يفكك عبد الجليل ناظم، ناشر دار نشر توبقال المغربية، طبيعة مشهد النشر في المغرب، ويصفه بالمشهد الهش المفتقد لرؤية عميقة، بينما يرى أن سياسة دعم الكتاب المنتهجة من قبل الوزارة لا تؤدي إلى الفاعلية المطلوبة ما لم تطور آليات عملها وتتحول إلى مشروع اجتماعي يتوجه إلى المجتمع وإلى القارئ المغربي بكل فئاته الاجتماعية وبكل لغاته، كما يتأسف لغياب اتحاد ناشرين مغاربة، مما يضيع الفرصة على العاملين في القطاع في التعبير عن مصالحهم وتطوير أدائهم المهني. - هل تعتقد أن سياسة دعم الكتاب المنتهجة من طرف وزارة الثقافة قد حققت ما تريده، أم إنها ضاعت في السراديب؟ < في الواقع كان الهدف المعلن من طرف وزارة الثقافة من خلال سياسة دعم الكتاب هو الذهاب أبعد من مجرد إصدار كتب إلى محاولة جعل الدعم مشروعا ثقافيا كبيرا، من خلال تدعيم القارئ وجيب القارئ وتشجيعه على اقتناء الكتاب المغربي، هذا هو الهدف العام، وأنا معه من الناحية المبدئية، لأنه يريد إحلال القراءة في المكان المناسب، أي جعلها مسألة وطنية لا جدال فيها. غير أني أقول مع كامل الأسف إن هذا الرهان المعلن لم يتحقق، لأن فلسفة الدعم كان من المفترض أن تكون قوية وأكثر جذرية من هذا وأن تذهب في اتجاه ترسيخ بنية الإنتاج الثقافي، أي كطيف نجعل من هذه البنية بنية قادرة على الاستمرارية وعلى الصمود، وبالتالي أقول إنني لست مطمئنا لفلسفة النشر كما هو عليه الحال الآن، طالما لم نصل إلى مستوى الدعم الشامل للكتاب الذي تردد الناشرون في طبعه. - من الناحية العملية، هل نجحت سياسة دعم الكتاب في حل جزء من مشاكل القراءة والنشر في المغرب؟ < أعتقد أن هناك فرقا بين الأقوال وبين الأفعال، فحتى قانون دعم هذا الكتاب لم يسلم من مناقص الشروط «الموضوعية» من قبيل الاشتراطات الموضوعة في نص القانون، وهي شروط إيجابية تذهب في اتجاه صون حقوق الناشر وحقوق المؤلف، لكنها مع ذاك وفي ظل الارتباك الحاصل تتحول إلى عوائق. لقد لمسنا مثلا، نحن في دار توبقال، من خلال تجربتنا مع وزارة الثقافة تراخ في آليات الدعم، وعدم وضوح، بل وإجهازا أحيانا على الحق باسم تطبيق القانون، بدعوى مثلا عدم التزام الناشر تحت طائلة التقادم، وهذا ينطوي على تناقض كبير وجوهري يصيب سياسة دعم الكتاب في مقتل. - ولكن لا جدال في الحفاظ على حقوق المؤلف؟ < بالفعل، إن حقوق المؤلف يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وإنه لا مجال للنقاش في هذا الموضوع، ونحن في توبقال من الأوائل الذين دافعنا عن أهمية هذا الحق حتى تتحول علاقة الناشر بالمؤلف إلى علاقة ترابطية أكثر منها علاقة انفصالية، فهي محكومة من جهة بعقد واضح ومدقق، ومن جهة ثانية لها القابلية الفورية للتنفيذ مثل كل العقود، فالعقد شريعة المتعاقدين، وفي توبقال، نحن في أشد الحرص على أن نوفي الحقوق لأصحابها، ولا تمر سنة دون أن نصفي كافة التزاماتنا تجاه الكتاب والمؤلفين الذين تتعامل الدار معهم. - هل نتوفر في المغرب على مفهوم الناشر كما هو متعارف عليه لدى تجارب عربية وأوروبية؟ < مهنة النشر في المغرب مرت من فترات انتقالية، ذلك أنه ولتحولات مست جوهرالمغرب الثقافي، ظهر نوع من اللبس ومن الغموض في مهنة الناشر، وفي من هو الناشر وما هي مواصفاته، فهناك المطابعي والمكاتبي اللذان تحولا أيضا إلى ناشرين، في مغرب لم يكن يطبع بل يستهلك، ووقع الوعي في مغرب السبعينات، وهي فترة حاسمة، بضرورة الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج. مع جيل السبعينات الجامعي وقع التفكير في الناشر بالمعنى العلمي، حيث دخل مثقفون إلى مجال النشر، كما هو الأمر في حالة توبقال، وأصبح الناشر في هذه الحالة مبادرا ثقافيا، وهي فترة كان عليها أن تمضي في اتجاهين: إما احتراف النشر أو التخلي عن النشر والرجوع إلى المواقع الأصلية. غير أني أقول إن هذا التداخل أصبح وما يزال ضروريا، لأنه لم يقع تحول على مستوى اهتمام الدولة بالمسألة الثقافية. - هل يمكن لأسلوب الدعم المتبع من قبل وزارة الثقافة والذي يمنح دعما على مشاريع كتب أن يرفع من سوية النشر في البلاد؟ < أعتقد أن قرار الدعم على المستوى الشكلي هو أمر إيجابي، لكن ينبغي الذهاب أبعد من ذلك، وألا تظل الوزارة واقفة عند هذا الحد ومكتفية بتوزيع مبالغ سنوية على ناشرين قدامى أو جدد. وبالتالي لا بد أن يكون الدعم واضحا في الأمور التالية: لا بد من تدعيم الكتاب المغربي، أي الكتاب الصادر في المغرب وليس كتابا آخر يصدر في القاهرة أو في بيروت، حتى وإن كان هذا الكتاب لمؤلف مغربي. كما يجب ألا يعزب عن أذهاننا انه ما لم يساهم الدعم في إيجاد أرضية صلبة لقطاع النشر وفي خلق دورة إنتاج كاملة فإن أثره سيكون معدوما في كل حال، زيادة على أنه حين ندعم الكتاب فإننا ندعم القارئ وجيب القارئ من خلال خفض تكلفة الكتاب، وبالتالي نكون قد دعمنا بشكل أو بآخر بنيات القراءة السفلى في المغرب. ثم إن الدعم يجب أن يكون مربوطا بتبسيط المساطر وليس بتعقيدها كما هو الحال الآن، حيث تحول مساطر إدارية دون بلوغ الجدوى من دعم الكتاب، وهو تحويل المجتمع إلى مجتمع قارئ، ذلك أن الثقافة هي شيء استراتيجي لا يرتبط فقط بالجامعة ولكن بالنيات التعليمية وبحركة مجتمع المعرفة. - ولكن لماذا بقي قطاع النشر في المغرب مشدودا إلى الوراء، ولم نتطور كما هو الحال بالنسبة إلى القاهرة أو بيروت أو عمان؟ < قطاع النشر في المغرب محكوم بشروط بنيوية وتاريخية، فعلى المستوى التاريخي المغرب آخر دولة دخلتها المطبعة في العالم العربي، كما أن المفهوم الحديث للناشر لم يظهر إلا مع الثمانينات، وهذا الأمر غير موجود في مصر أو بيروت، بسبب السبق الزمني، والمسار الذي مرت منه النهضة العربية، وبالتالي أوجدت هذه التحولات بنيات إنتاج قوية، لا ننسى المثال الذي نردده دائما: مصر تكتب وبيروت تطبع وبقية العالم العربي تقرأ، وهو مثال جيد للوقوف على آلة النشر الكبيرة التي تتحرك في أقطار عربة مثل مصر ولبنان. - هل عشتم بعض مشاكل تسديد مبالغ الدعم مع وزارة الثقافة؟ < في الحقيقة لنا سابقة مع وزارة الثقافة في ما يتعلق بتسديد قيمة الدعم المستحقة لنا، وتتلخص الحادثة في حصولنا على دعم كتاب العربي باطما «الهمام حسام» وهو ملحمة شعرية من أربعة أجزاء، وكنا اعتبرنا في دار توبقال أن نشر ملحمة شعرية من هذا العيار ولشاعر زجال واسم علم ارتبط باسم أشهر فرقة غنائية في تاريخ المغرب من شأنه أن يلاقي الترحيب. عملنا في الكتاب وهو عمل ضخم بكل جدية، حتى يخرج في أحسن الأحوال، لكننا فوجئنا بامتناع الوزارة الحالية عن الوفاء بالتزاماتها المالية حيالنا، بدعوى أن العقد المبرم في عهد الوزارة السابقة قد وقع عليه التقادم، شخصيا لا أفهم معنى التقادم، ولا هذا التبرير البدعة، وقد حاولنا إقناع الوزارة، لكن لا حياة لمن تنادي. والآن الكتاب طبع وموجود في السوق، وما زلنا ننتظر حقوقنا المشروعة. نحن فخورون بهذا الإنجاز لأنه انتصار للثقافة المغربية، والتي كان على الوزارة أن تمد لنا يد الدعم المادي والمعنوي، وتشكرنا على جرأة المبادرة، بدل أن تشهر في وجوهنا ورقة التقادم التي لا وجود لها إلا في مخيلة البعض. - وهل ستذهبون إلى القضاء لنيل حقوقكم؟ < نحن ننتظر، ونسير بهدوء، ونحاول أن نقنع المسؤولين، فهذا الكتاب ربح للثقافة المغربية. - لماذا لا توجد في المغرب هيئة منتظمة لقطاع النشر مثل اتحاد ناشرين مغاربة؟ < لقد حاولت مرارا أن أطرح هذا الموضوع، وأن أبين مزايا أن يكون لنا اتحاد ناشرين مغاربة وأثر ذلك على حركة النشر في المغرب، لكني اكتشفت أن هناك مغارب، وأن هناك أيضا تضاربا فضيعا في المصالح، فهناك ثلاث مغارب: العربوفونيون والفركفونيون والأمازيغيون، ولا أحد من هؤلاء استطاع أن يفكر في أهمية إطار موحد جامع، وبالتالي أقول إن المأزق التنظيمي أساسي وهو أحد جوانب المشكلة في عدم وجود قطاع نشر قوي في المغرب، ونحن في هذه الحالة نمر بفترة مخاض، توجد فيها صورة النشر في المغرب كالتالي: الكل يطبع، من مكتبيين ومطبعيين وناشرين، بل إن الوزارة نفسها تحولت إلى ناشر، في حين كان على الوزارة أن تنصرف في الفترة الحالية إلى محاولة تقوية قطاع النشر في المغرب وليس التحول إلى منافس، وإذا أرادت أن تنخرط في ماكينة النشر فلها أن تكون واضحة في هذا بإطلاق مشاريع وطنية للقراءة مثل برامج النشر التي تهدف إلى تعميم القراءة وتدعيم القارئ المغربي. - تحول الحصول على الدعم إلى تجارة، ألا ينزع عنه هذا المآل كل صفات النجاعة؟ < صحيح أن الدعم ارتبط كما اسمه ب«الناشر التاجر»، أنا لا أتحدث عن هذا النوع من الناشرين التجار. ثم إن الدعم موجود في كل الدول، ففي فرنسا مثلا تقدم الدولة لجميع دور النشر مهما كانت عراقتها وربحيتها دعما سنويا كبيرا، فما بالك بالحالة المغربية وفي مجتمع لا يقرأ، إننا في سياسة الدعم يجب أن ننتقل إلى الدعم المستند على مشروع مجتمعي واضح لا يخضع لقانون العرض والطلب ولكن مدفوعا بترسيخ فعل القراءة ودعم القدرة الشرائية للقارئ المغربي.