أضحى الحديث عن الزواج هاجسا يؤرق بال شباب اليوم، فالتفكير فيه يبتدئ من مراحل عمرية متقدمة، باعتبار أن الحصول على زوج أو زوجة، جزء من المستقبل الذي يطمح الجميع إلى أن يعم فيه الاستقرار المادي والمعنوي، بما يكفل للشباب مسارا عمريا في مراحل الرجولة والشيخوخة بلا مشاكل.فالزواج نقطة الارتكاز لبناء حياة أسرية قارة، ومادامت الكفاية المادية أصبحت بمثابة "تيرموميتر" لقياس مدى التأهل للزواج، والطبيعة الاقتصادية بمتناقضاتها جعلت هذا المبتغى الشرعي في وضعية صعبة، فإن الشحنة الروحية، بما تحمله من حب وعشق وهيام وتقارب عقلاني، أصبحت استثناء. فإذا كانت أسرة البنت أول ما تبحث عنه في "ريبيرتوار" زوج المستقبل لابنتها هو الاستقرار المالي، لما يضمن العيش الكريم بدون أدنى مشاكل، فالشاب المقبل على الزواج أيضا، لم يجد بدا أمام غياب مورد مالي قار، من البحث بدوره عن زوجة ميسورة، أو تتوفر على مورد رزق يكفيه شر الحاجة والتخبط بمفرده في متاهات تغطية المطالب المتعددة لحياة اليوم. وبالتالي لم يعد الحب وما يدور في فلكه حافزا على الزواج، ويترك لحاله إلى حين أن يجد موقعا له في صحراء متطلبات الحياة الزوجية التي تكاد لا تنتهي. وفي خضم هذه الوضعية المتلبسة، أضحى مآل أغلبية الزيجات بعد فترة زواج المتعة، الطلاق، إما بسبب غياب ناظم لحياة يجب معايشتها بمشاكلها والتكيف مع تحولاتها، أو لانقضاء حبل الكلام الوردي والوعود التي يدحضها الواقع المعاش. وهكذا اتخذ البحث عن الزواج في وقتنا الحاضر، أشكالا عديدة، تتنوع ما بين الزواج الأبيض بالمقابل من أجل الهجرة إلى فضاءات أرحب، حيث تبتعد الشابة عن العيون المترصدة، ويحاول الشاب المهاجر قسرا، تكوين مستقبله بالعمل في مختلف الحرف والمهن، حتى ولو كانت تتنافى مع تكوينه التعليمي، فالمهم هو القطع مع الحاجة وإعانة أسرته. مع الأسف هناك من الشباب من ينتقم من الوضعية التي يعيشها، بارتكاب حماقات وجرائم حقيقية في حق فتيات رأين فيه عصا موسى التي ستنقدهن من العنوسة وتحميهن من ويلات الزمن، لكن ما أن يحصل الزوج المهاجر على المراد، حتى يرمي بعصاه فتخرج منها حية تلتهم مستقبل هذه الفتاة. وإذا كان الحال في سنوات مضت، فتيات مغربيات يملأن المجلات العربية التي تصدر في دول "البيترو دولار" والموزعة محليا، بأسمائهن وعناوينهن وصورهن بغية الوقوع في يد معجب ولهان، عسى أن ينتشلهن من براتين الانتظار الممل لزوج ابن البلد الذي أصبح عملة ناذرة. لكن ما كل هذه الأماني تتحقق، فمن هؤلاء من قادتهن لهفتهن للخروج من واقعهن المعاش، إلى امتهان الدعارة بكل تجلياتها، فإن في وقتنا الحاضر، تغير هذا النسق التعارفي إلى آليات تقنية متطورة أصبحت معها الصورة المتحركة عنوانا للجذب، وهكذا أضحت تقنيات الشات والنشر اللاسلكي لبطاقات التعارف، عملة جديدة للبحث عن الزواج تحت الطلب، مع ما لهذه التقنية من سلبيات، حيث فتح التواصل عبر الأنترنت شهية العديد من منعدمي الضمير للنصب على الفتيات والإطاحة بهن في شباك الاستغلال المادي والجسدي. وأثبتت أبحاث عدة أن الزواج عبر الإنترنت يعتبر وبالا على الاستقرار الأسري ويضرب في الصميم الإحساس بالثقة والأمان، ويجعل العلائق الإنسانية مسكونة بالشك والخوف. وما من شك أن طبيعة هذه الوضعية، التي تعيشها مؤسسة الزواج، تقتضي أن تتكاثف جهود الأسرة والمدرسة والجهات الوصية على الشأن الاجتماعي والاقتصادي، من أجل إيجاد انفراج لهذه الحالة الوبائية وإيجاد أنجع السبل لضمان زواج كريم للشاب، حتى تعود الحياة الاجتماعية إلى سكونها، الذي هو منبع السلوكات الحميدة والخلاقة. نوافذ أثبتت أبحاث عدة أن الزواج عبر الإنترنت يعتبر وبالا على الاستقرار الأسري ويضرب في الصميم الإحساس بالثقة والأمان ويجعل العلائق الإنسانية مسكونة بالشك والخوف.