إلى معلومة بنت ميداح حينما استضافت القناة الثانية فنانة موريطانيا الأولى «معلومة بنت ميداح» في أحد البرامج الغنائية.. استغربت، بل فوجئت أن تظهر أخيرا «معلومة» على قنواتنا وفوجئت أكثر حينما أخبرها منشط البرنامج بأن المغاربة لا يعرفونها، كان منبهرا بها وبالعرض الذي قدمته بالداخلة، لكنني كنت أرغب في أن أوقف البرنامج وأقول لها حقيقة أخرى يجهلها.. أننا نعرفها ونعرفها جيدا وتتبعنا مسيرتها ونضالاتها واستمتعنا بموسيقاها وحفظنا بعض أغانيها، وأن المغاربة في الصحراء يتبنونها ويشعرون بانتمائهم إليها أكثر من بعض الأشكال الموسيقية المغربية، وأنه من « الطبيعي» ألا يعرفها المنشط الشاب الذي وجد أن لباسها وشكلها «التقليدي» لا يعبران عن موسيقاها الحداثية العالمية، كونها ملتحفة بثوب الصحراء. وحينما غنت في «استوديو دوزيم» سحرت كل من رآها بوقفتها الشامخة وصوتها القوي وأدائها المتميز وحركاتها الراقية، أما موسيقاها فتصنف ضمن ما أصبح يعرف ب«إيقاعات العالم» أو«موسيقى العالم»، مزيج رائع من الموسيقى الحسانية الصحراوية والبلوز الأمريكي والإيقاعات الإفريقية، لتخلق معلومة ثورة في الموسيقى الموريطانية والصحراوية وليكتشفها كبار المنتجين العالميين، لتدخل العالمية من بابها الواسع بثوب صحراوي جميل يغطي شعرها وجسدها، وبجسد شامخ وصوت قوي عميق ومؤثر، وبثقافة وحضارة وتراث متجدد جعلها سيدة الصحراء بدون منازع، تجوب أرقى المنصات العالمية والمسارح والمهرجانات والمواعيد الفنية التي تشكل حلم أي فنان. غنت «معلومة» أغنيتي «تاي» و«كازابلانكا» لتعطي لكل مسؤولي «استوديو دوزيم»، مشاركين ومنظمين ولجنة، درسا في الموسيقى وفي الفن وفي الانتماء والهوية، وقدمت جوابا واضحا لكل هؤلاء الشباب الذين يقدمون نسخة باهتة لفناني الشرق والغرب، حتى إن إحدى الفائزات بدورة سابقة والتي «استولت» عليها قناة «روتانا»، حينما عادت لتغني من حيث انطلقت قدمت أغنية لبنانية، قلبا وقالبا، كأنك ترى نانسي أو الزغبي وليس «حسناء زلاغ» التي اكتشفها برنامج هدفه البحث عن جيل جديد «ينقذ» الموسيقى والأغنية المغربية. لذلك من الطبيعي أن يفاجأ كل هؤلاء الشباب بامرأة جميلة ملتحفة تغني الطرب الحساني على إيقاعات البلوز، تنصحهم بأن يكون لهم هدف، وبأن تكون لديهم رسالة، وبأن يغنوا لقضايا بلدهم، وما لا يعرفونه أيضا أن سيدة الصحراء عضو مجلس الشيوخ الموريطاني، أي أنها قادمة من قبة البرلمان بعد سنين من المنع والاضطهاد بسبب أغانيها السياسية الملتهبة عن الفقر والرشوة والاستغلال والعنصرية وعن وضعية المرأة. «فوجئت بنفسي على منابر السياسة، إذ إن ريبرتواري الغنائي السياسي كان بمثابة حملة دائمة مفتوحة، وليس حملة موسمية.. إذ لولا النضال بالموسيقى ما كنت وصلت إلى النضال بالسياسة»، كما قالت معلومة. الجميل في هذه المرأة الثائرة هو التجديد الذي أحدثته في الموسيقى الحسانية والتراث الصحراوي، والبحث المعمق في الأصول والكلمات والأشعار، تكتب وتلحن وتغني وأحيانا تعزف وتمزج إيقاعات وأصوات لتخلق شكلا غنائيا استثنائيا رائعا خاصا بها، حتى أصبح كبار الفنانين يطمعون في عمل ثنائي معها، فيما هناك أغان لها تدرس بمعاهد موسيقية فرنسية ودولية. ما لم نستوعبه نحن بعد هو أن الحرب التي يجب أن نخوضها الآن هي حرب فكرية وفنية وإعلامية، فدفاعنا عن صحرائنا هو دفاع عن ثقافتنا وهويتنا وعن تراث متجذر قابع هناك، وغياب الفنانين الصحراويين الحقيقيين وتغييب الطرب الحساني عن برامجنا ومهرجاناتنا -إذا ما استثنينا مهرجان «تيميتار»- وغياب سياسة منفتحة تستغل وتطور وتوظف وتجدد كل الأشكال الموسيقية المغربية، سيجعلنا دائما تائهين ننتج مسخا للموسيقى العربية وتكرارا مملا لأغاني الرواد والمجموعات الفنية. لقد علقت «معلومة» في آخر كلمة للمغاربة قائلة: «سعيدة بهذا اللقاء الذي تأخر.. تأخر كثيرا». وأنا أسألها: «ونحن متى كنا في الموعد؟؟».