قصة غريبة هي أقرب إلى الخيال، بل تتعداه، لكن أسرة الضحية تصر على أنها الحقيقة التي لا تشوبها شائبة، وتتمسك بالأمل الذي قد يشفي غليلها، ويرد الاعتبار إلى ابنتها التي فقدت عذريتها، جراء اغتصاب وحشي، تقول إنها تعرضت له عندما كانت تشتغل خادمة لدى عائلة معروفة بنفوذها وجاهها ومالها بإقليم وزان. جلست هناك، عند زاوية قاعة الانتظار بمركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف، تارة تداعب رضيعتها، وتارة أخرى تتفحص وجوه من يجلسن بالقرب منها، ممن ينتظرن الاستفادة من الاستشارات القانونية التي يقدمها هذا المركز مجانا. جسمها النحيل، الذي تكاد لا تجد له أثرا وهي مرتدية جلبابا تقليديا، وبراءة تصرفاتها يوحيان بأن سنها أصغر بكثير مما هو مدون في الأوراق الرسمية. كان واضحا أن لبنى احميمن تخفي وراء نظراتها معاناة مريرة، تكشف عنها أحيانا الدموع التي تفيض من عينيها، في مشهد تأثر له الجميع، اقترب الأب منها، مربتا على كتفها في عطف، وقال بنبرة حزينة: «الله ياخذ الحق في الظالم اللي كان سباب». وما هي إلا لحظات حتى حان دور لبنى لسرد تفاصيل اغتصابها، وما تلا ذلك من اعتداءات متكررة، اتهمت مشغلها وأبناءه بالوقوف وراءها، كان حينها الأستاذ جلال، المحامي بهيئة القنيطرة، يدون ملاحظاته ويبادر، من حين إلى آخر، إلى السؤال والاستفسار لتسليط الضوء على غموض اكتنف بعض الأحداث، قبل أن ينهي هذا اللقاء متعهدا بمتابعة الملف قضائيا. تقول لبنى، بعد أن قبلت فتح قلبها ل«المساء» والبوح بما يخالجها من آلام ومآس: «اشتغلت، تحت وطأة الفاقة والحاجة، كخادمة عند أحد أعيان الدوار الذي أقطنه، لأعيل أسرتي الفقيرة. كنت حينها حريصة على أن أنال رضى أهل البيت، ولاسيما أن صاحبه كان فقيها وإماما لمسجد المنطقة، ولم أكن أتصور أبدا أن ألقى منه هذا الجزاء». سكتت الفتاة برهة، ثم واصلت حديثها: «في إحدى ليالي أكتوبر من عام 2008، كنت غارقة في نوم عميق، بعد يوم عمل مضن، حين فوجئت بغريب يقتحم علي غرفتي، حاولت إنارة المكان، لكن يدا خشنة أمسكت بي، ومنعتني من تبديد الظلام، إذاك أدركت أنه مشغلي الحاج، لم أفهم في بداية الأمر سر مجيئه إلي في هذا الوقت المتأخر من الليل، حاولت معرفة سبب اقتحامه عليّ غرفتي ووصوله حتى مضجعي، لكنه لم يمهلني وقتا للاستفسار، إذ سرعان ما انقض عليه وشرع في نزع ملابسي مستعملا القوة، ورغم صرخاتي وتوسلاتي وبكائي الشديد فإنه لم يأبه لذلك، ووضع يده على فمي لإجباري على السكوت ثم واصل إشباع غريزته بكل عنف، ولم ينصرف إلى حال سبيله إلا بعدما افتض بكارتي، واعدا إياي بالزواج، رغم رفضي له، لطمس معالم جريمته». أصيبت الخادمة بصدمة شديدة جراء هذا الاعتداء، وتملكها خوف شديد مما تحمله لها الأيام القادمة. كانت تنتظر فرصة مغادرة منزل مشغلها لتبوح لأسرتها بما وقع لها، لكن المتهم أوصد جميع الأبواب في وجهها، وظل يرصد تحركاتها، ولم يتركها تغيب لحظة عن مراقبته، في وضع أشبه بالاحتجاز أو الاعتقال، قبل أن يعاود فعلته، حسب ما جاء على لسانها، مستعملا الأساليب الوحشية نفسها، والتي وصلت هذه المرة حد التهديد بالقتل. وكان هذا الاعتداء الجنسي الأخير من نوعه، بعدما شاع الخبر بين أبنائه، وشرع بطن الخادمة في الانتفاخ، رغم أنها لم تنتبه هي نفسها إلى هذا الأمر، لصغر سنها وجهلها التام بأعراض الحمل وعلاماته. تحكي لبنى، وهي تحمل بين يديها طفلتها التي لم تكمل بعد شهرها الثامن، ما جرى في محاولة لمداراة الجريمة قائلة: «كانت البداية، ترحيلي إلى مدينة الدارالبيضاء، للاستقرار لدى سيدة هناك، ومحاولة تزويجي من شخص أجهله بالمرة، لكنني رفضت رفضا قاطعا، فظللت أعيش بهذا المنفى مجبرة، حيث كانت هناك محاولات عديدة لإجهاضي عبر تعنيفي، وضربي بالقوة على مستوى البطن، وسبي وشتمي، ومع ذلك بقيت صامدة في وجه مخططاتهم، وما هي إلا أيام حتى تم إرجاعي إلى مدينة جرف الملحة بإقليم سيدي قاسم، بعدما علم أبي بخبر اغتصابي واختطافي، حيث أشعر وكيل الملك لدى ابتدائية وزان بهذه الواقعة، وقام درك عين دريج بالتحقيق في الموضوع دون أن يسفر ذلك عن اعتقال الجناة». عدم اعتقال المتورطين في الأفعال المذكورة أعلاه، تقول الخادمة، فتح الباب على مصراعيه أمام تعرضها لجرائم أخرى أكثر بشاعة، بينها احتجازها مجددا بمنزل آخر وتعرضها للنصب والاحتيال، وفق ما صرحت به، بعد إجبارها، وهي حامل، على وضع بصمتها على عقد زواج، أشرف عدلان على إنجازه في الثانية بعد منتصف ليل أحد الأيام، دون أن تدري أنها أصبحت في عهدة شاب يعمل بمقهى ابن الحاج المتهم. بعد مرور أربعة أيام فقط، اشتد بلبنى المخاض، فحملت على سيارة الجماعة إلى مصحة جرف الملحة، ومنها إلى المستشفى الإقليمي بسيدي قاسم، لكنها وضعت مولودتها قبل الوصول، حيث تم إرجاعها إلى مكان الاحتجاز، وانتزعت منها رضيعتها بمبرر مباشرة إجراءات تسجيلها في دفتر الحالة المدنية، والحال، تؤكد المشتكية، أن الأمر كان مجرد خدعة، حيث تم بيع طفلتها إلى امرأة أخرى، سبق أن تم استدعاؤها من طرف الدرك الملكي، وهو ما جعلها تنتفض بقوة وتخرج عن صمتها لمقاومة الظلم الذي قالت إنه سلط عليها وأفقدها حلاوة الحياة والعيش الكريم. فكان أن طرقت جميع الأبواب، وحررت العديد من الشكايات.. لاقت تجاوبا من لدن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومركز النجدة بالقنيطرة، في انتظار أن تنضاف إلى اللائحة هيئات مدنية أخرى لها الاهتمام نفسه. القضية اتخذت الآن منحى آخر، بعدما أمر نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، الثلاثاء الماضي، الضابطة القضائية بفتح تحقيق بخصوص الشكاية التي تقدمت بها الخادمة لبنى احميمن، القاطنة بدوار البغال السفلى التابع لجماعة سيدي بوصبر بوزان، ضد مجموعة من الأشخاص تتهمهم بالاغتصاب والاختطاف والاحتجاز والتعنيف وتزوير وثائق عقد الزواج، والاستماع إلى كافة الأطراف للكشف عن الملابسات الحقيقية لهذا الملف.