نظمت الجمعية البيضاوية للكتببين، أخيرا، في إطار أنشطتها الثقافية، لقاء مهما حول سؤال القراءة بالمغرب، نهاية الأسبوع الماضي، بتنسيق مع نادي القلم المغربي ومختبر السرديات واتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، بمؤسسة الإقامة الحرة الخاصة بالدارالبيضاء.ونشط اللقاء عدد من مجموعة من الفاعلين في المجال. في كلمته الافتتاحية، أشار يوسف بورة رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، إلى تناقص عدد القراء، مؤكدا أن التلاميذ، الذين يفترض فيهم أن يكونوا قراء الغد، يقتصرون فقط على المقرر. وفي السياق ذاته، عاتب بورة وسائل الإعلام على عدم قيامها بالدور المنوط بها في التعريف بالكتاب وتحبيبه للناشئة، مشيرا إلى ضعف أداء الكتبيين وعدم تطويرهم لوسائلهم في الاشتغال، ما يؤدي إلى تآكل القطاع، إضافة إلى شبه غياب تقاليد المكتبة الحديثة ببلدنا. ودعا إلى ضرورة إيلاء الأهمية للكتبي ومساعدته على تنظيم هذه المهنة، حتى لا تتعرض للانقراض، وانفتاحه على فضاءات عمومية من مدارس وجامعات ومعارض ثقافية. وأكد في ختام كلمته أن القراءة ضرورة ملحة، من غيرها لا يمكن للإنسان أن يواكب التحولات المتسارعة لعالم اليوم. من جهته، قدم شعيب حليفي ملاحظات وتأملات، في ورقة تناولت، وضع القراءة بالمغرب تاريخيا عبر العصور، وطبيعة وأشكال القراءة ومساهمتها في تشكل مفهوم الثقافة بشكل عام. كما توقف عن التحولات التي ستعرفها، ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر كمرحلة أولى، ثم خلال العقد الثالث من القرن 20. وربط حليفي خلال كل هذه المراحل القراءة بالنسق الثقافي وآليات الإنتاج في كل عصر. وفي الورقة تحدث حليفي حول راهن القراءة بالمغرب، مقدما عددا من المعطيات التي تبرز بأن القراءة لا تعرف أزمة وإنما هناك قراءات تتوزع على عدد من الكتل القارئة، التي تختلف أذواقها. واعتبر في النهاية أن القراءة موهبة مثلها مثل الكتابة أو أي ممارسة من الممارسات الفنية، التي تتطور وتتغير. انطلقت المداخلة الثانية لعبد اللطيف حباشي، من تساؤل حول فعل القراءة، باعتباره يجري ضمن حركية المجتمع وصيرورة التاريخ، وأنه يرتبط بالتربية بمفهومها العام، كما جرى التركيز على فعل القراءة كعملية تستجيب لحاجيات القارئ الثقافية. واحتكم المتدخل في مقاربته، للمنظور السوسيولوجي، واعتبر القراءة سلوكا ثقافيا واقتصاديا باعتبارها واقعة اجتماعية عامة"، وفعلا متعدد ومتنوع الشكل. كما أشار إلى ندرة الدراسات الميدانية الرزينة في هذا الباب. واعتبر أن ما يتعرض له المجتمع اليوم، من اختراق لفضاء قيمه وثقافته، نظرا للتحولات التي شهدها ويشهدها العالم من حولنا، كان لها الوقع البين والتأثير الواضح على مستوى البنيات السياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية. وتحدث عن نشأة الجيل الجديد "جيل النيت"، في علاقته بالقراءة انطلاقا من فكرة الاكتساح الطاغي لمنتجات التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وما تمارسه من جاذبية ساهمت بوعي أو عن غير وعي بانعكاساتها، في ابتلاع زمن القراءة المفترض ضمن "الحقيبة الزمنية" للشباب واليافعين، التي بدورها لم تعد تستوعب تضخم أوقات الترفيه الإضافية. واختتم عبد اللطيف حباشي، مداخلته بإثارة الانتباه إلى ما يصطلح عليه ب "اقتصاد الانتباه"، الذي يقوم على فكرة الالتقاط (التقاط الزمن المتاح من دماغ المستهلك) من أجل خلق فرص إضافية لبيع شيء ما. أما المداخلة الأخيرة فكانت لعبد الحق لبيض، الذي انطلق فيها من التباس وضع القراءة بالمغرب، بين من يقول بتراجع مستوى القراءة، وبين من يقول إن وضع القراءة لا يعرف أي أزمة، وأبرز مظاهر الأزمة، وأيضا، تطرق إلى بعض تجليات الوضع الإيجابي للقراءة بالمغرب، مؤكدا أنه يصعب الحسم في هذه الإشكالية في غياب دراسات وإحصائية. واختتم اللقاء بنقاش موسع ساهمت فيه عدد من الأطر والفعاليات المهتمة بشأن القراءة. * كاتب وباحث مغربي