تنتشر الأسواق بالدارالبيضاء في كل مكان، منها اليومية وحتى الأسبوعية التقليدية، التي تباع فيها الخضر والفواكه، والملابس والأثواب، والتي مازالت محافظة على مكانتها، رغم منافسة الأسواق النموذجية وحتى العصريةبل منها التي اكتسبت صيتا كبيرا، ويقصدها سكان المناطق المجاورة للمدينة العملاقة، كسوق "لقريعة لقديمة"، بمنطقة درب السلطان، المعروف ببيع الملابس المستعملة، لكن شهرة هذا الأخير لم تبق منحصرة في هذا الإطار الضيق، بل اتسعت، كي تشمل بيع الحيوانات، كالطيور والسلاحف والأسماك. كل هذه الأشياء تبدو عادية، لكن الغريب في هذا السوق العريق والقديم هو تخصيصه، يومي السبت والأحد، لبيع الكلاب بمختلف أشكالها وأنواعها، المسالمة والقوية، وحتى المحظورة منها. سوق لبيع الكلاب في الدارالبيضاء، أمر يصعب استيعابه من طرف زوار المدينة العملاقة، وحتى الأجانب، الذين يحلون بهذا السوق رفقة بعض المهاجرين المغاربة، أثناء العطلة الصيفية، إذ يستغربون لوجود هذا النوع من الأسواق، ويدفعهم الفضول للتجوال بداخله، وأخذ بعض الصور. مرتان في الأسبوع وجود السوق حقيقة حتى وإن كان يثير الاستغراب، يقام مرتين في الأسبوع، ويتربع على مساحة شاسعة، وفوق أرض متربة يكتنفها الغبار، ويعرض بها جميع أنواع وأشكال الكلاب. في السابق مهمة بيع الكلاب كانت موكولة للأجانب، إذ كانوا يعرضونها في واجهة محلاتهم التجارية، سيما بمركز المدينة، كما أن المهمة نفسها كانت موكولة لبعض الجمعيات الخاصة ببيع الحيوانات، كانت تحظى هذه الأخيرة بعناية فائقة. لكن غابت هذه المحلات، مع رحيل أصحابها، ولم يبق منها إلا القليل جدا، إذ سرق سوق بيع الكلاب في "القريعة القديمة" الأضواء منها، وأصبحت الكلاب تباع فيه بجميع أنواعها، المسالمة، ذات الشكل الجميل والأنيق، ك"الكانيش" والشواوا، والقوية الشرسة وحتى الممنوعة، ك"الدوبلمان"، و"البيت بول"، و"الروث ولير"، و"الشيان بوليس"، و"البيرجي ألمو"، هذه الأنواع الأخيرة يكون ثمنها باهظا ومتباينا، حسب نوع الكلب، والمهارة المطلوبة منه، والغرض الأساسي من امتلاكه. يقصد السوق منذ الصباح الباكر، كل من أراد شراء كلب لغرض معين، كما يتوجه إليه أيضا باعة الكلاب، الذين يملكون خبرة كبيرة في تربيتها وتدريبها، وحتى الأدوية المناسبة لعلاجها، هؤلاء "البياطرة" بالفطرة، الذين اكتسبوا تجربة في التعامل مع الكلاب، وأصبح في إمكانهم تطبيبهم، والقيام حتى ببعض العمليات التجميلية البسيطة للكلب منذ حداثة سنه، كتقويم الأذنين، اللذين يطلبان أن تكونا منتصبتين، لأن هذا الشكل يدل على قوة ونباهة الكلب. بدون ضمانات السوق لا يخضع لقوانين تضبطه، أو قوانين من شأنها أن تحمي "المشترين"، الذين ليست لهم ضمانات - إن كان الكلب يتوفر على أوراق طبية تثبت أنه في حالة صحية جيدة، وغير مصاب ببعض الأمراض المعدية أو الخطيرة ك"الجهل"، كما لا يخضع الباعة الذين لا يدفعون ضرائب، للقوانين نفسها. اكتظاظ السوق يومي السبت والأحد، يضاهي سوق بيع الأكباش بحي إفريقيا بالدارالبيضاء، عند اقتراب عيد الأضحى، إلا أن وجود هذا الأخير قرين بمناسبة عيد الأضحى، ويقام 10 أيام في السنة فقط، بينما سوق بيع الكلاب ب"القريعة القديمة"، سوق قار، ومعروف عند جل البيضاويين، خصوصا الذين يقطنون بالقرب منه، والذين ألفوا منظر مشاهدة حمل كلب في السيارات الفاخرة، التي يملكها أصحاب الفيلات أو الضيعات، والذين يقصدون السوق لشراء كلب للحراسة، أمر يثير الفضول، كما أن مشهد حمل كلب على دراجات نارية، أو جره بواسطة حزام، أو حبل "قنب" ودون "كمامة" واقية تحمي المارة من عضة مفاجئة، أضحى أمرا عاديا، ولا يثير الغرابة والمساءلة، حتى وإن كان من النوع الممنوع. كلاب "البّيت بول" ففي الوقت الذي تمنع فيه الدول الأوروبية، تربية الكلاب الشرسة، خاصة البيت بول، وتصدر عقوبات صارمة في حق مربيها، الذين يخضعون لأوامرها، مازال "سوق الكلاب" والشوارع في بلدنا، يعلنان وجوده، وإن كان يثير الرعب في المارة، الذين يجتنبونه، حتى لا يقعوا بين فكيه، ورغم الحوادث الخطيرة بل حتى المميتة، التي تسبب فيها هذا النوع من الكلاب الشرسة، لأبرياء لا ذنب لهم، فإن وجوده، بهذا السوق مازال معلنا، وكأن مربيها لا يخافون من أي جزر، أو من أي متابعة قانونية، ولا يراعون المخاطر، التي يمكن أن يشكلها لهم، أو حتى لبعض الأشخاص داخل السوق.