبحوث الجامعية، وتبدأ من شهر أكتوبر وتستمر إلى غاية شهر ماي، أما خارج هذه الفترات فعدد المرتادين يتقلص بنسبة 70%. يتوزع الرصيد الوثائقي للتراث المخطوط بين مكتبات عامة وخاصة، منها: المكتبة الوطنية برصيد قدره 12000 مخطوطا، تليها الخزانة الحسنية بالرباط ب15000 مخطوط، وخزانة القرويين بفاس ب6000 مخطوط، وخزانة ابن يوسف بمراكش ب1840 مخطوط، والخزانة العامة بتطوان، وخزانة الجامع الكبير بمكناس. وهناك خزانات تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كخزانة تامكروت قرب زاكورة، والمكتبات التابعة لبعض الزوايا المنتشرة عبر أقاليم المغرب كخزانة أبي سالم العياشي قرب الريش، إضافة إلى مكتبات خاصة في ملك أفراد وعائلات كمكتبة محمد بنعزوز حكيم بتطوان. وأضاف نفس المصدر أن المخطوطات تشكل رصيدا ثقافيا ومعرفيا مهما يترجم تشبث المغاربة بتراثهم وبتاريخهم. وفي هذا الإطار، تقوم المكتبة الوطنية بتنظيم جائزة الحسن الثاني للمخطوطات ابتداء من 16 يونيو الجاري. وعن مدى حرص المكتبة على الحصول على الجديد من الإصدارات، أوضحت المكلفة أن هناك إيداعا قانونيا يلزم كل كاتب مغربي بمنح أربع نسخ للمكتبة، «أما بالنسبة إلى الكتب الأجنبية، فإننا نحرص على اقتناء الكتب من سنة 2000 حتى الآن فقط». وحول عزوف الجمهور عن ارتياد المكتبات بشكل عام وما إذا كان يعزى إلى تقليدية وضعف الخدمات المقدمة في المكتبات العامة، أوضح نفس المصدر أنه لا يوجد عزوف بمعنى العزوف لأن عدد المقبلين على المكتبة الوطنية مثلا قد يصل إلى 240 شخصا في الساعة الواحدة أثناء الفترات التي ذكرت، أي من شهر أكتوبر وحتى شهر ماي من السنة. كما أشارت إلى أن المكتبات بدأت تنفتح بشكل أكبر على حوسبة آلياتها بتحويل أعمالها الفنية والإدارية من يدوية تقليدية إلى آلية تقنية، وذلك من خلال توفير أجهزة حاسب آلي بملحقاتها وتصميم برامج معلوماتية مهمة، مما يبرز اهتمام المكتبات بعصرنة آليات اشتغالها. رغم التطور الملحوظ الذي شهدته المكتبات العامة المغربية في عملها وبنيتها التحتية خلال السنوات الأخيرة غير أنها مازالت تعاني من عدة مشاكل أبرزها ضعف الميزانية المقدمة من وزارة الثقافة، مما يدفع المكتبات إلى البحث عن روافد لمحتوياتها من خلال الهبات أو من خلال التبادل مع مكتبات عربية أو أجنبية، وكذلك ارتفاع سعر الكتاب محليا مقارنة به في دول أخرى حتى في ظل الدعم الحكومي للكتاب المحلي، مما يصعب جعل المكتبة تلعب دورا رياديا في إثراء الحياة الثقافية للمغاربة في شتى صنوف العلم والمعرفة.