المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يكن متمردا، بل كان مقاوما أعطى دروسا في الكفاح لحركات المقاومة والتحرر في العام الثالث أيام سيادة الكولونيالية، لكن ذلك لم يشفع له في نظر المخزن، وأصبح ينظر إليه على أنه قاد أخطر تمرد على السلطات المركزية، وأعلن قيام جمهورية في منطقة الشمال. ومنذ أن انتهت تلك «الجمهورية» قبل أزيد من 80 عاما، ظلت السلطات لمركزية تنظر إلى منطقة الشمال بعيون فيها الكثير من التوجس، وهو توجس جعل هذه المنطقة عرضة لمذابح حتى في عهد الاستقلال، أشهرها انتفاضتا 1958 و1959، والتي لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني يتردد في الافتخار بالدور الذي قام به خلال تلك الفترة، وأعلن في خطاب تلفزيوني موجه إلى «شعبه العزيز» أن على سكان الشمال «ألا ينسوا ولي العهد»، في تذكير ضمني بتلك الانتفاضات والشراسة التي ووجهت بها. محمد بن عبد الكريم الخطابي لا يزال إلى اليوم دفين العاصمة المصرية القاهرة، واستعادة رفاته مسألة فيها الكثير من الجدل، ليس فقط لأن النظام يتحفظ على ذلك ويرى أن شبح الجمهورية سيخيم من جديد على المنطقة، بل لأن أفرادا من عائلة الخطابي وسكان كثيرون في المنطقة يرون أن الأسباب لم تتهيأ لذلك. الخطابي الذي يتهمه المخزن بقيادة حركة تمرد للانفصال عن السلطة المركزية، هو الذي كان في القاهرة واحدا من أبرز دعاة تحرير المغرب من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وهو الذي دعا إلى توحيد بلدان المغرب العربي، وهو الذي كان رقما قويا في معادلة ثورة الشعوب العربية وكل الشعوب المستعمرة والمستعبدة ضد الاستعمار وعملائه وخدامه. بعد رحيل الحسن الثاني، أبدى العاهل الجديد رغبة ملحوظة في التصالح مع منطقة سمى والده سكانها يوما «الأوباش». هكذا زار محمد السادس معقل ابن عبد الكريم في أجدير، وسكن في خيمة في ضواحي الحسيمة بعيد الزلزال الذي ضرب المنطقة قبل خمس سنوات، وتحولت مدينة طنجة، التي كان والده يزورها سرا أو من وراء حجاب، إلى مقر شبه دائم له، خصوصا في فصل الصيف. لكن هل غابت اليوم أشباح التمرد في المنطقة إلى الأبد، وهل أصبحت السلطة المركزية ومنطقة الشمال سمنا على عسل؟ في الظاهر يبدو ذلك، لكن بواطن الأمور ربما لا تزال تخفي أشياء أخرى.