في مراكش تسود اليوم فتنة اسمها الجري وراء المال.. والسبب أن هناك تجارب حية لأناس كانوا يمتلكون أراضيَ في الثلث الخالي لا تصلح سوى لأخذ صور تذكارية مع التصحر والجفاف قبل أن ترى فيها رؤوس الأموال الداخلة على المدينة من منافذ عدة.. جنة شداد بن عاد الذي أراد أن يبني في مدينة إرم ذات العماد الجنة الموعودة لكن على الأرض قبل 5 آلاف سنة من الآن. وحدهم أطر ومستخدمو فروع البنوك المغربية مع الموثقين بمراكش من يعرفون حق المعرفة حجم السيولة المالية التي سبحت فيها المدينة الحمراء خلال «سبعيام ديال المشماش» لما كانت البقع الضيقة التي لا تتجاوز 200 متر مربع وسط كًيليز تباع بثمن عشرات الهكتارات، ولما كانت الشقق الفاخرة تباع عن آخرها بملايين الدراهم على التصاميم قبل حتى أن تنطلق الأشغال ويأتي «الطاشرون» مع بنائيه. فقبل سنتين فقط كان الناس يصطفون في الطوابير أمام مكاتب الموثقين وأبواب الوكالات البنكية لسحب الأموال الطائلة للشراء أو الإيداع بعد عمليات بيع خيالية أو لتسلم قروض مالية مغرية كانت توزعها البنوك في مراكش على الأثرياء كما توزع «الحريرة» في رمضان على الفقراء.. أما اليوم فقد اختفت الطوابير ودخل بعضهم موسم «نشان الذبان»، فيما البقية التي تعرفونها هي أن مراكش نامت واستيقظت على ظهر بشر وافد لا يستحم إلا ب«الجاكوزي» ولا يقلم أظافره كباقي المغاربة بالمقص وإنما يفعل ذلك في صالون خاص بالتجميل بمئات الدراهم وتحت شرط أن تأخذ موعدا مسبقا. أتذكر هنا، وأنا أتابع حلقات جنون الثراء بمراكش، ما قاله ذات يوم ألبيرت إنشتاين، واضع نظرية النسبية في الفيزياء النظرية، من أن «الجنون هو أن تفعل الشيء مرةً بعد مرةٍ وتتوقع نتيجةً مختلفةً، وأن الشيئين اللذين ليست لهما حدود، هما الكون وغباء الإنسان.. مع أنني لست متأكدا في ما يخص الكون».. فمراكش أصبح بها جنون وغباء الاستهلاك بإسراف حتى تحول إلى سباق جنوني نحو فتنة إعلاء الثراء وإظهاره.. ففي زمان ما، تنافس أهل مراكش الأولون على العلم والشعر والفقه والآداب والفنون والعمارة الإسلامية، وحفدتهم ينافسون بعضهم اليوم على سيارات ال«بورش» وصالات «الصونا» و«البرونزاج» الاصطناعي ولم يتبق لهم حتى الوقت لتقليم أظافرهم بأنفسهم ولا يخجلون من تمديد أصابع أرجلهم الوسخة بين أيدي شابات لم تصنع لهن إجازاتهن العلمية شيئا واكتفين، في ظل قسوة الزمن وعدم تساوي الحظوظ، بأن يقلمن أظافر من كانوا، حتى نهاية التسعينيات، يطوفون بالأغنام حفاة الأقدام في محيط المطرح البلدي. ليس بغريب اليوم أن تجد في الجرائد الإشهارية المجانية، التي توزع مع «الكرواصة» في كًيليز، مئات الإعلانات غير المراقبة لمن يقدمون خدمة التدليك بالبيت أو ما يسمونه بالفرنسية «ماساج أدوميسيل»،.. لكن في واقعنا المغربي ليست هناك ضمانات بشأن ما قد يحصل بين الزبون أو الزبونة مع المدلك أو المدلكة.. كما أن الأغرب هو أن التدليك بمراكش أصبح مهنة على الموضة لبعض الفتيات بامتياز بعد أن غيرن المهنة من فنانة إلى «ماسوز». أن تجد بمراكش في جنونها الحالي أثرياء يقومون ب«المانيكير والبيديكير» لأظافرهم أو ب«البرونزاج» أو«الماساج أدوميسيل».. أهون من أن تراهم يحملون كلابهم وينتظرون دورهم في صالون لحلاقة الكلاب بكًيليز..