جنرال تفضحه عيونه، لذلك كان يخفيها خلف نظاراته السوداء. كان يحرك زناد مسدسه أفضل مما يحرك أصابعه. اشتغل محمد أوفقير في عهد الحماية تحت قيادة الجيش الفرنسي وعرف عنه دهاؤه الكبير واستعداده لتصفية خصومه في أي وقت. هذه المزايا المرعبة أهلته لكي يتحول بعد الاستقلال إلى خدمة السلطان محمد الخامس، ثم كان من بين التركة الذي ورثها الحسن الثاني عن والده الذي توفي في ظروف مفاجئة. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عين أوفقير في مصلحة التوثيق الخارجي، التابعة للمستعمر، ثم قفز بسرعة إلى رئاسة الأمن الوطني بعد أربع سنوات من الاستقلال، وفي سنة 1964 أصبح وزيرا للداخلية ورقي إلى مرتبة جنرال، وجمع في يده كل السلطات في عهد الحسن الثاني. قفز اسم أوفقير إلى الواجهة بعد اغتيال الزعيم الوطني المهدي بن بركة في فرنسا في أكتوبر 1965، وهو الاغتيال الذي لا تزال الكثير من فصوله غامضة إلى حد الآن، أو ربما لأن الكثيرين لا يريدون الكشف عن التفاصيل لأنها ستكون صادمة. في 16 غشت 1972 قاد أوفقير محاولة انقلاب ضد الحسن الثاني باءت بالفشل. تلك المحاولة توفرت لها كل سبل النجاح، لكن «البركة» وقفت مع الحسن الثاني، والبركة لم تكن سوى أخطاء اعتبرها الانقلابيون بسيطة، فكانت مصدر هلاكهم. يومها اعترضت طائرات عسكرية الطائرة الخاصة للملك وهي فوق أجواء مدينة تطوان حين كانت عائدة من إسبانيا، ولم تسقط الطائرة رغم كل الرصاص الذي أصابها ونزل الملك بسلام وأعدم الانقلابيون، ومن بينهم أوفقير، الذي قيل إنه انتحر برصاصة في الرأس، وقال آخرون إنه «انتحر» برصاصتين في الرأس، وهذه من الخصوصيات المغربية في الانتحار. ظل أوفقير يقول إنه لا يد له في اغتيال بن بركة، وربما أقنع بذلك رفاق المهدي الذين يقال إنهم تعاونوا معه لاحقا من أجل إسقاط النظام الملكي. أوفقير، الذي ولد في عين الشعير بالمغرب الشرقي وشارك بحماس مذهل في الحرب العالمية الثانية، كان من المشاركين الأساسيين في مذابح شمال المغرب بعيد الاستقلال، أيام أمطرت الطائرات المغربية هذه المناطق بكثير من القنابل، ومن بينها قنابل النابالم المحرمة عالميا. كان جنرالا يشبه عود كبريت مشتعل باستمرار.